التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1230 1292 - حدثنا عبدان قال : أخبرني أبي ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، عن أبيه رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الميت يعذب في قبره بما نيح عليه " . تابعه عبد الأعلى : حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، حدثنا قتادة . وقال آدم ، عن شعبة ، "الميت يعذب ببكاء الحي عليه " . [انظر : 1287 - مسلم : 927 - فتح: 3 \ 161]


وذكر فيه حديث المغيرة : "إن كذبا علي ليس ككذب على أحد ، من كذب علي متعمدا فليتبؤأ مقعده من النار من نيح عليه يعذب بما نيح عليه " .

وحديث شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، عن أبيه رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "الميت يعذب في قبره بما نيح عليه " . تابعه عبد الأعلى : ثنا يزيد بن زريع ، ثنا شعبة ، ثنا قتادة . وقال آدم ، عن شعبة : "الميت يعذب ببكاء الحي عليه " .

[ ص: 531 ] الشرح :

أما تعليق عمر فأسنده البيهقي من حديث الأعمش عن شقيق قال : لما مات خالد بن الوليد اجتمع نسوة من آل المغيرة يبكين عليه . فقيل لعمر : أرسل إليهن فانههن . فقال عمر : ما عليهن أن يهرقن دموعهن على أبي سليمان ، ما لم يكن نقع أو لقلقة .

وأما قوله : (والنقع : التراب على الرأس ) . فهو أحد الأقوال فيه ، وقال ابن فارس : النقع : الصراخ . ويقال : هو النقيع . والنقع : الغبار ، وقال الهروي : إنه رفع الصوت واللقلقة ، كأنها حكاية الأصوات إذا كثرت . قال شمر في قوله : (ما لم يكن نقع ولا لقلقة ) ، أي : شق الجيوب ، وقال الإسماعيلي : النقع هنا : الصوت العالي ، واللقلقة : حكايته ترديد النواحة .

وقال صاحب "المطالع " : النقع : الصوت بالبكاء . قال : وبهذا فسره البخاري . وهو غريب ، فالذي فسره ما قدمناه عنه . وقال الأزهري : هو صوت لدم الخدود إذا ضربت . وقال في "المحكم " : إنه الصراخ . ويقال : هو النقيع . وقيل : وضعهن على رءوسهن النقع ، وهو الغبار . وهو موافق لتفسير البخاري .

[ ص: 532 ] وقال الكسائي : هو صنعة الطعام في المآتم . قال أبو عبيد : النقيعة : طعام القدوم من السفر لا هذا . وقال الجوهري : النقيع : الصراخ . ونقع الصوت واستنقع ، أي : ارتفع . وفي "الموعب " : نقع الصارخ بصوته ، وأنقع إذا تابعه . وفي "الموعب " و "الجمهرة " : إنه الصوت واختلاطه في حرب أو غيرها . فتحصلنا على ثلاثة أقوال فيه .

وأما قوله : (واللقلقة : الصوت ) . فهو كما قال ، وقد أسلفنا كلام الهروي فيه ، وكذا كلام الإسماعيلي . وقال القزاز : هو تتابع الصوت كما تفعل النساء في المآتم ، وهو شدة الصوت . وقال ابن سيده عن ابن الأعرابي : تقطيع الصوت . وقيل : الجلبة .

قال الداودي : لما قال عمر : دعهن يبكين على أبي سليمان -يعني : خالدا- قال له طلحة : أما الآن تقول هذا ، وأما في حياته فبعته بالرسن ، وما مثلك ومثله إلا كما قال الأول :


لألفينك بعد الموت تندبني . . . وفي حياتي ما زودتني زادا



وذلك أن عمر حين قتل خالد قوما ممن كان ارتد ثم تاب ولم ير أن توبته تنفعه . فأراد عمر أبا بكر على أن يقيد منه ، فأبى عليه ، فلما أكثر عليه قال له : ليس ذلك عليك منه ، تأول فأخطأ . ووداهم أبو بكر ، فأراد عمر أبا بكر على عزل خالد من الشام وقال له : إنه جعل يعطي المال ذا [ ص: 533 ] الشرف وذا النبلاء ، فاكتب إليه أن لا ينفق درهما إلا بإذنك ، فقال أبو بكر : ما كنت لأفعل ذلك به وهو بإزاء العدو . فلم يزل به عمر حتى كتب إليه بذلك ، فكتب إليه : ما أطيق ذلك وأنا بإزاء العدو ، فجئ على عملك بمن بدا لك . فقال أبو بكر : من يعذرني من عمر ، من يقوم لي مقام خالد ؟ فقال عمر : أنا ، ولا أنفق من المال درهما إلا بإذنك . فأمره بالخروج ، فلما فرغ من جهازه قال بعض من لا ينفس على عمر : عمدت إلى رجل كفاك أكثر أمرك تغيبه عن وجهك . فقال : صدقت قل له : أقم فقد بدا لنا ، فقال : سمعا وطاعة . فلم يلبث أن توفي أبو بكر ، فقال عمر : كذبت الله ، أن أشرت على أبي بكر برأي أخالفه فكتب إلى خالد : أن لا تنفق من المال إلا بإذني ، فكتب إليه لا أطيق ذلك وأنا بإزاء العدو فجئ على عملك بمن بدا لك . فعزله وأمر أبا عبيدة مكانه .

فإن قلت : نهى عمر صهيبا عن بكائه عليه فيما مضى ، وهنا لم ينه عنه . قلت : لأن صهيبا بكى عمر بندب وصياح ، فقال : واصاحباه واأخاه . فنهاه لأجل ذلك . وحديث المغيرة : "من نيح عليه " إلى آخره أخرجه مسلم بزيادة عن علي بن ربيعة قال : أول من نيح عليه بالكوفة قرظة بن كعب ، فقال المغيرة بن شعبة : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره . وحديث عمر أخرجه مسلم أيضا .

أما حكم الباب : فالنوح حرام بالإجماع ; لأنه جاهلي وكان - صلى الله عليه وسلم - يشترط على النساء في مبايعتهن على الإسلام أن لا ينحن .

[ ص: 534 ] وفي الباب عن أربعة عشر صحابيا في لعن فاعله والوعيد والتبرؤ : ابن مسعود (خ ، م ) ، وأبي موسى (خ ، م ) وأم عطية (خ ، م ) وعبد الله بن معقل بن مقرن تابعي وأبي مالك الأشعري (م ) وأبي هريرة وأم سلمة (م ) وابن عباس في (ت ) ومعاوية وأبي سعيد (د ) وأبي أمامة (ق ) وعلي وجابر وقيس بن عاصم (ت ) ، وجنادة بن مالك .

وأما حديث : يا رسول الله ، إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد لي أن أسعدهم فقال : "إلا آل فلان " فجوابه : إما [ ص: 535 ] الخصوصية بها أو كان قبل تحريمها ، وهو فاسد ، أو يكون قوله : "إلا آل فلان " إعادة لكلامها على وجه الإنكار .

والباب دال على أن النهي عن البكاء على الميت إنما هو إذا كان فيه نوح ، وأنه جائز بدونه ، فقد أباح عمر لهن البكاء بدونه .

وشرط الشارع في حديث المغيرة أنه يعذب بما نيح عليه . فدل أن البكاء بدونه لا عذاب فيه . وحديث جابر الآتي في الباب بعده دال له ; لأن زوجته بكت عليه بحضرته . ولم يزد على أكثر من تسليتها بقوله : "إن الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع " فسلاها عن حزنها عليه بكرامة الله تعالى له ، ولم يقل لها : إنه يعذب ببكائك عليه .

وحديث : ( "من كذب علي متعمدا " ) . إلى آخره سلف أول الكتاب بشرحه مبسوطا ، والكذب حقيقة : الإخبار بالشيء على ما ليس هو به . وشرطت المعتزلة فيه العمدية . والخطاب دال على أن من الكذب ما لم يتعمده قائله ويقع عليه اسم كاذب فهو رد عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية