التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1240 [ ص: 571 ] 42 - باب: الصبر عند الصدمة الأولى

وقال عمر - رضي الله عنه - : نعم العدلان ، ونعم العلاوة الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون [البقرة : 156 - 157] . وقوله تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين [البقرة : 45 ] .

1302 - حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن ثابت قال : سمعت أنسا - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الصبر عند الصدمة الأولى " . [انظر : 1252 - مسلم : 926 - فتح: 3 \ 171]


وذكر فيه حديث أنس : "الصبر عند الصدمة الأولى " .

أما حديث أنس فسلف في الباب ، وأما أثر عمر فأخرجه البيهقي من حديث سعيد بن المسيب عنه .

والعدلان كما قال المهلب : الصلوات والرحمة ، والعلاوة وأولئك هم المهتدون [البقرة : 157] وقيل : إنا لله وإنا إليه راجعون [البقرة : 156] .

والعلاوة : التي يثاب عليها .

وقال ابن التين عن أبي الحسن : العدل الواحد : قول المصاب إنا لله . . إلى آخرها ، والعدل الثاني : الصلوات التي عليهم من الله تعالى ، والعلاوة وأولئك هم المهتدون [البقرة : 157] ، وهو ثناء من الله [ ص: 572 ] تعالى عليهم . وقال الداودي : إنما هو مثل ضرب للجزاء ، فالعدلان : عدلا البعير والدابة ، والعلاوة : الغرارة التي توضع في وسط العدلين مملوءة . يقول : وكما حملت هذه الراحلة وسعها ، وأنها لم يبق موضع تحمل عليه ، فكذلك أعطي هذا الأجر وافرا ، فعلى قول الداودي يكون العدلان والعلاوة أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة إلى المهتدون [البقرة : 157] وقال صاحب "المطالع " : العدل هنا نصف الحمل على أحد شقي الدابة ، والحمل : عدلان ، والعلاوة : ما جعل فيهما . وقيل : ما علق على البعير ، ضرب ذلك مثلا لقوله صلوات من ربهم ورحمة قال : فالصلوات عدل ، والرحمة عدل ، وأولئك هم المهتدون العلاوة .

وأحسن ما جاء في التعزية حديث أم سلمة الثابت : "من أصابته مصيبة ، فقال كما أمره الله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأعقبني خيرا منها ، إلا فعل الله به ذلك " . قالت أم سلمة : قلت ذلك عند موت أبي سلمة ، ثم قلت في نفسي : من خير من أبي سلمة ؟ فأعقبها الله برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتزوجها .

فيقول المعزي : آجركم الله في مصيبتكم ، وعوضكم خيرا منها إنا لله وإنا إليه راجعون . ومعنى إنا لله : نحن وأموالنا وعبيدنا لله يبتلينا بما شاء ، ونحن إليه نرجع ، فيجزينا على صبرنا ، وبين ذلك بقوله :

[ ص: 573 ] صلوات من ربهم وهي الغفران والثناء الحسن ، ومنه الصلاة على الميت إنما في الدعاء .

وقوله : واستعينوا بالصبر والصلاة [البقرة : 145] في الصبر قولان :

أحدهما : الصوم ، قاله مجاهد .

والثاني : عن المعاصي . والصلاة أي : عند المصائب ، كما قال ابن عباس : إنها الاستعانة بالصلاة عند المصائب . فكان إذا دهمه أمر صلى . قال علي : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد .

والضمير في قوله : وإنها لكبيرة [البقرة : 45] إما عائد إلى الصلاة أو إن فعلتم ذلك ، والخاشعون : المؤمنون حقا . والخشوع : التواضع ، والمؤمن حقا متواضع .

وإنما كان الصبر عند الصدمة الأولى ; لأنها أعظم حرارة وأشد مضاضة ، يريد أن الصبر المحمود عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة ; لأنه يسلو على مر الأيام ، فيصير الصبر طبعا ، وقد قال بعض الحكماء : لا يؤجر الإنسان على مصيبة في نفس أو مال لأجل ذاتها ، فإن ذلك طبع لا صنع له فيه ، وقد يصيب الكافر مثله فيصبر ، وإنما يؤجر على قدر نيته واحتسابه . فإن قلت : قد علمت أن العبد منهي عن الهجر ، وتسخط قضاء الرب في كل حال ، فما وجه خصوص نزول النائبة بالصبر في حال حدوثها ؟ قيل : وجه خصوص [ ص: 574 ] ذلك أن في النفس عند هجوم الحادثة محركا على الجزع ، ليس في غيرها مثله ، وبتلك يضعف على ضبط النفس فيها كثير من الناس ، بل يصير كل جازع بعد ذلك إلى السلو ونسيان المصيبة ، والأخذ بقهر الصابر نفسه وغلبته هواها عند صدمته ; إيثارا لأمر الله على هوى نفسه ، ومنجزا لموعوده . بل السالي عن مصابه لا يستحق اسم الصبر على الحقيقة ; لأنه آثر السلو على الجزع واختاره ، وإنما الصابر على الحقيقة من صبر نفسه ، وحبسها عن شهوتها ، وقهرها عن الحزن والجزع والبكاء الذي فيه راحة النفس وإطفاء لنار الحزن ، فإذا قابل سورة الحزن وهجومه بالصبر الجميل ، واسترجع عند ذلك ، وأشعر نفسه أنه لله ملك ، لا خروج له عن قضائه ، وإليه راجع بعد الموت ، ويلقي حزنه بذلك ، انقمعت نفسه ، وذلت على الحق ، فاستحقت جزيل الأجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية