التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1206 [ ص: 473 ] 19 - باب: الكفن في ثوبين

1265 - حدثنا أبو النعمان ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال : بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته -أو قال : فأوقصته- قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبين ، ولا تحنطوه ، ولا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " . [1266 ، 1267 ، 1268 ، 1839 ، 1849 ، 1850 ، 1851 - مسلم : 1206 - فتح: 3 \ 135]


ذكر فيه حديث ابن عباس : بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته -أو قال : فأوقصته- قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اغسلوه بماء وسدر . . " الحديث .

وأخرجه مسلم أيضا . وترجم عليه باب : الحنوط للميت ، ثم ذكره ولفظه فأقصعته أو قال : فأقعصته ، وفيه : "ولا تحنطوه " ثم ترجم عليه باب : كيف يكفن المحرم ثم ذكره فيه من طريقين عن ابن عباس ، وهذا الرجل لا أعلمه ورد مسمى ، وكان وقوعه عنها عند الصخرات موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما قاله ابن حزم .

وفيه : إطلاق الواقف على الراكب .

والراحلة : الناقة تطلق على الذكر والأنثى .

والوقص : كسر العنق ، والظاهر أن : (أو ) من الراوي عن ابن عباس وهما لغتان والثلاثي أفصح .

[ ص: 474 ] والقعص : قتله لحينه ، ومنه قعاص الغنم ، والقصع : الشدخ وهو خاص بكسر العظم ، وقد يستعار في كسر الرقبة على بعده .

وقوله : ( "لا تحنطوه " ) هو بالحاء المهملة ; أي : لا تمسوه حنوطا ، والحنوط والحناط أخلاط من طيب تجمع للميت خاصة لا تستعمل في غيره . وترجم له الحنوط ; لأن فيه : "ولا تحنطوه " للمحرم ; فدل أنه إذا لم يكن محرما يحنط وهو مستحب على الأصح ، وقيل : واجب وجزم ابن الحاجب استحبابه ، ثم قال : والكافور أولى ، وهو يفهم أنه غير الحنوط وهو أحد أجزاء الحنوط والتخمير التغطية .

وقوله : ( "ولفوه في ثوبيه " ) إنما لم يزده ثالثا ; إكراما له كما في الشهيد لم يزد على ثيابه .

وقوله : ( "فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " ) معناه : على هيئته التي مات عليها ; ليكون ذلك علامة لحجه ، كالشهيد يأتي وأوداجه تشخب دما ، وقال الداودي : يخرج من قبره فيأتي بما كان بقي عليه وهو غيرهن ، وفي رواية أخرى : "ملبدا " .أي : على هيئته ملبدا شعره بصمغ ونحوه ، وفي أفراد مسلم : "ولا رأسه " قال البيهقي : وذكر الوجه وهم من بعض رواته في الإسناد ، والمتن الصحيح : "لا تغطوا رأسه " كذا أخرجه البخاري ، وذكر الوجه فيه غريب .

[ ص: 475 ] أما فوائده :

فالأولى : قال مالك وأبو حنيفة : لا أحب لأحد أن يكفن في أقل من ثلاثة أثواب ، وإن كفن في ثوبين فحسن على ظاهر هذا الحديث : في ثوبيه .

الثانية : ظاهر الحديث بقاء حكم الإحرام بعد الموت ، وبه قال عثمان ، وعلي ، وابن عباس ، وعطاء ، والثوري ، وإسحاق ، والشافعي ، وأحمد ، وأهل الظاهر فيحرم ستر رأسه وتطييبه ولم يقل به مالك ولا أبو حنيفة ، وهو مذهب الحسن ، والأوزاعي ، وحكي عن عثمان ، وعائشة ، وابن عمر ، وطاوس وهو مقتضى القياس ; لأن بالموت انقطع التكليف .

والشافعي قدم ظاهر الحديث على القياس ، وأجيب عن الحديث بأنه خاص بذلك الرجل ، ولذلك قال : "فإنه " وما قال : المحرم ولذلك لا يطاف به ، ولا يكمل مناسكه ولأنه أمر بغسله بالسدر والمحرم ممنوع منه ، كما حكاه ابن المنذر في "إشرافه " وهو غريب عنه .

وللشافعي أن يقول : العلة الإحرام وهي عامة في كل محرم ، والأصل عدم الخصوص ، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : "يبعث المرء على ما مات عليه " وهو عام في كل صورة ومعنى ، والشهيد يأتي يوم القيامة ودمه شهيد ، واعتذر الداودي فقال : لم يبلغ مالكا هذا الحديث . فإن قلت : قد غسل ابن عمر وابنه واقدا بالجحفة وخمر رأسه ووجهه ، وكفنه يوم مات وهو محرم ، وقال : لولا أنه أحرم [ ص: 476 ] لطيبناه . أخرجه في "الموطأ " .

قلت : لعله لم تبلغه السنة ، وفي "مصنف ابن أبي شيبة " عن عطاء سئل عن المحرم يغطى رأسه إذا مات ؟ [قال] : غطى ابن عمر وكشف غيره .

وقال طاوس : يغيب رأس المحرم إذا مات .

وقال الحسن : إذا مات المحرم فهو حلال ، وكذا قاله علي وعائشة ، وعامر .

وقال أبو جعفر : المحرم يغطى رأسه ولا يكشف .

قال ابن حزم : وصح عن عائشة تحنيطه وتطييبه وتخمير رأسه . قال : وقد صح عن عثمان خلافه .

الثالثة : فيه أن الكفن من رأس المال وقد سلف .

الرابعة : أن المحرم لا يكفن إلا في مثل لباسه غير مخيط .

الخامسة : أن للمحرم أن يبدل ثوبيه بثوبين غيرهما لرواية "وكفنوه في ثوبين " ، وقد ذكرها البخاري كذلك من ثلاث طرق وإن كان في الرواية : "ثوبين " .

السادسة : غسله بالسدر وأنه جائز للمحرم وفيه رد على مالك وأبي حنيفة وآخرين حيث منعوه .

السابعة : أن إحرام الرجل في الرأس دون الوجه ورواية الوجه ، قد علمت ما فيها ، وفي رواية للطرطوشي في كتاب "الحج " من حديث أبي الشعثاء عنه مرفوعا : "لا تخمروا رأسه وخمروا وجهه " .

[ ص: 477 ] الثامنة : أن الميت إذا مات محرما لا يكمل عليه غيره كالصلاة ، وقد وقع أجره على الله .

التاسعة : فيه أن من شرع في طاعة ثم حال بينه وبين إتمامها الموت فيرجى له أن الله تعالى يكتبه في الآخرة من أهل ذلك العمل ، ويقبله منه إذا صحت النية ، ويشهد له قوله تعالى : ومن يخرج من بيته مهاجرا [النساء : 100] الآية .

العاشرة : الموت يبطل الصلاة وفي الصوم وجهان :

أصحهما : نعم كالصلاة .

والثاني : لا كالإحرام ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعثمان : "أنت تفطر عندنا الليلة " رواه ابن حبان في "صحيحه " ، والحاكم في "مستدركه " ، وقال : صحيح الإسناد .

[ ص: 478 ] فائدة :

قال ابن التين في كتاب الحج في قوله : "ولا تغطوا رأسه " : دلالة على أن للإحرام تعلقا بها ، وكذلك الوجه ، وبه قال ابن عمر ومالك ، وغطى عثمان وجهه . قال : واختلف أصحابنا : هل ذلك على الكراهة أو التحريم ؟ وقال أبو حنيفة : الوجه كالرأس . وقال الشافعي : لا تعلق له بالوجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية