التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1463 1535 - حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة قال: حدثني سالم بن عبد الله، عن أبيه - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رئي وهو في معرس بذي الحليفة ببطن الوادي، قيل له: إنك ببطحاء مباركة. وقد أناخ بنا سالم، يتوخى بالمناخ الذي كان عبد الله ينيخ، يتحرى معرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي، بينهم وبين الطريق وسط من ذلك. [انظر: 483- مسلم: 1346 - فتح: 3 \ 392]


ذكر فيه حديث عمر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - بوادي العقيق يقول: "أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة".

وحديث ابنه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه رئي وهو في معرس بذي الحليفة ببطن الوادي قيل له: إنك ببطحاء مباركة. وقد أناخ بنا سالم، يتوخى بالمناخ الذي كان عبد الله ينيخ، يتحرى معرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي، بينهم وبين الطريق وسط من ذلك.

[ ص: 81 ] الشرح:

الحديث الأول من أفراده، والثاني أخرجه مسلم . وقال: أتى بدل: أرى، وقال: القبلة بدل: الطريق.

وقوله: باب قوله - عليه السلام -: "العقيق واد مبارك"، لم يذكر حديثا أنه قال، وإنما قيل له ذلك في المنام، نعم تلفظ به.

والعقيق -بفتح أوله وزنه فعيل- عقيقان، كما قال البكري: عقيق بني عقيل على مقربة من عقيق المدينة الذي بقرب النقيع على ليلتين من المدينة.

وقال الخليل: العقيقان في ديار بني عامر بما يلي اليمن، وهما: عقيق (تمرة) ، وعقيق البياض، والرمل بينهما رمل الدبيل ورمل (يبرين) ، وسمي عقيق المدينة; لأنه عق في الحرة، وهما عقيقان، وبها الأكبر، والأصغر، وبالأصغر بئر رومة، والأكبر فيه بئر عروة .

وسبب تسميته ما في "تاريخ أبي الفرج الأموي" : لما سار تبع من المدينة إلى اليمن ، انحدر في مكان العقيق فقال: هذا عقيق الأرض ، فسمي العقيق.

وقال ياقوت: العقيق عشرة مواضع ، وعقيقا المدينة أشهرها ، وأكثر ما ذكر في الأشعار ، فإياهما -والله أعلم- يعنون .

[ ص: 82 ] والخليل وصاحب "الموعب" قال: الذي قال فيه الشعراء: بئر عروة السالف، وقال الحسن بن محمد المهلبي: بين العقيق والمدينة أربعة أميال.

وقال صاحب "التهذيب" أبو منصور: العرب تقول لكل مسيل ماء شقه ماء السيل في الأرض فأنهره ووسعه: عقيق، وفي بلاد العرب أربعة أعقة ، وهي أودية شقتها السيول عادية، فمنها عقيق عارض اليمامة وهو: واد واسع مما يلي العرمة ، تتدفق فيه شعاب العارض، وفيه عيون عذبة الماء، ومنها عقيق بناحية المدينة، وفيه عيون ونخيل، ومنها عقيق آخر يدفق ماؤه في غوري تهامة، وهو الذي ذكره الشافعي وقال: ولو أهلوا من العقيق كان أحب إلي ، ومنها عقيق القنان: تجري إليه مياه قلل نجد وجباله. وقال الأصمعي: الأعقة: الأودية، ثم ذكر حديث ابن عباس أنه - عليه السلام - وقت لأهل العراق بطن العقيق. قال الأزهري: أراد الذي بحذاء ذات عرق.

أما فقهه ففيه: مطلوبية الصلاة عند إرادة الإحرام ، لاسيما في هذا الوادي المبارك، وهو مذهب العلماء كافة ، إلا ما حكي عن الحسن البصري ، فإنه استحب كونها بعد فرض; لأنه روي أن هذه الصلاة كانت صلاة الصبح.

قال الطبري: ومعنى الحديث الإعلام بفضل المكان لا إيجاب الصلاة فيه ، لقيام الإجماع على أن الصلاة في هذا الوادي ليس بفرض، قال: فبان بذلك أن أمره بالصلاة فيه نظير حثه لأمته على الصلاة في مسجده ومسجد قباء.

[ ص: 83 ] وقوله: "عمرة في حجة" يحتمل أن يقال كما أبداه الخطابي: (في) بمعنى: (مع) فيكون القران أفضل، وهو مذهب الكوفيين ، ويحتمل أن يريد عمرة مدرجة في حجة أي: عمل العمرة مضمن في عمل الحج ، يجزئ لهما طواف واحد وسعي واحد .

ويحتمل أن يريد أن يحرم بها إذا فرغ من حجته قبل منزله، فكأنه قال: إذا خرجت وحججت فقل: لبيك بعمرة ، وتكون في حجتك التي تحج فيها، ويؤيده رواية البخاري في كتاب الاعتصام: "وقل عمرة وحجة" ففصل بينهما بالواو، ويحتمل أن يراد به: قل عمرة في حجة أي: قال ذلك لأصحابه، أي أعلمهم أن القران جائز ، وأنه من سنن الحج، وهو نظير قوله - عليه السلام - "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"

وبهذه الرؤيا حكم - عليه السلام - بنسخ ما كان في الجاهلية من تحريم العمرة ممن لم يكن معه هدي أن يفسخوه في عمرة، فعظم ذلك عليهم لبقائه هو على حجه من أجل سوقه الهدي، وما كان استشعره من التلبيد لرأسه.

وفيه: أن السنن والفرائض قد يخبر عنها بخبر واحد فيما اتفقا فيه، وإن كان حكمها مختلفا في غيره، فلما كان الإحرام بالحج والعمرة واحدا ، أخبر الله عنها في هذه الرؤيا بذلك فقال: "عمرة وحجة" أي: إحرامك تدخل فيه العمرة والحج متتاليا ومفرقا.

[ ص: 84 ] وفيه: فضل المدينة، وما قاربها; لكونه - عليه السلام - بها، فإن الله تعالى جعلها له مثوى في الدنيا والبرزخ، ولا شك في فضلها ولا ريب; لكنه قال في مكة: "والله إنك لأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" .

التالي السابق


الخدمات العلمية