التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
[ ص: 593 ] 65 - باب: ما يستخرج من البحر وقال ابن عباس: ليس العنبر بركاز إنما هو شيء دسره البحر. وقال الحسن في العنبر واللؤلؤ: الخمس، فإنما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الركاز الخمس، ليس في الذي يصاب في الماء.

1498 - وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل، بأن يسلفه ألف دينار، فدفعها إليه، فخرج في البحر، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار، فرمى بها في البحر، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، فإذا بالخشبة فأخذها لأهله حطبا -فذكر الحديث- فلما نشرها وجد المال". [2063، 2291، 2404، 2430، 2734، 6261 - فتح: 3 \ 362]


وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أن رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل، بأن يسلفه ألف دينار، فدفعها إليه، فخرج في البحر، فلم يجد مركبا، فأخد خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار، فرمى بها في البحر، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، فإذا بالخشبة فأخذها لأهله حطبا -فذكر الحديث- فلما نشرها وجد المال".

الشرح:

أما أثر ابن عباس فأخرجه الشافعي من حديث سفيان عن عمرو بن دينار عن أذينة قال: سمعت ابن عباس، فذكره .

[ ص: 594 ] قال البيهقي: ورواه عمرو بن دينار، عن ابن جريج . وأخرجه ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان بن سعيد، عن عمرو به: ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء دسره البحر. ثم رواه عن ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: سأل إبراهيم بن سعد ابن عباس، عن العنبر فقال: إن كان فيه شيء ففيه الخمس، قال: وحدثنا وكيع، عن الثوري، عن ابن طاوس، عن أبيه أن ابن عباس سئل عن العنبر فقال: إن كان فيه شيء ففيه الخمس .

وقال البيهقي: ابن عباس علق القول فيه في هذه الرواية، وقطع بأن لا زكاة فيه في الأولى، والقطع أولى .

وأما أثر الحسن فأخرجه ابن أبي شيبة، عن معاذ بن معاذ، عن أشعث عنه أنه كان يقول: في العنبر الخمس. وكذلك كان يقول في اللؤلؤ .

ومعنى (دسره البحر): دفعه ورمى به، قاله ابن فارس .

واختلف العلماء في العنبر واللؤلؤ إذا أخرجا من البحر هل فيهما خمس أم لا؟ وكذلك المرجان ونحوه فجمهور العلماء على أنه لا شيء فيهما وأنها كسائر العروض، وبه قال أهل المدينة والكوفيون والليث والشافعي وأحمد وأبو ثور، وقال أبو يوسف : اللؤلؤ والعنبر [ ص: 595 ] وكل حلية تخرج من البحر فيه الخمس، وهو قول عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وابن شهاب وإسحاق .

وحكى ابن قدامة أن ظاهر قول الخرقي واختيار أبي بكر الأول، قال: وروي نحوه عن ابن عباس، قال: وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء ومالك والثوري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأبو عبيد.

وعن أحمد رواية أخرى بالوجوب; لأنه خارج من معدن فأشبه الخارج من معدن البحر، قال: ويحكى عن عمر بن عبد العزيز أنه أخذ من العنبر الخمس ، وهو ما قدمناه أولا تبعا لابن بطال ، وهو ما في "المصنف" لابن أبي شيبة حدثنا ابن عيينة، عن معمر أن عروة بن محمد كتب إلى عمر بن عبد العزيز في عنبرة زنتها سبعمائة رطل فقال: فيها الخمس. وحدثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث أن عمر بن عبد العزيز خمس العنبر .

حجة المانع أثر ابن عباس السالف، وروى أبو بكر، عن وكيع، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن أبي الزبير، عن جابر قال: ليس في العنبر زكاة، إنما هو غنيمة لمن أخذه . قال ابن القصار في قول الوجوب: إنه غلط; لأنه - عليه السلام - قال: "وفي الركاز الخمس" فدل أن [ ص: 596 ] غير الركاز لا خمس فيه، والبحر لا ينطلق عليه اسم ركاز، واللؤلؤ والعنبر متولدان من حيوان البحر فأشبه السمك والصدف .

