التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1353 1419 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة بن القعقاع، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان". [2748 - مسلم: 1032 - فتح: 3 \ 284]


ثم ذكر حديث أبي هريرة : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان".

الشرح:

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا .

[ ص: 287 ] وسيأتي في الوصايا بزيادة: "وأنت صحيح حريص" والخلة: الصداقة. وهذا اليوم هو يوم القيامة فأصدق [المنافقون: 10]: فأزكي، وأكن من الصالحين [المنافقون: 10]: أحج، قاله ابن عباس . والشح مثلث الشين: البخل. قاله ابن سيده، قال: والضم أعلى.

وقال صاحب "الجامع": أرى أن يكون الفتح في المصدر، والضم في الاسم. وفي "المنتهى" لأبي المعالي: وليس في الكلام فعل بالضم وفعل إلا هذا الحرف، وأحرف أخر غيره. وقال الحربي: الشح ثلاثة وجوه:

أحدها: أن تأخذ مال أخيك بغير حقه. قال رجل لابن مسعود : ما أعطي ما أقدر على منعه. قال: ذاك البخل، والشح: أن تأخذ مال أخيك بغير حقه .

وقال رجل لابن عمر : إني شحيح. فقال: إن كان شحك لا يحملك على أن تأخذ ما ليس لك، فليس بشحك بأس.

ثانيها: ما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: الشح: منع الزكاة وادخار الحرام.

ثالثها: ما روي في هذا الحديث.

[ ص: 288 ] قال: والذي يبرئ من الوجوه الثلاثة ما روي: "برئ من الشح، من أدى الزكاة، وقرى الضيف، وأعطى في النائبة" . وقال في "المغيث": الشح أبلغ في المنع من البخل، والبخل في أفراد الأمور وخواص الأشياء، والشح عام، وهو كالوصف اللازم من قبل الطبع والجبلة وقيل: البخل بالمال، والشح بالماء والمعروف. وقيل: الشحيح: البخيل مع التحرص. وفي "مجمع الغرائب": الشح المطاع: هو البخل الشديد الذي يملك صاحبه بحيث لا يمكنه أن يخالف نفسه فيه.

فقوله: ("وأنت صحيح شحيح") أي; لأن أكثر الأصحاء يشحون ببعض ما في أيديهم من الفقر، ويأملون من الغنى.

ففيه: أن أعمال البر كلها إذا صعبت كان أجرها أعظم; لأن الشحيح الصحيح إذا خشي الفقر وأمل الغنى صعبت عليه الصدقة، وسول له الشيطان طول العمر وحلول الفقر به.

فمن تصدق في هذه الحال فهو مؤثر ثواب الرب تعالى على هوى نفسه. وأما إذا تصدق عند خروج نفسه فيخشى عليه الفرار بميراثه، والجور في فعله. ولذلك قال ميمون بن مهران حين قيل له: إن رقية امرأة هشام ماتت وأعتقت كل مملوك لها. فقال ميمون: يعصون الله في أموالهم مرتين. يبخلون بها وهي في أيديهم، فإذا صارت لغيرهم أسرفوا فيها .

[ ص: 289 ] وقوله: ("وتأمل الغنى") هو بضم الميم أي: تطمع.

و ("تمهل") يجوز فيه ثلاثة أوجه: الفتح، والضم، والإسكان.

وقوله: ("حتى إذا بلغت الحلقوم") أي: قاربت بلوغه. إذ لو بلغت حقيقة لم تصح وصية ولا شيء من تصرفاته بالاتفاق. وليس للروح ذكر ها هنا، لكن دل عليها الحال لقوله تعالى فلولا إذا بلغت الحلقوم يعني الحلق. قال أبو عبيدة -كما نقله في "المخصص": هو مجرى النفس والسعال من الجوف، ومنه مخرج البصاق والصوت . وفي "المحكم": الحلقوم كالحلق، فعلوم عند الخليل، وفعلول عند غيره . واحتج به من قال: إن النفس جسد. وقد تقدم.

وقوله: ("وقد كان لفلان"): يريد به الوارث; لأنه لو شاء لم تجز الوصية. قاله الخطابي . يريد: (كان) بمعنى (صار). ولعله يريد: إذا جاوزت الثلث، أو كانت لوارث. وقيل: سبق القضاء به للموصى له.

ويحتمل أن يكون المعنى أنه خرج عن تصرفه، وكمال ملكه، واستقلاله بما شاء من تصرفه. وليس له في الوصية كبير ثواب بالنسبة إلى صدقة الصحيح. ففي الحديث: "مثل الذي يعتق عند الموت، كالذي يهدي إذا شبع" .

[ ص: 290 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية