التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1550 1631 - قال عبد العزيز: ورأيت عبد الله بن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر، ويخبر أن عائشة رضي الله عنها حدثته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل بيتها إلا صلاهما. [انظر: 590- مسلم: 835 - فتح: 3 \ 488]


ثم ذكر أثر عائشة مسندا أن ناسا طافوا بالبيت بعد صلاة الصبح، ثم قعدوا إلى المذكر، حتى إذا طلعت الشمس قاموا يصلون، فقالت عائشة: قعدوا حتى إذا كانت الساعة التي تكره فيها الصلاة قاموا يصلون.

[ ص: 437 ] ثم ذكر حديث عبد الله -يعني: ابن عمر- قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وعن عبد العزيز بن رفيع، قال: رأيت عبد الله بن الزبير يطوف بعد الفجر ويصلي ركعتين ركعتين، قال عبد العزيز: ورأيت عبد الله بن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة حدثته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل بيتها إلا صلاهما.

أما أثر ابن عمر فقد أسنده ابن أبي شيبة، عن يعلى، عن الأجلح عن عطاء قال: رأيت ابن عمر وابن الزبير طافا بالبيت قبل صلاة الفجر، ثم صليا ركعتين قبل طلوع الشمس.

وحدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عطاء قال: رأيت ابن عمر طاف بالبيت بعد الفجر، وصلى الركعتين قبل طلوع الشمس.

وحدثنا أبو الأحوص، عن ليث، عن عطاء: رأيت ابن عمر وابن عباس طافا بعد العصر وصليا.

وحدثنا ابن فضيل عن ليث، عن أبي سعيد أنه رأى الحسن والحسين طافا بالبيت بعد العصر وصليا. وحدثنا ابن فضيل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل: أنه كان يطوف بعد العصر ويصلي حين تصفر الشمس .

قلت: وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا، بإسناد صحيح، أخرجه الطحاوي، عن ابن خزيمة: حدثنا حجاج ثنا همام، ثنا نافع أن ابن عمر قدم عند صلاة الصبح فطاف، ولم يصل إلا بعد ما طلعت الشمس .

[ ص: 438 ] ولما ذكر ابن أبي شيبة الآثار السالفة، شرع يعيب أبا حنيفة بأنه خالفها، وقال: لا يصلى حتى تغيب، أو تطلع، وتمكن الصلاة! .

وأما أثر عمر: فذكره مالك في "الموطإ"، عن ابن شهاب ، وقد سلف في الباب قبله، ورواه سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري .

قال أحمد: أخطأ سفيان، وقد خالفوه فقالوا: الزهري، عن حميد.

قال الأثرم: هذا من وهم سفيان، يقول فيه: عن عروة، فقيل له: هذا نوح بن يزيد، رواه، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري عن عروة أيضا، فأنكره، فرجعت إلى نوح فأخرجه لي من أصل كتابه، فإذا هو عن عروة، وإذا صالح أيضا يرويه عن عروة، قال أبو عبد الله: ذاك -يعني: نوحا- ونوح لم يكن به بأس، كان مستثبتا .

ولعل إبراهيم أن يكون حدث من حفظه، وكان ربما حدث بالشيء من حفظه، وكتاب صالح عندي، ما أدري كيف قال فيه؟!

وقال أبو حاتم: حديث سفيان خطأ .

وأثر عائشة وحديثها من أفراده. وحديث ابن عمر سلف في الصلاة . وعبيدة بن حميد في حديث عائشة بفتح العين.

[ ص: 439 ] أما حكم الباب: فقد ذكر البخاري الخلاف فيه عن الصحابة، وكان مذهبه فيه التوسعة، إن صلى فلا حرج، وإن أخرها على ما فعله عمر فلا حرج، وكان ابن عباس يصلي بعد الصبح والعصر ركعتي الطواف، وهو قول عطاء وطاوس والقاسم وعروة، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور .

وحجتهم حديث جبير بن مطعم يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار"، رواه أصحاب السنن الأربعة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم، وزاد: على شرط مسلم . فعم الأوقات كلها.

وروي عن أبي سعيد الخدري مثل قول عمر: لا بأس بالطواف بعد الصبح والعصر، ويؤخر الركعتين إلى بعد طلوع الشمس، وبعد غروبها، [ ص: 440 ] وهو قول مالك، وأبي حنيفة والثوري .

قال الطحاوي: فهذا عمر لم يركع حين طاف; لأنه لم يكن عنده وقت صلاة، وأخر ذلك إلى أن دخل عليه وقت الصلاة، وهذا بحضرة جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم ينكره عليه منهم أحد، ولو كان ذلك الوقت عنده وقت صلاة الطواف لصلى وما أخر ذلك; لأنه لا ينبغي لأحد طاف بالبيت إلا أن يصلي حينئذ إلا من عذر، وقد روي ذلك عن معاذ بن عفراء، وعن ابن عمر .

قال المهلب: وما ذكره البخاري عن ابن عمر أنه كان يركعهما ما لم تطلع الشمس، وهو يروي نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، فيدل أن النهي عنده عن ذلك إنما هو موافقتهما، وأما إذا أمن أن يوافق ذلك فله أن يصليهما; لأن الوقت لهما واسع، ومن سنتهما الاتصال بالطواف.

وقد بين ذلك ما رواه الطحاوي: حدثنا يعقوب بن حميد، حدثنا ابن أبي غنية، عن عمر بن ذر، عن مجاهد قال: كان ابن عمر يطوف بعد العصر، ويصلي ما كانت الشمس بيضاء حية، فإذا اصفرت وتغيرت طاف طوافا واحدا حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ويطوف بعد الصبح ما كان في غلس، فإذا أسفر طاف طوافا واحدا، ثم يجلس حتى ترتفع الشمس ويمكن الركوع، وهذا قول مجاهد والنخعي وعطاء، وهو قول ثالث في المسألة ذكره الطحاوي .

[ ص: 441 ] وفي "مسند أحمد" بإسناد جيد عن أبي الزبير قال: سألت جابرا قال: كنا نطوف فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة، ولم نكن نطوف بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب. وقال:

سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تطلع الشمس في قرني شيطان" .

وقد سلف حديث أم سلمة أنها طافت ولم تصل حتى خرجت .

وفي "سنن سعيد بن منصور" و"مصنف ابن أبي شيبة" عن أبي سعيد الخدري أنه طاف بعد الصبح، فلما فرغ، جلس حتى طلعت الشمس .

قال سعيد بن منصور: وكان سعيد بن جبير والحسن ومجاهد يكرهون ذلك أيضا.

قال ابن عبد البر: وهو قول مالك وأصحابه ، ولابن أبي شيبة بإسناد جيد أن المسور بن مخرمة كان يطوف بعد الغداة ثلاثة أسابيع، فإذا طلعت الشمس صلى لكل سبوع ركعتين، وبعد العصر يفعل ذلك، فإذا غابت الشمس صلى لكل أسبوع ركعتين، وله عن أيوب قال: رأيت سعيد بن جبير ومجاهدا يطوفان بالبيت حتى تصفر الشمس ويجلسان.

وعن عائشة أنها قالت: إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر، أو بعد صلاة العصر، فطف وأخر الصلاة حتى تغيب الشمس، أو حتى [ ص: 442 ] تطلع، فصل لكل أسبوع ركعتين ، وأبعد من أول الصلاة في حديث جبير السالف بالدعاء; لأنه خلاف الحقيقة، وكذا من حمله على غير أوقات النهي; لأنه عام في الإباحة. وحديث النهي خاص في التحريم، فيحمل على ما عداه، ولأن الإباحة والتحريم إذا اجتمعا عمل بالثاني; لأنه مقتضى الاحتياط، وما فعله ابن الزبير من صلاة ركعتين بعد العصر تبع فيه رواية عائشة.

لكن الصحيح أن المداومة عليهما في هذه الحالة كانت من خصائصه. وقال ابن التين: انفرد داود من بين الفقهاء، فقال: لا بأس بالنافلة بعد العصر حتى تغرب الشمس، والنصوص ترده .

التالي السابق


الخدمات العلمية