واحتج غيره بأن الله تعالى قد فرض الزكاة فقال: خذ من أموالهم صدقة [التوبة: 103] فأخذ الشارع من بعض الأموال دون بعض، فعلمنا أن الله تعالى لم يرد جميع الأموال، فلا سبيل إلى إيجاب زكاة إلا فيما أخذه الشارع ووقف عليه أصحابه.

وقال ابن التين: وقول ابن عباس هو قول أكثر العلماء، ثم نقل عن عمر بن عبد العزيز والحسن إيجاب الخمس فيه. وقال الأوزاعي : إن وجده على ضفة النهر خمسه، وإن غاص عليها في مثل بحر الهند فلا شيء فيها خمس ولا نفل ولا غيره.

فائدة: روى الشيرازي في "ألقابه" من حديث حذيفة مرفوعا: "لما أهبط آدم من الجنة بأرض الهند وعليه ذلك الورق الذي كان لباسه في الجنة يبس فتطاير فعبق منه شجر الهند فلقح، فهذا العود والصندل والمسك والعنبر من ذلك الورق" قيل: يا رسول الله، إنما المسك من الدواب، قال: "أجل هي دابة تشبه الغزال رعت من ذلك الشجر فصير الله المسك في سررها، فإذا رعت الربيع جعله الله مسكا يتساقط، وقال لي جبريل: لا يكون إلا في ثلاث كور فقط: الهند والصين وتبت " قالوا: يا رسول الله، والعنبر إنما هي دابة في البحر، قال: "أجل كانت هذه الدابة بأرض الهند ترعى في البر يومئذ" [ ص: 597 ] وقيل: إن العنبر ينبت في البحر بمنزلة الحشيش في البر. رواه ابن رستم عن محمد بن الحسن.

وقيل: إنه شجر تتكسر فيصيبها الموج فيلقيها إلى الساحل. وقيل: إنه جشاء دابة. وقيل: يخرج من عين.

والصواب أنه يخرج من دابة بحرية صرح به ابن البيطار - ينبت في قعر البحر فتأكله بعض دوابه فإذا امتلأت منه قذفته رجيعا وهو في خلقه كالعظام من الخشب، وهو دسم خوار دهني يطفو على الماء، ومنه ما لونه إلى السواد.

وقال ابن سينا : فيما نظن نبع عين في البحر.

[ ص: 598 ] وأبعد من قال: إنه زبد البحر أو روث دابة. وهو أشهب وأزرق وأصفر وأسود، وفي "الحيوان" لأرسطو: الدابة التي تلقي العنبر من بطنها تشبه البقرة.

وجمعه عنابر على ما قال ابن جني، والعنبر : الزعفران وقيل: الورس، قاله ابن سيده ، وفي "الجامع" أحسب النون فيه زائدة، وذكره أكثرهم في الرباعي، والعرب تقوله بالباء والميم ومن أسمائه: الذكي، كما قاله المفضل، (الإبليم) كما ذكره العسكري في "تلخيصه".

فائدة ثانية:

اللؤلؤ أصله: مطر الربيع يقع في الصدف، فأصله ماء ولا زكاة فيه، وقيل: إن الصدف حيوان يخلق الله فيه اللؤلؤ، والدر كباره.

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري في سبعة مواضع: هنا والبيوع والكفالة والاستقراض والملازمة والشروط والاستئذان [ ص: 599 ] وما علقه هنا وقع في بعض نسخ البخاري عقبه: حدثني بذلك عبد الله بن صالح، حدثني الليث. ذكره الحافظ المزي قال: وهو ثابت في عدة أصول من كتاب البيوع من "الجامع"، من رواية أبي الوقت، عن الداودي، عن ابن حمويه، عن الفربري عنه . وقال الطرقي: أخرجه محمد في خمسة مواضع من الكتاب فقال: وقال الليث.

قلت: بل في سبعة كما مضى، ورواه النسائي عن علي بن محمد، عن داود بن منصور، عن الليث ، وذكر ابن أبي أحد عشر في "جمعه" أن أبا خلدة حدثه به متصلا فساقه من حديث عمر بن الخطاب السجستاني، ثنا عبد الله بن صالح، عن الليث به.

