التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1449 1521 - حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا سيار أبو الحكم قال: سمعت أبا حازم قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه". [1819، 1820- مسلم: 1350 - فتح: 3 \ 382]


ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها: حديث أبي هريرة: قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "جهاد في سبيل الله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".

وهذا الحديث سلف واضحا في باب من قال: إن الإيمان هو: العمل، "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" ، كما أخرجاه من حديث أبي هريرة بزيادة في أوله: "العمرة إلى العمرة كفارة لما [ ص: 38 ] بينهما" ولأحمد من حديث جابر قالوا: يا رسول الله، ما الحج المبرور؟ قال: "إطعام الطعام، وإفشاء السلام، علقه محمد بن ثابت، قال أبو حاتم: حديث منكر شبه الموضوع .

وفي رواية للجوزي: ما بره؟ قال: "العج والثج" قال: فإن لم يكن. قال: "طيب الكلام"، وللحاكم: "طيب الكلام" بدل "إفشاء السلام" ثم قال: صحيح الإسناد ، ولم يحتجا بأيوب بن سويد، لكن له شواهد كثيرة ، وروى سعيد بن المسيب مرفوعا: "ما من عمل بين السماء والأرض بعد الجهاد أفضل من حجة مبرورة، لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال".

وقوله: "مبرور" قال ابن التين: يحتمل أن صاحبه أوقعه على وجه البر، وأصله أن لا يتعدى بغير حرف جر، ونقل عن بعضهم أنه قال: لعله يريد بمبرور وصف المصدر فتعدى إليه بغير حرف فجعله متعديا، قال: وحديث: "المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" قيل: يريد به النافلة; لأنه سبق على الحج الجهاد، وليس فرضه كفرض الحج ، فيدل ذلك على أن هذا الحج نافلة.

ثانيها: حديث عائشة: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: "لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور".

[ ص: 39 ] وهو من أفراده ، وأخرجه في موضع آخر بلفظ: استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد فقال: "جهادكن الحج" وله عنها: "لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور" قالت: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وذكره في الجهاد عنها بلفظ: سأله نساؤه عن الجهاد، قال: "نعم الجهاد الحج" وفي آخر: واستأذنته عائشة، فقال: "جهادكن الحج" ولابن ماجه بإسناد على شرط الصحيح عنها: قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: "نعم ، جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة" .

وضبطه الأصيلي بضم الكاف وتشديد النون، وكذا في أصل الدمياطي أيضا، قال الشيخ أبو الحسن: وهو الذي تميل إليه نفسي، وسماه جهادا لما أسلفنا في الباب قبله.

قال ابن بطال: وإنما جعل الجهاد في حديث أبي هريرة أفضل من الحج; لأن ذلك كان في أول الإسلام، وقلت: وكان الجهاد فرضا متعينا على كل أحد، فأما إذا ظهر الإسلام وفشى، صار الجهاد من فروض الكفاية على من قام به، فالحج حينئذ أفضل ، ألا ترى قوله - عليه السلام - لعائشة: "أفضل جهادكن الحج" لما لم تكن من أهل (القتال) والجهاد [ ص: 40 ] للمشركين؟ فإن حل العدو ببلدة واحتيج إلى دفعه ، وكان له ظهور وقوة وخيف منه ، توجه فرض الجهاد على الأعيان ، وصار أفضل من الحج .

وكذا قال ابن التين الحج أفضل، وقال المهلب: وقوله: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور" يفسر قوله: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن [الأحزاب: 33] أنه ليس على الفرض لملازمة البيوت، كما زعم من أراد تنقيص أم المؤمنين في خروجها إلى العراق للإصلاح بين المسلمين، وهذا الحديث يخرج الآية عما تأولوها; لأنه قال: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور" فدل أن لهن جهادا غير الحج، والحج أفضل منه، فإن قيل: النساء لا يحل لهن الجهاد قيل: قالت حفصة: قدمت علينا امرأة غزت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ست غزوات، وقالت: كنا نداوي الكلمى ونقوم على المرضى. وهو في الصحيح ، وكان - عليه السلام - إذا أراد الغزو أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها غزا بها .

قال: في هذا وفي إذن عمر لهن بالحج إبطال إفك المشغبين، وكذب الرافضة فيما اختلقوه من الكذب من أنه - عليه السلام - قال لأزواجه: "هذه ثم ظهور الحصر" ، وهذا ظاهر لا خلاف; لأنه حضهن على الحج وبشرهن أنه أفضل جهادهن، وأذن عمر لهن، وسير عثمان معهن. يعني الحديث المذكور آخر كتاب الحج حجة قاطعة على [ ص: 41 ] ما كذب به عليه في أمر أم المؤمنين، وكذا قولهم عنه أنه قال لها: "تقاتلي عليا وأنت له ظالمة" فإنه لا يصح.

قلت: حديث "ثم ظهور الحصر" أخرجه أبو داود في "سننه" من حديث أبي واقد الليثي، عن أبيه بإسناد جيد ، وأما حديث: "تقاتلي عليا وأنت له ظالمة" فليس بمعروف، والمعروف أن هذا قاله للزبير بن العوام مع ضعفه.

الحديث الثالث:

حديث أبي هريرة: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه". هذا الحديث أخرجه مسلم بألفاظ ليس فيه لفظة (لله) منها: "من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه" . ومنها: "من حج فلم يرفث ولم يفسق". وهذا الحديث من قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق [البقرة: 197] والرفث: الجماع أو التعريض به ، أو القبيح من القول. والفسوق: المعاصي كلها ، أو الذبح لغير الله ، أو إتيان المعاصي في الحرم ، أو السباب، أقوال. وقال ربيعة: هو قول الزور. وقرئ (فلا رفوث ولا فسوق) وكذا هو في مصحف عبد الله، وزعم ابن حزم أنه لا يحرم على المحرم إلا الإيلاج فقط، ويباح له أن يقبلها ويباشرها ، قال: لأن الله تعالى لم ينه إلا عن الرفث، وهو الجماع فقط ، ولا عجب أعجب ممن نهى عن ذلك، ولم ينه الله تعالى ولا رسوله عن ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية