التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
102 102 - حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا غندر قال: حدثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن ذكوان، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا. وعن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: سمعت أبا حازم، عن أبي هريرة قال: "ثلاثة لم يبلغوا الحنث ". [1250 - مسلم: 3634 - فتح: 1 \ 196]


حدثنا آدم ثنا شعبة حدثني ابن الأصبهاني سمعت أبا صالح ذكوان يحدث، عن أبي سعيد الخدري : قالت النساء للنبي - صلى الله عليه وسلم -: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك. فوعدهن يوما لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: "ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار". فقالت امرأة: واثنتين؟ فقال: "واثنتين".

حدثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن ذكوان، عن أبي سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا. وعن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: سمعت أبا حازم، عن أبي هريرة قال: "ثلاثة لم يبلغوا الحنث".

[ ص: 497 ] الكلام عليه من أوجه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع: هنا كما ترى، وفي الجنائز عن مسلم، عن شعبة به. وعن بندار، عن غندر، عن شعبة به، وزاد غندر طريق أبي هريرة . قال البخاري : وقال شريك، عن ابن الأصبهاني : حدثني أبو صالح، عن أبي سعيد، وأبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو هريرة : "ثلاثة لم يبلغوا الحنث".

ورواه في كتاب الاعتصام عن مسدد، عن أبي عوانة، عن ابن الأصبهاني، عن أبي صالح، عن أبي سعيد .

وأخرجه مسلم في الأدب عن أبي كامل، عن أبي عوانة، وعن أبي موسى وبندار، عن غندر، عن شعبة . وعن عبد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة كلاهما عن ابن الأصبهاني، عن أبي سعيد به، وزاد في حديث شعبة طريق البخاري عن أبي هريرة .

وسيأتي في الجنائز من حديث أنس مرفوعا: " ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحنث، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ". ورواه مسلم بلفظ: "لا يموتن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة ".

[ ص: 498 ] وفيهما من حديث أبي هريرة مرفوعا: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد، فتمسه النار إلا تحلة القسم".

وأخرج في الرقاق من حديثه أيضا: "يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة".

ثانيها: في التعريف برواته غير من سلف التعريف به:

فأبو حازم (ع) اسمه: سلمان الأشجعي، مولى عزة الأشجعية . مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وهو كوفي تابعي ثقة.

قلت: وأبو حازم (ع) سلمة بن دينار الزاهد آخر يروي عن سهل بن سعد . وعنه: مالك وغيره، وهو ثقة. مات سنة خمس وثلاثين ومائة، وقيل: سنة ثلاث. وقيل: بعد الأربعين.

[ ص: 499 ] وابن الأصبهاني (ع): عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي مولى لجديلة قيس - وهم بطن من قيس غيلان وهم: فهم وعدوان ابنا عمر بن قيس، أمهم جديلة بفتح الجيم نسبوا إليها، أصله من أصبهان، خرج منها حين افتتحها أبو موسى الأشعري . قال أبو حاتم : لا بأس به. مات في إمارة خالد على العراق، قاله ابن منجويه.

ثالثها: في ألفاظه:

المراد بالحنث: الإثم، المعنى: أنهم ماتوا قبل بلوغهم التكليف، فلم تكتب عليهم الآثام، وخص الحكم بالذين لم يبلغوا الحنث -وهم الصغار- لأن قلب الوالدين على الصغير أرحم وأشفق دون الكبير; لأن الغالب على الكبير عدم السلامة من مخالفة والديه وعقوقهم.

وقوله: "إلا كان لها" كذا جاء هنا: "كان" وفي كتاب الاعتصام ومسلم : "إلا كانوا لها". وفي البخاري في الجنائز: "إلا كن لها" وأتى بلفظ التأنيث على معنى النسمة والنفس كقوله تعالى: فادخلي في عبادي [الفجر: 29].

وقوله: "واثنتين" قاله بوحي عقب السؤال ويجوز أن يكون قبله.

والمراد: بالحدة في تبويب البخاري : الناحية، يعني: منفردات وحدهن، والهاء في آخر الكلمة عوض من الواو المحذوفة من أول الكلمة، كما فعلوا في عدة وزنة أصلها وعدة ووزنة من الوعد والوزن.

[ ص: 500 ] رابعها: في فوائده:

الأولى: فضل تقديم الأولاد، وقد جاء في الترمذي وقال: غريب. وابن ماجه ذكر الواحد من حديثما ابن مسعود مرفوعا: "من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حصنا حصينا من النار" فقال أبو ذر: قدمت اثنين قال: "واثنين". قال أبي بن كعب: قدمت واحدا قال: "وواحدا".

واستنبط القابسي وغيره الواحد من حديث أبي هريرة السالف في الرقاق، وهذا صريح فيه.

الثانية: ما ترجم له وترجم عليه في الجنائز: فضل من مات له ولد فاحتسب . والاحتساب والحسبة والحسبان بالكسر: ادخار الأجر عند الله، وأن يعتبر بمصابه ويحتسبه من حسناته، فهذا الثواب حاصل لمن احتسب أجره على الله وصبر.

الثالثة: إن مفهوم العدد لا يدل على الزائد ولا على الناقص; لقولها: (واثنتين يا رسول الله؟) وهي من أهل اللسان، كذا قاله عياض وابن بطال وغيرهما، وفيه نظر.

الرابعة: أن أولاد المسلمين في الجنة ; لأنه إذا أدخل الآباء الجنة بفضل رحمة الأبناء فالأبناء أولى بها.

قال المازري : وهو إجماع في حق أطفال الأنبياء، وقول الجمهور في أولاد من سواهم من المؤمنين وبعضهم لا يحكي خلافا، ويحكي [ ص: 501 ] الإجماع على دخولهم الجنة، ويستدل بظاهر الأحاديث والآيات وبعض الآثار، قال تعالى: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا [الطور: 21] الآية.

وبعض المتكلمين يقف فيهم ولا يرى نصا مقطوعا به بكونهم فيها ولم يثبت الإجماع (عندهم).

قلت: وما أبعده! فالصواب القطع بالإجماع.

الخامسة: سؤال النساء عن أمر دينهن، وجواز كلامهن مع الرجال في ذلك وفيما تمس الحاجة إليه، وقد أخذ العلم عن أمهات المؤمنين وعن غيرهن من نساء السلف.

التالي السابق


الخدمات العلمية