التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1193 1251 - حدثنا علي حدثنا سفيان قال : سمعت الزهري عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد ، فيلج النار إلا تحلة القسم " .

قال أبو عبد الله وإن منكم إلا واردها [مريم : 71] . [6656 - مسلم : 2632 - فتح: 3 \ 118]


ذكر فيه حديث أنس : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحنث ، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم " .

وحديث أبي سعيد : أن النساء قلن للنبي - صلى الله عليه وسلم - : اجعل لنا يوما . فوعظهن ، وقال : "أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد ، كانوا حجابا من النار " . قالت امرأة : واثنان ؟ قال : "واثنان " . وقال شريك ، عن ابن الأصبهاني : حدثني أبو صالح ، عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله [ ص: 430 ] عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال أبو هريرة : "لم يبلغوا الحنث " .

وحديث أبي هريرة : "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد ، فيلج النار إلا تحلة القسم " . قال أبو عبد الله وإن منكم إلا واردها [مريم : 71] .

الشرح :

يقال : احتسب فلان ولده : إذا مات كبيرا ، وافترطه : إذا كان صغيرا ، قاله ابن فارس ، وابن سيده ، والأزهري ، وآخرون ، وقال ابن دريد : احتسب فلان بكذا أجرا عند الله ، فيشتمل الكبير أيضا ، وحديث أنس أخرجه مسلم أيضا وللنسائي "من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة " فقامت امرأة فقالت : واثنان ، قال : "واثنان " قالت امرأة : يا ليتني ، قلت : واحدا .

وحديث أبي سعيد أخرجه البخاري أيضا كما سلف في العلم واضحا ، وقوله : وقال شريك عن ابن الأصبهاني إلى آخره ، كذا ذكره هنا ، وقال في كتاب العلم : وعن شعبة ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، سمعت أبا حازم ، عن أبي هريرة وقال "ثلاثة لم يبلغوا الحنث " .

[ ص: 431 ] والتعليق عن شريك رواه ابن أبي شيبة عنه عن عبد الرحمن : أتاني أبو صالح يعزيني عن ابن لي فأخذ يحدث عن أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ما من امرأة تدفن ثلاثة أفراط إلا كانوا لها حجابا من النار " فقالت امرأة : يا رسول الله قدمت اثنين ، قال : "ثلاثة " ، ثم قال : "واثنين واثنين " قال أبو هريرة : الفرط : من لم يبلغ الحنث .

وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضا بلفظ : جاءت امرأة بصبي لها فقالت : يا رسول الله ادع الله له فلقد دفنت ثلاثة ، فقال : "دفنتي ثلاثة ؟ " ، قالت : نعم ، قال : "لقد احتظرت بحظار شديد من النار " وفي لفظ : "صغارهن دعاميص الجنة ، يتلقى أحدهم أباه فيأخذ بثوبه أو بيده فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة " ، وللنسائي : "ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم ، يقال لهم : ادخلوا الجنة ، فيقولون : حتى يدخل أبوانا ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة أنتم وأبواكم " .

وفي حديث عن أبي عبيدة ، عن أبيه مرفوعا : "وواحد " واستغربه الترمذي ، وفيه معه مجهول .

[ ص: 432 ] إذا تقرر ذلك فالأحاديث المذكورة وغيرها دالة على أن أطفال المسلمين في الجنة ، وهو عندي إجماع ، ولا عبرة بالمجبرة حيث جعلوهم تحت المشيئة ، فلا يعتد بخلافهم ولا بوفاقهم ، وهو قول مهجور مردود بالسنة ، وإجماع من لا يجوز عليهم الغلط ; لاستحالة غفران الذنوب للآباء رحمة لهم دون أولادهم ، فإن الآباء رحموا بهم . وسيأتي الكلام في الأطفال في موضعه إن شاء الله .

نعم ذهب جماعة إلى التوقف في أطفال المشركين أن يكونوا في جنة أو نار ، منهم : ابن المبارك ، ، وحماد ، وإسحاق وعدي إلى أولاد المسلمين . وما عارض ذلك فإما ضعيف الإسناد ، والأحاديث الصحيحة مقدمة عليها . ومنها حديث سمرة الثابت في الصحيح : حديث الرؤيا "وأما الولدان حول إبراهيم فكل مولود يولد على الفطرة " قيل : يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ قال : "وأولاد [ ص: 433 ] المشركين " . وحديث : "إن الله خلق النار وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم " . ساقط ضعيف ، مردود بالإجماع والآثار كما قاله أبو عمر :

[ ص: 434 ] وقوله : كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين [المدثر : 38 - 39] قال علي : هم أطفال المسلمين . نقله أبو عمر عنه ،

[ ص: 435 ] وقال : لا مخالف له من الصحابة . قلت : وروى عبد بن حميد في "تفسيره " عنه أنهم أولاد المشركين .

وقوله : ( "ما من الناس من مسلم " ) شرط فيه الإسلام ; لأنه لا نجاة لكافر يموت أولاده . ويحتمل أن يكون ذلك كما قال ابن التين : لأن أجره على مصابه يكفر عنه ذنوبه ، فلا تمسه النار التي يعاقب بها أهل الذنوب ، ففي هذا تسلية للمسلمين في مصابهم بأولادهم .

وقوله : "لم يبلغوا الحنث " هو بالنون والثاء ، يقول لم يبلغوا أن تجري عليهم الحدود . والحنث في الأيمان يحلها الولد . قال أبو المعالي : بلغ الحنث . أي : بلغ مبلغا يجري عليه الطاعة والمعصية . وفي "المحكم " : الحنث : الحلم . وقال البخاري : إنه الذنب . قال القزاز : الذنب العظيم أن يبلغوا أن تكتب ذنوبهم من قوله تعالى : وكانوا يصرون على الحنث العظيم [الواقعة : 46] أي : الذنب . وقال صاحب "المطالع " : ذكر الداودي أنه روي بالخاء المعجمة أي : فعل المعاصي ، قال : وهذا لا يعرف إنما هو بالحاء المهملة ، وكذا استغربه ابن التين فقال : لم يروه غيره كذلك .

[ ص: 436 ] قوله : ( "إلا تحلة القسم " ) قد فسره البخاري بالورود ، وكذا فسره العلماء أي : فلا يردها إلا بقدر ما يبر الله قسمه .

قال أبو عبيد : موضع القسم مردود إلى قوله : فوربك لنحشرنهم [مريم : 68] وقيل : القسم مضمر والعرب تقسم وتضمر المقسم به ومثله قوله : وإن منكم لمن ليبطئن [النساء : 72] معناه : وإن منكم والله لمن ليبطئن وكذلك وإن منكم إلا واردها [مريم : 71] المعنى : والله إلا واردها ، وقال غيره : لا قسم في هذه الآية فتكون له تحلة وهو معنى قوله : "إلا تحلة القسم " إلا الشيء لا يناله معه مكروه فمعناه على هذين التأويلين : أن النار لا تمسه إلا قدر وروده عليها ثم ينجو بعد ذلك لقوله تعالى : ثم ننجي [مريم : 72] الآية ، وقيل : يقرون عليها وهي خامدة ، وقيل : يمرون على الصراط وهو جسر عليها قاله ابن مسعود وكعب الأحبار ، ورواية عن ابن عباس . وقيل : ما يصيبهم في الدنيا من الحمى . قال مجاهد : الحمى من فيح جهنم ، وهي حظ المؤمن من النار . لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء " .

وقيل : المراد به المشركون ، وحكي عن ابن عباس أيضا واحتج [ ص: 437 ] بقراءة بعضهم : وإن منكم إلا واردها أو تكون على مذهب هؤلاء ثم ننجي الذين اتقوا بخروج المتقين من جملة من يدخلها ; ليعلم فضل النعمة بما شاهد فيه أهل العذاب ، وبه قال الحسن وابن مسعود وقتادة : أن ورودها ليس دخولها -وقواه الزجاج - وابن عباس ومالك فيما حكاه ابن حبيب .

وغيرهما قالوا : إنه الدخول ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم .

وقال ابن بطال : العرب إذا أرادت تقليل مكث الشيء وتقصير مدته شبهوه بتحليل القسم ، فيقولون : ما يقيم فلان عند فلان إلا تحلة القسم ، ومعناه : لا تمسه إلا قليلا ، وتوهم ابن قتيبة أنه ليس بقسم وقد جاء في ذلك حديث مرفوع ، فذكره ، وقال أبو عمر : ظاهر قوله فتمسه النار أن [ ص: 438 ] الورود : الدخول ; لأن المسيس حقيقته في اللغة : المماسة . روي عن عباس وعلي أن الورود : الدخول . وكذا رواه أحمد عن جابر .

[ ص: 439 ] وقال قوم : الورود للمؤمنين أن يروا النار ثم ينجوا منها الفائزون ويصلاها من قدر عليه . قال : ويحتمل أن تكون تحلة القسم [استثناء منقطعا] فيكون المعنى : لكن تحلة القسم أي : لا تمسه النار أصلا كلاما تاما ثم ابتدأ إلا تحلة القسم لا بد منها لقوله : وإن منكم إلا واردها قال : والوجه عندي في هذا الحديث وشبهه أنها لمن حافظ على أداء فرائضه واجتنب الكبائر .

قال أبو عبيد : وهذه الآية أصل لمن حلف ليفعلن كذا ثم فعل منه شيئا أنه يبر في يمينه فيكون قد بر في القليل كما بين في الكثير ، وليس يقول ذلك مالك .

وقوله : ( "إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم " ) قيل : إن الهاء راجعة إلى الأب . وقيل : إلى الرب جل جلاله ; لأن له الفضل والمنة ، فذكر ما للآباء من الفضل ولم يذكر ما في الأولاد ، لكن إذا رحم بهم الآباء فالأبناء أولى بالرحمة وأحرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية