التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1232 [ ص: 537 ] 35 - باب: ليس منا من شق الجيوب

1294 - حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان ، حدثنا زبيد اليامي ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ليس منا من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية " . [1297 ، 1298 ، 3519 - مسلم : 103 - فتح: 3 \ 163]


ذكر فيه حديث عبد الله ، يعني : ابن مسعود : "ليس منا من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية " .

وهو حديث أخرجه ومسلم أيضا ، وترجم عليه أيضا : ليس منا من ضرب الخدود . وما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية .

ومعنى ( "ليس منا " ) : ليس من أهل سنتنا ولا من المهتدين بهدينا ، وليس المراد به الخروج من الدين جملة ، إذ المعاصي لا يكفر بها عند أهل السنة ، اللهم إلا أن يعتقد حل ذلك ، وأما سفيان الثوري فقال بإجرائه على ظاهره من غير تأويل ; لأن إجراءه كذلك أبلغ في الانزجار كما يذكر في الأحاديث التي صيغتها : ليس منا من فعل كذا .

وخص الخدود بالضرب دون سائر الأعضاء ; لأنه الواقع منهن عند المصيبة ، ولأن أشرف ما في الإنسان الوجه فلا يجوز امتهانه وإهانته بضرب ولا تشويه ولا غير ذلك مما يشينه ، وقد أمر الضارب باتقاء الوجه .

[ ص: 538 ] والخدود : جمع خد ، وليس للإنسان إلا خدان ، وهذا من باب قوله تعالى : وأطراف النهار [طه : 130] ولما تضمن ضرب الخدود عدم الرضا بالقضاء والقدر ، ووجود الجزع ، وعدم الصبر وضرب الوجه الذي نهي عن ضربه من غير اقتران مصيبة كان فعله حراما مؤكد التحريم . والجيوب : جمع جيب ، وهو : ما يشق من الثوب ، ليدخل فيه الرأس ، وحرم لما فيه من إظهار السخط وإضاعة المال .

والجاهلية : ما قبل الإسلام ، والمراد بدعواها هنا : ما كانت تفعله عند الموت برفع الصوت ويدخل ذلك تحت الصالقة .

وفي حديث آخر : "ودعا بالويل والثبور " فتبين بذلك أنه من دعاء الجاهلية . وفي رواية لمسلم "أو " في الموضعين وتحمل رواية الواو عليها .

قال الحسن في قوله تعالى : ولا يعصينك في معروف [الممتحنة : 12] قال : لا ينحن ، ولا يشققن ، ولا يخمشن وجها ، ولا ينشرن شعرا ، ولا يدعون ويلا .

وقد نسخ الله تعالى ذلك بشريعة الإسلام وأمر بالاقتصاد في الحزن والفرح وترك الغلو في ذلك ، وحض على الصبر عند المصائب [ ص: 539 ] واحتساب أجرها على الله وتفويض الأمور كلها إليه . فقال تعالى : الذين إذا أصابتهم مصيبة إلى قوله : المهتدون [البقرة : 156 ، 157] فحق على كل مسلم مؤمن أن لا يحزن على ما فات ، وأن يحمل نفسه على الصبر إلى الممات ، لينال أرفع الدرجات ، وهي الصلاة والرحمة والهدى ، فهي هداية لمن اهتدى .

التالي السابق


الخدمات العلمية