التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1241 [ ص: 575 ] 43 - باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنا بك لمحزونون "

وقال ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تدمع العين ويحزن القلب " .

1303 - حدثنا الحسن بن عبد العزيز ، حدثنا يحيى بن حسان ، حدثنا قريش -هو : ابن حيان- عن ثابت ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : دخلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سيف القين -وكان ظئرا لإبراهيم - عليه السلام -- فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم فقبله ، وشمه ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك ، وإبراهيم يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تذرفان . فقال له عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - : وأنت يا رسول الله ؟! فقال : "يا ابن عوف ، إنها رحمة " . ثم أتبعها بأخرى فقال - صلى الله عليه وسلم - : " إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " . رواه موسى ، عن سليمان بن المغيرة عن ثابت ، عن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . [ مسلم : 2315 - فتح: 3 \ 172]


وذكر فيه حديث قريش : -وهو ابن حيان- عن ثابت ، عن أنس قال : دخلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سيف القين -وكان ظئرا لإبراهيم - عليه السلام -- فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم فقبله . . الحديث ، إلى قوله : "وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " . رواه موسى ، عن سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

الشرح :

أما نفس الرحمة فهو نفس حديث أنس ، وأما حديث ابن عمر المعلق فقد سلف مسندا في عيادة سعد بن عبادة .

وقوله : (رواه موسى . . إلى آخره ) أسنده مسلم ، عن شيبان بن فروخ [ ص: 576 ] وهدبة بن خالد كلاهما ، عن سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس بطوله ، ثم رواه من حديث ابن علية ، عن أيوب ، عن عمرو بن سعيد ، عن أنس ، وفي آخره : "إن إبراهيم ابني ، وإنه مات في الثدي ، وإن له لظئرين يكملان إرضاعه في الجنة " ولابن سعد عن البراء : "إنه صديق شهيد " وللترمذي من حديث جابر : فوضعه في حجره وبكى ، فقال له ابن عوف : أتبكي وقد نهيت عن البكاء ؟! قال : "لا ، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين " .

إذا عرفت ذلك فالكلام عليه من أوجه :

أحدها :

حيان بمثناة تحت . والقين : الحداد . وقيل : كل صانع قين . حكاه ابن سيده . وقان الحديدة قينا : عملها . وقان الإناء يقينه قينا : أصلحه . والظئر : زوج المرضعة ، والمرضعة أيضا ظئر ، وأصله : عطف الناقة على غير ولدها ترضعه . والاسم : الظأر ، قاله صاحب "المطالع " . وعبارة ابن الجوزي : الظئر : المرضعة ، ولما كان زوجها يكفله سمي ظئرا . وقال ابن سيده : الظئر : العاطفة على ولد غيرها ، المرضعة من الناس والإبل ، الذكر والأنثى في ذلك سواء . وهو عند سيبويه اسم للجميع ، وغلط من قال في قوله : كان ظئرا لإبراهيم . أي :

[ ص: 577 ] رضيعه ; لأن أبا سيف كان كالراب . وقوله في بعض طرقه : يكيد بنفسه

-هو بفتح الياء - أي : يجود بها ، من كاد يكيد . أي : قارب الموت .

ثانيها :

ولد إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان ، ولما ولد تنافست فيه نساء الأنصار أيتهن ترضعه ، فدفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أم بردة بنت المنذر ، وزوجها البراء بن أوس ، وكنيتها أم سيف امرأة قين ، يقال أبو سيف ، واسمها خولة بنت المنذر .

ومات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الأول سنة عشر ، ذكره ابن سعد .

وعن ابن جرير : مات قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أشهر يوم كسوف الشمس ، وله ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا . وقال ابن حزم : سنتان غير شهرين . وأغرب ما فيه من أبي داود : مات وله سبعون يوما .

وأول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون ثم هو ، رش على قبره ماء . وقال الزهري : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو عاش إبراهيم لوضعت [ ص: 578 ] الجزية عن كل قبطي " وعن مكحول أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في إبراهيم : "لو عاش ما رق له خال " وهو ابن مارية القبطية ، وجميع ولده من خديجة غيره ، ومجموعهم ثمانية : القاسم ، وبه كان يكنى ، والطاهر ، والطيب -ويقال : إنه الطاهر- وإبراهيم ، وبناته : زينب زوج أبي العاص ، ورقية وأم كلثوم زوجتا عثمان وفاطمة زوج علي .

واختلف في الصلاة عليه فصححه ابن حزم ، وقال أحمد : منكر جدا .

وقال السدي : سألت أنسا : أصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على ابنه إبراهيم ؟

[ ص: 579 ] قال : لا أدري . وروى عطاء بن عجلان عن أنس أنه كبر عليه أربعا ، وهو أفقه . أعني : عطاء . وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه أنه صلى ، وهي مرسلة ، فيجوز أن يكون اشتغل بالكسوف عن الصلاة أو المثبت تقدم .

ثالثها :

استدل بعضهم لمالك ومن قال بقوله أن اللبن للفحل حيث قال : وكان ظئرا لإبراهيم ، وهم سائر الفقهاء . وقال ابن عمر ، وابن الزبير ، وعائشة : لا يحرم . وكانت عائشة يدخل عليها من أرضعه أخواتها ولا يدخل من أرضعه نساء إخوتها .

رابعها :

فيه جواز تقبيل من قارب الموت وشمه ، وذلك كالوداع والتشفي منه قبل فراقه .

خامسها :

قد سلف فيما سلف من الأبواب بيان البكاء والحزن المباحين ، وهذا الحديث أبين شيء وقع في البكاء ، وهو يبين ما أشكل من المراد بالأحاديث المخالفة له ، وفيه ثلاثة أوجه جائزة : حزن القلب ،

[ ص: 580 ] والبكاء ، والقول الذي لا تحذير فيه ، وأن الممنوع النوح وما في معناه مما يفهم أنه لم يرض بقضاء الله ويتسخط له ، إذ الفطرة مجبولة على الحزن ، وقد قال الحسن البصري : العين لا يملكها أحد ، صبابة المرء بأخيه . وروى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة أنه - عليه السلام - كان في جنازة مع عمر فرأى امرأة تبكي فصاح عليها عمر ، فقال - عليه السلام - : "دعها يا عمر ، فإن العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب " فعذرها - صلى الله عليه وسلم - مع قرب العهد ; لأن بعده ربما يكون بلاء الثكل ، وفتور فورة الحزن .

فإذا كان الحزن على الميت رثاء له ورقة عليه ، ولم يكن سخطا ولا تشكيا ، فهو مباح كما سلف قبل هذا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إنها رحمة " .

سادسها :

فيه شدة إغراق النساء في الحزن ، وتجاوزهن الواجب فيه لنقصهن ، ومن رتع حول الحمى يوشك أن يواقعه . وقال الحسن البصري في قوله تعالى : وجعل بينكم مودة ورحمة [الروم : 21] أن المودة : الجماع . والرحمة : الولد ، ذكره ابن وهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية