التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1480 [ ص: 179 ] 30 - باب: التلبية إذا انحدر في الوادي

1555 - حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثني ابن أبي عدي، عن ابن عون، عن مجاهد قال: كنا عند ابن عباس رضي الله عنهما فذكروا الدجال، أنه قال: "مكتوب بين عينيه كافر". فقال ابن عباس: لم أسمعه ولكنه قال: " أما موسى كأني أنظر إليه إذ انحدر في الوادي يلبي". [3355، 5913 - فتح: 3 \ 414]


ذكر فيه عن مجاهد قال: كنا عند ابن عباس فذكروا الدجال، أنه قال: "مكتوب بين عينيه كافر". فقال ابن عباس: لم أسمعه ولكنه قال: "أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي".

هذا الحديث ذكره في باب: الجعد، من كتاب: اللباس بزيادة: "أما إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فانظروا إلى صاحبكم، وأما موسى - صلى الله عليه وسلم - فرجل آدم، جعد، على جمل أحمر مخطوم بخلبة" .

ولمسلم: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوادي الأزرق، فقال: "أي واد هذا؟ " قالوا: هذا وادي الأزرق. قال: "كأني أنظر إلى موسى - صلى الله عليه وسلم - هابطا من الثنية، واضعا أصبعيه في أذنيه مارا بهذا الوادي، وله جؤار إلى الله تعالى بالتلبية" ثم أتى على ثنية هرشى، فقال: "أي ثنية هذه؟ " قالوا: ثنية هرشى. قال: "كأني أنظر إلى يونس بن متى - صلى الله عليه وسلم - على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف ، خطام ناقته خلبة، وهو يلبي" .

قوله: (إذا انحدر). أنكر بعضهم إثبات الألف، وغلط رواته، وهو غلط منه. كما قال القاضي، إذ لا فرق بين إذا وإذ هنا; لأنه وصفه حالة [ ص: 180 ] انحداره فيما مضى .

وفيه: أن التهليل في بطن الوادي من سنن المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين. فإن قيل: فكيف يحجون، ويلبون، وهم في الدار الآخرة، وليست دار عمل؟ فالجواب: أنهم أحياء في هذه الدار عند ربهم -عز وجل-; ولأن عمل الآخرة ذكر ودعاء، قال تعالى: دعواهم فيها سبحانك اللهم [يونس: 10] والتلبية دعاء، وحبب إليهم ذلك فيتعبدون بما يجدون من دواعي أنفسهم، لا بما يلزمون، كما يحمده، ويسبحه أهل الجنة.

قال - عليه السلام -: "يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس" ويحتمل أن هذه رؤية منام في غير ليلة الإسراء، أو في بعض ليلة الإسراء.

ويحتمل أنه أري أحوالهم التي كانت في حياتهم، ومثلوا له في حال حياتهم كيف كانوا، وكيف حجهم وتلبيتهم، كما قال: "كأني أنظر إلى موسى" "كأني أنظر إلى عيسى" أو يكون أخبر عن الوحي في أمرهم، وما كان منهم، وإن لم يرهم رؤية عين.

وزعم الداودي أن قول من روى "موسى" وهم من الرواة; لأنه لم يأت أثر ولا خبر عن موسى أنه حي، وأنه سيحج، إنما ذلك عن عيسى، فاختلط على الراوي، فجعل فعل عيسى لموسى، بيانه قوله في حديث آخر: "ليهلن ابن مريم بفج الروحاء" .

[ ص: 181 ] ونقله ابن بطال عن المهلب أيضا، قال: وذلك على رواية من روى "إذا انحدر"; لأنه إخبار عما يكون.

وأما رواية من روى "إذ انحدر" يحكي عما مضى، فيصح عن موسى أن يراه - عليه السلام - في منامه، أو يوحى إليه بذلك، وأقره عليه .

وكذا أقر ابن التين الداودي على مقالته، وهو عجيب; لما أسلفناه، وأنهم أحياء وشهداء، وإذا اختلط ذلك على الراوي في موسى، فكيف بعمل يونس بن متى، وغيره كما سلف.

التالي السابق


الخدمات العلمية