التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1272 1337 - حدثنا محمد بن الفضل، حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن أسود -رجلا أو امرأة- كان يقم المسجد فمات، ولم يعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بموته، فذكره ذات يوم فقال: "ما فعل ذلك الإنسان؟ ". قالوا: مات يا رسول الله. قال: "أفلا آذنتموني؟ ". فقالوا: إنه كان كذا وكذا -قصته- قال: فحقروا شأنه. قال: " فدلوني على قبره". فأتى قبره فصلى عليه. [انظر: 458 - مسلم: 956 - فتح: 3 \ 204]


ذكر فيه حديث الشعبي السالف في باب: الصلاة على الجنازة وغيره.

وحديث أبي هريرة في ذاك المسكين: (فصلى عليه). وهذا الحديث سلف بعضه في باب: الإذن بالجنازة معلقا ، ومسندا في باب: كنس المسجد ، وقد أسلفنا هناك فوائده.

و (يقم المسجد)، أي: يكنسه، والقمامة: الكناسة.

وقوله: (فحقروا شأنه). قال الداودي : ليس كذلك. وقد بين أنهم إنما امتنعوا للظلمة، وكراهية إيقاظه.

وقد اختلف العلماء فيمن فاتته الصلاة على الجنازة هل يصلي على [ ص: 30 ] القبر؟ فروي عن طائفة من الصحابة وأتباعهم جوازه، وبه قال الشافعي وأحمد ، واحتجوا بأحاديث الباب وغيرها، وقالوا: لا يصلى على قبر إلا قرب ما يدفن. وأكثر ما حدوا فيه شهرا، إلا إسحاق فإنه قال: (يصلي الغائب على القبر إلى شهر) ، والحاضر إلى ثلاثة .

وكره قوم الصلاة على القبر، وروي عن ابن عمر أنه كان إذا انتهى إلى جنازة قد صلي عليها دعا وانصرف ولم يصل عليها ، وهو قول مالك . قال ابن القاسم: قلت لمالك : فالحديث؟ قال: قد جاء، وليس عليه العمل .

وقال أبو الفرج: إنه خاص به; لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها حتى أصلي عليها" وعبارة ابن الحاجب، ولا يصلى على قبر على المشهور، فإن دفن بغير صلاة فقولان، وعلى النفي. ثالثها: يخرج ما لم يطل .

وقال أبو حنيفة : لا يصلى على (قبر) مرتين، إلا أن يصلي عليها [ ص: 31 ] غير وليها، فيعيد وليها الصلاة عليها . وقال الطحاوي : يسقط الفرض بالصلاة الأولى إذا صلى عليها الولي، والثانية لو فعلت لم تكن فرضا، فلا يصلى عليه; لأنهم لا يختلفون أن الولي إذا صلى عليه، لم يجز له إعادة الصلاة ثانيا; لسقوط الفرض. قال: وكذلك غيره من الناس، إلا أن يكون الذي صلى عليها غير الولي فلا يسقط حق الولي; لأن الولي كان إليه فعل فرض الصلاة على الميت.

وما روي عن الشارع في إعادة الصلاة، فلأنه كان إليه فرض فعل الصلاة، فلم يكن يسقطه فعل غيره. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - تقدم إليهم أن يعلموه. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يموت منكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني به; فإن صلاتي عليه رحمة" .

وقد ذكر ابن القصار نحو هذه الحجة سواء، واحتج أيضا بالإجماع في ترك الصلاة على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولو جاز ذلك لكان قبره أولى أن يصلى عليه أبدا، وكذا أبو بكر وعمر، فلما لم ينقل أن أحدا صلى عليهم كان ذلك من أقوى الدلالة على أنه لا يجوز.

[ ص: 32 ] واختلفوا فيمن دفن ونسيت الصلاة عليه، فقال أبو حنيفة ومحمد: يصلى على القبر ما بينهم وبين ثلاث . وقال ابن وهب : إذا ذكروا ذلك عند انصرافهم من دفنه، فإنه لا ينبش، وليصلوا على قبره. وقاله يحيى بن يحيى : وعن ابن القاسم أنه يخرج بحضرة ذلك ويصلى عليه، وإن خافوا أن يتغير . وقاله عيسى بن دينار، وعن ابن القاسم قال: وكذلك إذا نسوا غسله مع الصلاة عليه . وعن مالك : إذا نسيت حين فرغ من دفنه، لا ينبش، ولا يصلى على قبره، ولكن يدعون له. وهو قول أشهب وسحنون، ولم يروا بالصلاة على القبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية