التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1468 [ ص: 121 ] 21 - باب: ما لا يلبس المحرم من الثياب 1542 - حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران أو ورس". [انظر: 134- مسلم: 1177 - فتح: 3 \ 401]


ذكر فيه حديث ابن عمر أن رجلا قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال: "لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران أو ورس".

الشرح:

هذا الحديث سلف في آخر كتاب العلم .

وكل ما ذكر فيه مجمع على عدم لبسه، ويدخل في معنى ما ذكر من القميص والسراويلات المخيط كله، فلا يجوز لباس شيء منه عند الأمة قاطبة .

ففي معنى ذلك الجباب، والفراء، والقلنسوة، وغيره، والمنسوج، والملبد. وفي معنى البرانس الغفارية. وذلك أن الترفه إنما يحصل بلبس [ ص: 122 ] الثياب على الوجه المقصود بتلك الخياطة، والمحرم ممنوع من الترفه، ولذلك منع من الحلق وإلقاء التفث، بخلاف ستر العورة ودفع المضرة عن الجسد، ولا بأس بإلقاء الثوب، أو السراويل، أو البرنس على كتفه.

وكره مالك الارتداء بالسراويل .

ووجه بقبح الزي ، كما كره لغير المحرم لبس السراويل مع الرداء دون قميص. ومن أدخل منكبه في القباء افتدى وفاقا لمالك ، وخلافا لأبي حنيفة حتى يدخل يديه في كميه .

والجواب في الحديث من بدائع خطابه ، حيث سئل عما يلبس فأجاب بما لا يلبس; لأن ما يلبس قد يشق حصره; لكثرته، فأجاب بالممنوع ، وعلم الجائز به.

ثم قام الإجماع على أن الخطاب المذكور للرجال دون النساء، وأنه لا بأس بلبس المخيط والخفاف لهن .

وقام أيضا على أن إحرام الرجل في رأسه، وأنه ليس له أن يغطيه; لنهيه - عليه السلام - عن لبس البرانس والعمائم ، زاد مالك: ووجهه.

وسيأتي الاختلاف في تخمير الوجه، واختلفوا في من لبس خفين غير مقطوعين وهو واجد للنعلين، أو لبسهما مقطوعين وهو واجد للنعلين، وستعلمه في أواخر الحج.

[ ص: 123 ] والحديث دال على جواز لبسهما عند عدم النعلين مع قطعهما أسفل من الكعبين، ولا خلاف فيه بين جماعة الفقهاء.

وحكي عن عطاء، وأحمد، وقوم من أصحاب الحديث أنه إذا لم يجدهما يلبس الخفين تامين من غير قطع .

والحديث حجة عليهم. وهو أمر، ومقتضاه الوجوب. وبالقياس على من وجد النعلين.

[ ص: 124 ] وأما حديث ابن عباس الذي لم يذكر فيه القطع، فخبر ابن عمر مقدم عليه; لأنه نقل صفة لبسه بخلاف خبر ابن عباس، فلو لبس الخفين عند عدم النعلين فلا فدية عليه عند الجماعة; خلافا لأبي حنيفة. قيل: ونحا إليه ابن حبيب.

وقوله: ("فليقطعهما أسفل من الكعبين") اتفق الحفاظ من أصحاب نافع على لفظه هكذا، منهم مالك، والزهري، وخلق.

ووهم جعفر بن برقان فيه في موضعين، حيث جعله من قول نافع ، وزيادة: "ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل"، وليس في حديث ابن عمر، وهذا أخذ به الشافعي ، وأنكره مالك في "الموطإ"، واحتج بأنه لم يستثن فيه كما استثنى في الخفين .

وقال الأصيلي: انفرد بحديث السراويل جابر بن زيد، عن ابن عباس، وهو رجل بصري لا يعرف، ولا يعرف الحديث بالمدينة.

قلت: لكن أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن عباس، كما ذكر بلفظ: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب يقول: "السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفاف لمن لم يجد النعلين" يعني: المحرم. وفي رواية: يخطب بعرفات .

وأخرجه مسلم من حديث جابر مرفوعا: "من لم يجد نعلين فليلبس [ ص: 125 ] خفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل" وهو من أفراده.

وقال أبو حنيفة: يشق السراويل من أسفله ويلبسه، ولا فدية عليه .

وقال ابن حبيب: إنما أرخص في القطع لقلة النعال، فأما اليوم فلا رخصة في ذلك. ووافقه ابن الماجشون.

وأجمعت الأمة على أن المحرم لا يلبس ثوبا مسه ورس أو زعفران .

والورس: نبات باليمن صبغه بين الحمرة والصفرة، ورائحته طيبة. وقيل: هو ضرب من الطيب كالزعفران، فإن غسل ذلك الثوب حتى ذهب منه ريح الورس أو الزعفران فلا بأس به عند جميعهم. وكرهه مالك للمحرم ، إلا إذا لم يجد غيره .

وسيأتي ذلك واضحا في باب: ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة، وإيراد حديث فيه إذا غسل. مع الكلام عليه.

وقال ابن التين: خص المنع ما صبغ منهما; لأن أطيب وأفضل لباس المحرم البياض; لقوله - عليه السلام -: "البسوا من ثيابكم البياض" .

[ ص: 126 ] ويجتنب المصبوغ بهما الرجال والنساء، ويفتدي من لبسه منهم رجلا كان أو امرأة. وادعى ابن أبي صفرة أن في هذا دلالة أن قول عائشة: "طيبته لإحرامه" خصوص له; لأنه تطيب، ونهى عن الطيب هنا، وقد أسلفنا ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية