التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1260 1324 - فصدقت -يعني : عائشة - أبا هريرة وقالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله . فقال ابن عمر رضي الله عنهما : لقد فرطنا في قراريط كثيرة . فرطت [الزمر : 56] ضيعت من أمر الله .


ثم ذكر حديث نافع : حدث ابن عمر أن أبا هريرة يقول : من تبع جنازة فله قيراط . فقال : أكثر علينا أبو هريرة . فصدقت -يعني : عائشة - أبا هريرة وقالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله . فقال ابن عمر : لقد فرطنا في قراريط كثيرة .

الشرح :

أما أثر زيد فأخرجه ابن أبي شيبة عن معاوية ووكيع عن هشام ، عن أبيه ، عن زيد بن ثابت : إذا صليتم على الجنازة فقد قضيتم ما عليكم فخلوا بينها وبين أهلها .

وحديث أبي هريرة : أخرجه مسلم والأربعة ، وفي لفظ : "من اتبع [ ص: 627 ] جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلي عليها " . ولمسلم : "من خرج مع جنازة من بيتها " . وليس في الحديث أن أبا هريرة رفعه ، نعم ، أخرجه مسلم مصرحا به ، وقول أبي مسعود وخلف والحميدي والطرقي رواه نافع عن أبي هريرة غير جيد ، إذ في مسلم ، روايته : أن نافعا قال : قيل لابن عمر : إن أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكره ، فقال ابن عمر : أكثر علينا أبو هريرة . فبعث إلى عائشة فصدقته .

وفيه من حديث داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه كان قاعدا عند ابن عمر إذ طلع عليه خباب -صاحب المقصورة- قال : يا عبد الله بن عمر ، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة . قال : إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث ، وفيه : فأرسل خبابا إلى عائشة يسألها . وزعم خلف أن خبابا رواه عن أبي هريرة . وقال الحميدي : ليس له في "الصحيح " عن أبي هريرة . ولابن أبي شيبة من حديث الوليد بن عبد الرحمن فقال له ابن عمر : انظر ما تقول .

ولابن زنجويه في "فضائله " من حديث سعيد بن أبي سعيد عن [ ص: 628 ] أبي هريرة . فذكره . وفيه : فدخل عبد الله على حفصة فقال : أسمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقالت : نعم . فقال عبد الله : لقد فرطنا في قراريط كثيرة .

وسيأتي في الباب بعده من حديث سعيد بن أبي سعيد : وروى ابن أبي شيبة من حديث سالم البراد عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى على جنازة فله قيراط ، ومن شهدها حتى يقتضى قضاؤها فله قيراطان ، القيراط مثل أحد " .

قال الترمذي في "علله الكبير " : سألت محمدا عن هذا الحديث فقال : رواه عبد الملك بن عمير ، عن سالم ، عن أبي هريرة وهو الصحيح ، وحديث ابن عمر ليس بشيء . ابن عمر أنكر على أبي هريرة حديثه . قال : وسألته عن حديث أبي صالح عن ابن عمر فقال : إنما هو عن أبي هريرة .

قوله : وحديث ابن عمر ليس بشيء .

وقوله : أكثر أبو هريرة . لم يتهمه بالكذب ، بل خشي السهو ، أو يكون لم يسمعه أبو هريرة من النبي -رضي الله عنه- .

وحديث الباب دال على ما ترجم له . واختلف العلماء في الانصراف من الجنازة هل يحتاج إلى إذن أم لا ؟ فروي عن زيد بن ثابت ، وجابر بن عبد الله ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، والحسن ، وقتادة ، وابن سيرين ، وأبي قلابة أنهم كانوا ينصرفون إذا وريت الجنازة ،

[ ص: 629 ] ولا يستأذنون وهو قول الشافعي وجماعة من العلماء ، ولمالك وأصحابه جواز الانصراف قبل الصلاة عليها وبعدها دون إذن -وسيأتي في الباب بعده- وقالت طائفة : لا بد من الإذن في ذلك .

وروي عن عمر ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، والمسور بن مخرمة ، والنخعي أنهم كانوا لا ينصرفون حتى يستأذنوا .

وروى ابن عبد الحكم عن مالك قال : لا يجب لمن يشهد جنازة أن ينصرف عنها حتى يؤذن له ، إلا أن يطول ذلك .

والقول الأول أولى بالصواب بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد " الحديث ، فلفظة (حتى ) : حض وترغيب لا لفظ حتم ووجوب ، ألا ترى قول زيد السالف . وحديث جابر مرفوعا : "أميران وليسا بأميرين : المرأة تحج مع القوم فتحيض ، والرجل يتبع الجنازة فيصلي عليها ، ليس له أن يرجع حتى يستأمر أهل الجنازة " أخرجه البزار ، وعلته أبو سفيان ، ورواه عمرو بن [ ص: 630 ] عبد الجبار من حديث أبي هريرة أيضا مرفوعا مثله ولم يتابع عليه ، ذكره العقيلي وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفا .

وكذا عن ابن مسعود من قوله . وللدارقطني من حديث عائشة مرفوعا : "إذا صلى الإنسان على الجنازة انقطع ذمامها إلا أن يشاء أن يتبعها " . ثم قال : المحفوظ عن هشام ، عن أبيه موقوفا ليس فيه عائشة ، ولابن أبي شيبة عن إبراهيم ، وطلحة اليامي ، وعن جابر موقوفا : ارجع إذا بدا لك . وقاله ابن سيرين ، والحسن ، وابن جبير ، وابن عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية