التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1216 [ ص: 490 ] 26 - باب: إذا لم يوجد إلا ثوب واحد

1275 - حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم ، أن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أتي بطعام وكان صائما ، فقال : قتل مصعب بن عمير وهو خير مني ، كفن في بردة ، إن غطي رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي رجلاه بدا رأسه -وأراه قال :- وقتل حمزة وهو خير مني ، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط -أو قال : أعطينا من الدنيا ما أعطينا- وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا . ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام . [انظر : 1274 - فتح: 3 \ 142] .


الشرح :

هذه الترجمة رواها ابن أبي حاتم قال : سألت أبي عن حديث ثمامة البصري ، عن أبي الزبير ، عن جابر : الكفن من جميع المال ، فقال : حديث منكر .

وإبراهيم بن سعد هذا هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، روى عن أبيه ، عن جده ، عن عبد الرحمن ، جد أبيه ، ولإبراهيم هذا ابن يسمى يعقوب ، ثقة ، فهم خمسة من نسق فقهاء ثقات .

وهو دال على ما بوب له البخاري ، ونقله في بعض نسخه عن الحميدي أن الكفن من رأس المال وقد سلف ما فيه ، وهو قول الجمهور ، والحجة لهم أن مصعب بن عمير وحمزة لم يوجد لكل واحد منهما ما يكفن فيه إلا بردة قصيرة فكفنه فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يلتفت إلى غريم ، ولا إلى وصية ولا إلى وارث ، وبداه على ذلك كله .

[ ص: 491 ] وفي "صحيح الحاكم " من حديث أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - مر على حمزة وقد جدع فقال : "لولا أن تجد صفية تركته حتى يحشره الله تعالى من بطون الوحش والطير " وكفنه في نمرة إذا خمر رأسه بدت رجلاه وإذا خمرت رجلاه بدا رأسه .

وفيه : جواز التكفين في ثوب واحد عند عدم غيره ، كما ترجم له بعد ، والأصل : ستر العورة ، وإنما استحب لهما - صلى الله عليه وسلم - التكفين في تلك الثياب التي ليست بسابغة ; لأنهم فيها قتلوا وفيها يبعثون إن شاء الله .

وكفن المرأة من مالها عند الشعبي وأحمد ، وعندنا : على الزوج على اضطراب فيه . وللمالكية ثلاثة أقوال : ثالثها : إن كانت فقيرة فعلى الزوج ، وفي كفن من تجب نفقته كالأب والابن قولان لهم ولو سرق بعد دفنه فثالثها لهم . إن لم يقسم مالها أعيد .

[ ص: 492 ] ومصعب هذا أول من هاجر إلى المدينة ، وكان يقرئهم القرآن ، وذكر البخاري في المناقب باب : مصعب بن عمير ، ولم يذكر فيه شيئا وكأنه أحال على ما ذكره هنا لشهرته .

والبردة : النمرة كالمئزر ربما ائتزر به وربما ارتدي ، وربما كان لأحدهم بردتان ، يأتزر بإحداهما ويرتدى بالأخرى ، وربما كانت كبيرة ، وقيل : النمرة كل شملة مخططة من مآزر الأعراب .

وقال القتبي : هي بردة يلبسها الإماء . وقال ثعلب : هو ثوب مخطط تلبسه العجوز . وقيل : كساء ، وقال القزاز : هي دراعة تلبس أو تجعل على الرأس فيها لونان : سواد وبياض .

وفيه : أن العالم يذكر سير الصالحين ، وتقللهم من الدنيا ; لتقل رغبتهم فيها ، ويبكي من تأخر لحاقه بالأخيار ، ويشفق من ذلك ; ألا ترى أنه بكى وترك الطعام .

وفيه : أنه ينبغي للمرء أيضا أن يتذكر نعم الله عنده ، ويعترف بالتقصير عن أداء شكره ، ويتخوف أن يقاص بها في الآخرة ، ويذهب سعيه فيها ، وبكاء عبد الرحمن -وإن كان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة- هو ما كانت عليه الصحابة من الإشفاق والخوف من التأخر عن اللحاق بالدرجات العلى وطول الحساب .

التالي السابق


الخدمات العلمية