التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1223 [ ص: 507 ] 31 - باب: زيارة القبور

1283 - حدثنا آدم حدثنا شعبة ، حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر فقال : "اتقي الله واصبري " . قالت : إليك عني ، فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه . فقيل لها : إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - . فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين فقالت : لم أعرفك . فقال : " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " . [انظر : 1252 - مسلم : 926 - فتح: 3 \ 148]


ذكر فيه حديث أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة تبكي عند قبر . . الحديث . وقد سلف في باب : قول الرجل للمرأة عند القبر : اتقي الله واصبري .

أهل العلم قاطبة -كما قال الحازمي- على الإذن في زيارة القبور للرجال ، وفي "صحيح مسلم " من حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول : "السلام عليكم دار قوم مؤمنين " ، ومن حديث بريدة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا . . الحديث .

وغير ذلك من الأحاديث وكره قوم ذلك ; لأنه روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث في النهي عنها ، وقال الشعبي : لولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن زيارة القبور لزرت قبر ابنتي .

[ ص: 508 ] قال إبراهيم النخعي : كانوا يكرهون زيارة القبور ، وعن ابن سيرين مثله ، ثم وردت أحاديث بنسخ النهي وإباحة زيارتها ، ففي أفراد مسلم من حديث أبي هريرة : "زوروا القبور فإنها تذكر الموت "

ومن حديث بريدة : "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " .

وروى ابن أبي شيبة من حديث أنس : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن زيارة القبور ، ثم قال : "زوروها ولا تقولوا هجرا " . وروي من حديث ابن مسعود أيضا .

[ ص: 509 ] وفي "المستدرك " من حديث أبي ذر قال : قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : " زر القبور وتذكر بها الآخرة " ثم قال : رواته ثقات . وللزمخشري : "ولا تزرها بالليل " .

وحديث الباب يشهد لأحاديث الإباحة لأنه - عليه السلام - إنما عرض عليها الصبر ورغبها فيه ، ولم ينكر عليها جلوسها عنده ، ولا نهاها عن زيارته ; لأنه لا يترك أحدا يستبيح ما لا يجوز بحضرته ولا ينهاه ; لأن [ ص: 510 ] الله فرض عليه التبليغ والبيان لأمته . فحديث أنس وشبهه ناسخ لأحاديث النهي في ذلك ، وحديث بريدة صريح فيه ، وأظن الشعبي والنخعي لم تبلغهما أحاديث الإباحة .

وكان الشارع يأتي قبور الشهداء عند رأس الحول فيقول : "السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " ، وكانأبو بكر وعمر وعثمان يفعلون ذلك .

وزار الشارع قبر أمه يوم الفتح في ألف مقنع . ذكره ابن أبي الدنيا .

وذكر ابن أبي شيبة عن علي وابن مسعود وأنس إجازة الزيارة .

وكانت فاطمة تزور قبر حمزة كل جمعة . وكان ابن عمر يزور قبر [ ص: 511 ] أبيه فيقف عليه ويدعو له . وكانت عائشة تزور قبر أخيها عبد الرحمن وقبره بمكة ، ذكره أجمع عبد الرزاق .

وقال ابن حبيب : لا بأس بزيارة القبور والجلوس إليها والسلام عليها عند المرور بها ، وقد فعل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وسئل مالك عن زيارتها فقال : قد كان نهي عنه ثم أذن فيه ، فلو فعل ذلك إنسان ولم يقل إلا خيرا لم أر بذلك بأسا . وروي عنه أنه كان يضعف زيارتها ، وقوله الذي تضعفه الآثار . وعمل السلف أولى بالصواب .

وحمل بعضهم حديث لعن زوارات القبور على من يكثر منها ; لأن زوارات للمبالغة .

[ ص: 512 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[ ص: 513 ] قال القرطبي : ويمكن أن يقال إن النساء إنما يمنعن من إكثار الزيارة ; لما يؤدي إليه الإكثار من تضييع حقوق الزوج ، والتبرج والشهرة والتشبه عن تلازم القبور لتعظيمها ، ولما يخاف عليها من الصراخ ، وغير ذلك من المفاسد ، وعلى هذا يفرق بين الزائرات والزوارات .

قلت : والحديث ورد بهما .

والأمة مجمعة على زيارة قبر نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر ، وكان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قبره المكرم ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليكم يا أبتاه .

ومعنى النهي عن زيارة القبور إنما كان في أول الإسلام عند قربهم بعبادة الأوثان واتخاذ القبور مساجد ، فلما استحكم الإسلام وقوي في قلوب الناس وأمنت عبادة القبور والصلاة إليها ، نسخ النهي عن زيارتها ; لأنها تذكر بالآخرة ، وتزهد في الدنيا .

وروينا عن طاوس قال : كانوا يستحبون أن لا يتفرقوا عن الميت سبعة أيام ، لأنهم يفتنون ويحاسبون في قبورهم سبعة أيام .

وفي حديث أنس ما كان عليه من التواضع والرفق بالجاهل ; لأنه لم [ ص: 514 ] ينتهر المرأة حين قالت له : إليك عني . وعذرها بمصيبتها ، وإنما لم يتخذ بوابين ; لأن الله أعلمه أنه يعصمه من الناس .

وفيه : أنه من اعتذر إليه بعذر لائح أنه يجب عليه قبوله .

فرع :

انفرد الماوردي بقوله : لا تجوز زيارة المسلم قبر قريبه الكافر ، مستدلا بقوله ولا تقم على قبره [التوبة : 84] . والأحاديث على خلاف ما قال .

التالي السابق


الخدمات العلمية