التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1219 [ ص: 499 ] 29 - باب: اتباع النساء الجنائز

1278 - حدثنا قبيصة بن عقبة ، حدثنا سفيان ، عن خالد [الحذاء ] ، عن أم الهذيل ، عن أم عطية رضي الله عنها قالت : نهينا عن اتباع الجنائز ، ولم يعزم علينا . [انظر : 313 - مسلم : 938 - فتح: 3 \ 144]


ذكر فيه حديث أم عطية قالت : نهينا عن اتباع الجنائز ، ولم يعزم علينا .

هذا الحديث سلف في باب الطيب للمرأة عند غسلها في المحيض .

ومعنى (لم يعزم علينا ) : أي لم يوجب ويفرض ، أو لم يشدد . وقال الداودي : يعني : اتباعها إلى الكدى ، وهي القبور . قال : ولعل قولها : (ولم يعزم علينا ) أي : أن لا نأتي أهل الميت ، وقد روى أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى فاطمة في ممشاه ، فسألها : "أين أردت " فقالت : أتيت إلى فلان أعزيهم ، فقال : "لعلك بلغت معهم الكدى " فقالت : معاذ الله وقد سمعت منك ما سمعت ، فقال : "لو بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك " . قال الحاكم فيه : حديث صحيح على شرط الشيخين .

[ ص: 500 ] وقول أم عطية دال لقول ابن حبيب : يكره خروج النساء في الجنائز من غير نوح وبكاء في جنازة الخاص من قرابتهن ، وغيره قال : ينبغي للإمام منعهن من ذلك ، ففي الحديث : "ارجعن مأزورات غير مأجورات "

وفي "المدونة " : كان مالك يوسع للنساء في الخروج إلى الجنائز ، وقد خرجت أسماء تقود فرسا للزبير وهي حامل حتى عوتب في ذلك .

فإن قلت بإباحة ذلك فتخرج المتجالة له على القريب وغيره ، وتخرج الشابة على الولد والوالد والزوج والأخ . ومن لم يكن مثلهم فيكره خروجها لجنازته ، وقد سلف في باب الأمر باتباع الجنائز شيء مما نحن فيه أيضا .

[ ص: 501 ] قال ابن المنذر : روينا عن ابن مسعود وابن عمر وأبي أمامة وعائشة أنهم كرهوا للنساء اتباع الجنائز وكره ذلك إبراهيم ومسروق والنخعي والحسن ومحمد بن سيرين ، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق .

وقال الثوري : اتباع النساء بدعة ، وعن أبي حنيفة : لا ينبغي ذلك للنساء ، وروى إجازة اتباع النساء الجنائز عن ابن عباس . والقاسم ، وسالم ، وعن الزهري وربيعة ، وابن الزناد مثله ، ورخص مالك في ذلك وقال : قد خرج النساء قديما في الجنازة ، وخرجت أسماء تقود فرس الزبير وهي حامل ، ما أرى بخروجهن بأسا إلا في الأمر المستنكر .

وقد احتج بعض من كره ذلك بحديث الباب ومن أجازه أيضا ، وقال المهلب : هذا الحديث يدل على أن النهي من الشارع على درجات فمنه نهي تحريم ونهي تنزيه ونهي كراهة ، وقال القرطبي : ظاهر الحديث التنزيه وإليه صار الجمهور وبه قال الشافعي .

وقال ابن حزم : لا يمنعن من اتباعها ، وآثار النهي عن ذلك ليست تصح ; لأنها إما عن مجهول أو مرسلة ، أو عمن لا يحتج به وأشبه شيء في حديث الباب وهو غير مسند ; لأنا لا ندري من هو الناهي ، ولعله بعض الصحابة ثم لو صح مسندا لم يكن فيه حجة بل كان يكون كراهة فقط ، وقد صح خلافه ، روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة [ ص: 502 ] أنه - صلى الله عليه وسلم - كان في جنازة فرأى عمر امرأة فصاح بها ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعها يا عمر ، فإن العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب " .

قلت : أخرجه الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وليس بجيد لأنه منقطع ، كما بينه البيهقي ، قلت : وفيه مجهول ، وإنما قالت أم عطية : ولم يعزم علينا ; لأنها فهمت عن الشارع أن ذلك النهي إنما أراد به ترك ما كانت الجاهلية تقوله من الفجر وزور الكلام وقبيحه ونسبة الأفعال إلى الدهر ، فهي إذا تركت ذلك وبدلت منه الدعاء والترحم عليه كان حقيقا ، فهذا يدل أن الأوامر تحتاج إلى معرفة تلقي الصحابة لها ونظر كيف تلقوها .

ما أسلفناه عن ابن حزم في دعواه أن حديث أم عطية غير مسند ، ليس بجيد منه فقد أخرجه ابن شاهين من حديث خالد الحذاء عن أم الهذيل ، عن أم عطية قالت : نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا .

ثم قال : وقد روي عن يزيد بن أبي حبيب أنه - صلى الله عليه وسلم - حضر جنازة رجل فلما وضعت ; ليصلي عليها أبصر امرأة فسأل عنها فقيل : هي أخت الميتة فقال لها : "ارجعي " فلم يصل عليها حتى توارت . وقال لامرأة أخرى : "ارجعي وإلا رجعت " وأحسن حالات المرأة مع الجنازة أنها لا تؤجر في حضورها .

[ ص: 503 ] وقال الحازمي : أما اتباع الجنائز فلا رخصة لهن فيه .

فرع :

انفرد الشعبي فقال : لا تصلي النساء على الجنازة ، وما أبعده ولا خفاء في فعلها وحدهن ، قال ابن القاسم : يصلين أفرادا على الأصح واحدة بعد واحدة على الأصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية