التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
115 [ ص: 596 ] 41 - باب: العلم والعظة بالليل

115 - حدثنا صدقة، أخبرنا ابن عيينة، عن معمر، عن الزهري، عن هند، عن أم سلمة. وعمرو، ويحيى بن سعيد، عن الزهري، عن هند، عن أم سلمة قالت: استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فقال: " سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فتح من الخزائن؟ أيقظوا صواحبات الحجر، فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة". [1126، 3599، 5844، 6218، 7069 - فتح: 1 \ 210]


حدثنا صدقة، أنا ابن عيينة، عن معمر، عن الزهري، عن هند، عن أم سلمة . وعمرو ويحيى بن سعيد، عن الزهري، عن امرأة، عن أم سلمة قالت: استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فقال: "سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فتح من الخزائن؟ أيقظوا صواحب الحجر، فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة ".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها: هذا الحديث أخرجه البخاري هنا كما ترى. وفي صلاة الليل عن محمد بن مقاتل، عن ابن المبارك، عن ( معمر). وفي [ ص: 597 ] اللباس عن عبد الله بن محمد، عن هشام بن يوسف، عن معمر . وفي علامات النبوة. وموضعين من الأدب عن أبي اليمان، عن شعيب وفي الفتن عن إسماعيل، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، عن محمد بن أبي عتيق كلهم عن الزهري، عن هند به. وذكر الحميدي أنه من أفراد البخاري عن مسلم .

ثانيها:

قوله: (وعمرو، ويحيى بن سعيد) هما معطوفان على معمر، والقائل ذلك ابن عيينة، يقول: عن معمر وعمرو بن دينار ويحيى بن سعيد القطان، نبه على ذلك القاضي عياض .

ثالثها:

قوله: (عن امرأة، عن أم سلمة) هي: هند، كما صرح به في الرواية الأولى وغيرها مما سيأتي في الأبواب المشار إليها فيما سلف.

رابعها: في التعريف برواته:

فأما أم سلمة : فهي: أم المؤمنين هند، وقيل: رملة بنت أبي أمية حذيفة، وقيل: سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم .

كانت عند أبي سلمة، فتوفي عنها، فتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم -. روي لها ثلاثمائة حديث وثمانية وسبعون حديثا، اتفقا منها على ثلاثة عشر.

[ ص: 598 ] هاجرت إلى الحبشة وإلى المدينة . قال ابن سعد : هاجر بها أبو سلمة إلى الحبشة الهجرتين جميعا، فولدت له هناك زينب ثم ولدت له (بعدها) سلمة وعمر ودرة .

تزوجها - صلى الله عليه وسلم - في شوال سنة أربع، وماتت سنة تسع وخمسين، وقيل: في خلافة يزيد بن معاوية، وكانت خلافته في رجب سنة ستين. ومات في ربيع الأول سنة أربع وستين.

وقال ابن عساكر : الصحيح أنها توفيت سنة إحدى وستين حين جاء نعي ( الحسين )، وكان عمرها حين توفيت أربعا وثمانين سنة، وصلى عليها أبو هريرة في الأصح، ودفنت بالبقيع قطعا. قال ابن المسيب : وكانت من أجمل الناس.

وأما هند: فهي بنت الحارث الفراسية، ويقال: القرشية، وعند الداودي : الفارسية ولا وجه له، كانت زوجة لمعبد بن المقداد، ووقع في "التذهيب" إسقاط معبد، وهو وهم. روى لها الجماعة إلا مسلما .

[ ص: 599 ] وأما صدقة فهو: أبو الفضل صدقة بن الفضل المروزي، انفرد بالإخراج له البخاري عن الستة. روى عن معتمر، وابن عيينة، وكان حافظا إماما. مات سنة ثلاث، وقيل: ست وعشرين ومائتين.

خامسها:

المراد بـ ("صواحب الحجر"): أزواجه -رضي الله عنهن- يعني: للصلاة والاستعاذة، وقد جاء ذلك مبينا في "الصحيح": " من يوقظ صواحب الحجر " يريد أزواجه حتى يصلين ويستعذن مما نزل، وهو موافق لقوله تعالى: وأمر أهلك بالصلاة الآية [طه: 132].

ففيه أن للرجل أن يوقظ أهله ليلا للصلاة وللذكر، ولا سيما عند آية تحدث أو إثر رؤيا مخوفة، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - من رأى رؤيا مخوفة يكرهها أن ينفث عن يساره ويستعيذ من شرها .

سادسها:

قوله: ("وماذا فتح من الخزائن؟ "): قال المهلب : فيه دلالة على أن الفتن تكون في المال وفي غيره ; لقوله: "ماذا أنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فتح من الخزائن؟ ".

[ ص: 600 ] ويؤيده قول حذيفة - رضي الله عنه -: فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والصدقة .

وقال الداودي : الثاني هو الأول، وقد يعطف الشيء على نفسه تأكيدا لأن ما يفتح من الخزائن يكون سببا للفتنة.

سابعها:

قوله: ("فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة"). يحتمل أوجها:

رب كاسية في الدنيا في غير بيتها وعند غير زوجها عارية في الآخرة من الثواب. رب كاسية لا يسترها الرقيق من الثياب التي تصفها معاقبة في الآخرة بالتعرية والفضيحة. رب كاسية في الدنيا لها المال تكتسي به من رفيع الثياب عارية في الآخرة منها. ندبهن إلى الصدقة بأن يأخذن بالكفاية ويتصدقن بما بعد ذلك. رب كاسية من نعم الله عارية من الشكر، فكأنها عارية في الآخرة من نعيمها الذي يكون الشكر سببه، أو أنها تستر جسدها وتشد الخمار من ورائها فتكشف صدرها.

قلت: وهذا نحو الحديث الصحيح من طريق أبي هريرة مرفوعا :"صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ". أخرجه مسلم منفردا به.

[ ص: 601 ] وسياق الحديث يقوي الوجه الثاني، فهن إذا كاسيات في الظاهر عاريات حقيقة; لأن الستر إذا لم يقع به الامتثال يكون وجوده كعدمه.

ثامنها:

المراد بـ (رب) هنا: التكثير، أي: المتصف بهذا من النساء كثير، ولذلك لو جعل موضع (رب) (كم) لحسن، قال ابن مالك : أكثر النحاة يرون أن (رب) للتقليل، ورجح هو أن معناها في الغالب التكثير، واستدل بهذا الحديث وشبهه.

تاسعها:

يجوز كسر (عارية) على النعت، ورفعه على أنه خبر مبتدأ مضمر.

التالي السابق


الخدمات العلمية