وذكره أبو نعيم في "مستخرجه" من حديث عاصم بن علي حدثنا به الليث، ورواه الإسماعيلي من هذا الوجه أيضا ومن حديث آدم بن أبي إياس عن الليث ثم قال: ليس في هذا الحديث الذي ذكره شيء يتصل به هذا الباب رجل أقرض قرضا فارتجع قرضه. وأعله ابن حزم بعبد الله بن صالح وقال: إنه ضعيف جدا وذكره من حديث عبد الرحمن بن هرمز عن أبيه عن أبي هريرة، قال: وأخرجه البخاري منقطعا غير متصل هذا لفظه.

وقد أسلفت أن عاصم بن علي، وداود بن منصور، وآدم بن أبي إياس تابعوا عبد الله بن صالح، وقد روى عنه ابن معين والبخاري، [ ص: 600 ] قال أبو زرعة: حسن الحديث، وسيأتي (متابع آخر له وشاهد ) وقال ابن التين: لم يسند البخاري إلى الليث، وقد أسنده عاصم بن علي، عن الليث، والبخاري حدث عن عاصم بن علي، ولعله لم يسمعه منه، أو لعله لم يتواطأ في روايته عن الليث، وإن كان قد رواه محمد بن رمح بن مهاجر أيضا عن الليث.

وروي من طريق آخر إلى أبي هريرة ذكره محمد بن سعدون العبدري بإسناده من حديث أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة، فذكره، وقال الداودي: مثل قول الإسماعيلي السالف: حديث الخشبة ليس من هذا الباب في شيء.

وقال أبو عبد الملك: إنما أدخله البخاري هنا لبيان أن كل ما ألقاه البحر جاز التقاطه ولا خمس فيه، كالعنبر إذا لم يعلم أنه من مال المسلمين، وأما إذا علم أنه منها فلا يجوز أخذه وإن مات أهل المركب عطشا، أو لعله كان كاللقطة; لأن الرجل إنما أخذ خشبة على الإباحة لتملكها فوجد فيها المال ولو وقع هذا اليوم لكان كاللقطة; لأنه معلوم أن الله تعالى لا يخلق الدنانير المضروبة في الخشب، ونحا نحو ذلك ابن المنير فقال: موضع الاستشهاد إنما هو أخذ الخشبة على أنها حطب فدل على إباحة مثل ذلك مما يلفظه البحر، أما ما ينشأ فيه كالعنبر أو مما سبق فيه ملك وعطب وانقطع ملك صاحبه منه على اختلاف بين العلماء في تمليك هذا مطلقا أو مفصلا، وإذا جاء تمليك الخشبة وقد تقدم عليها ملك فتمليك نحو العنبر الذي لم يتقدم عليه ملك أولى .

[ ص: 601 ] وهذا أخذه من قول المهلب، وفي أخذ الرجل الخشبة حطبا دلالة على أن ما يوجد في البحر من متاع البحر وغيره أنه لا شيء فيه، وهو لمن وجده حتى يستحق ما ليس من متاع البحر من الأموال كالدنانير والثياب، وشبه ذلك، فإذا استحق رد إلى مستحقه وما ليس له طالب، ولم يكن له كبير قيمة، وحكم بغلبة الظن بانقطاعه كان لمن وجده ينتفع به ولا يلزمه فيه تعريف، إلا أن يوجد فيه دليل يستدل به على مالكه كاسم رجل معلوم أو علامة فيجتهد فيه الفقهاء في أمر التعريف .

وفيه أيضا فوائد أخر منها: أن الله تعالى يجازي أهل الإرفاق بالمال يحفظه عليهم مع الأجر المدخر لهم في الآخرة كما حفظه على المسلف حين رده الله إليه، وهذان فضلان كبيران لأهل المواساة والثقة بالله والحرص على أداء الأمانة.

ومنها: جواز ركوب البحر بأموال الناس والتجارة فيه وغير ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية