التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1217 [ ص: 493 ] 27 - باب: إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه أو قدميه غطى رأسه

1276 - حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا شقيق ، حدثنا خباب - رضي الله عنه - قال : هاجرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نلتمس وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا منهم : مصعب بن عمير -ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها- قتل يوم أحد ، فلم نجد ما نكفنه إلا بردة ، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه ، فأمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نغطي رأسه ، وأن نجعل على رجليه من الإذخر . [3897 ، 3913 ، 4047 ، 4082 ، 6432 ، 6448 - مسلم : 940 - فتح: 3 \ 142]


ذكر فيه حديث خباب وفيه أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد ، فلم نجد ما نكفنه إلا بردة ، إذا غطينا بها رأسه خرجت ، الحديث ، فأمرنا أن نغطي رأسه ، وأن نجعل على رجليه من الإذخر .

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا . وفي بعض روايات البخاري : قتل يوم أحد ولم يترك إلا نمرة . وفي أخرى : وترك نمرة ، خرجه في المغازي ، وفي باب : هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي غيره .

ومعنى أينعت : نضجت وأدركت ، ويقال : ينعت . ومنه قوله تعالى وينعه [الأنعام : 99] . وقال الحجاج في خطبته : أرى رءوسا قد أينعت . أي : حان قطافها .

[ ص: 494 ] ويهدبها : يجتنيها بضم الدال وكسرها . وقول خباب هذا ، مما أشعر به نفسه من الخوف مع أخذهم الكفاف ، وهذه صفة المؤمن .

وفيه : أن الثوب إذا ضاق فتغطية الرأس أولى أن يبدأ به من رجليه ; لشرفه .

قال المهلب : إنما أمر بتغطية الأفضل إذا أمكن ذلك بعد ستر العورة ولو ضاق الثوب عن تغطية رأسه وعورته لغطيت بذلك عورته وجعل على سائره من الإذخر -وهو بالذال المعجمة معروف- لأن ستر العورة واجب في حال الموت والحياة ، والنظر إليها ومباشرتها باليد محرم إلا من حل له من الزوجين ، كذا قال . وهو ظاهر على من يقول إن الكفن يكون ساترا لجميع البدن وإن الميت يصير كله عورة وإلا فالظاهر إنما ستره طلبا للأكمل .

وفيه : ما كان عليه صدر هذه الأمة من الصدق في وصف أحوالهم ألا ترى إلى قوله : (فمنا من لم يأكل من أجره شيئا ) يعني : لم يكسب من الدنيا شيئا ولا اقتناه ، وقصر نفسه عن شهواتها ; لينالها موفرة في الآخرة .

و (منها من أينعت له ثمرته ) يعني : من كسب المال ، ونال من عرض الدنيا .

وفيه : أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار ودرجات الأخيار ، فمن صبر على ذلك عوفي من حر النار .

فائدة : خباب هو ابن الأرت -بتشديد المثناة فوق- تميمي ، وقيل : خزاعي بدري من السابقين ، مات سنة سبع وثلاثين وصلى عليه علي .

[ ص: 495 ] ومصعب بن عمير هو أول من هاجر إلى المدينة -كما سلف في الباب قبله- وهو أخو أبي عزيز الذي فدي يوم بدر بأربعة آلاف ، ثم أسلم وصحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه . وأختهما هند أم شيبة بن عثمان ، أمهم أم خناس بنت مالك من بني عامر بن لؤي ، وأخوهم أبو الروم قديم الإسلام ، أمه أم رومة ، وأبو يزيد أخوهم ، قتل كافرا يوم أحد ، كلهم أولاد عمير بن هاشم بن عبد مناف ، شهد أبو الروم أحدا وقتل باليرموك ، وقيل : اسم أبي عزيز زرارة ، وكان حامل لواء المشركين يوم بدر ، ويوم أحد حتى قتله ابن قميئة الليثي -لعنه الله- عن نيف وأربعين سنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية