التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1575 [ ص: 522 ] 85 - باب: صوم يوم عرفة 1658 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن الزهري، حدثنا سالم قال: سمعت عميرا -مولى أم الفضل- عن أم الفضل: شك الناس يوم عرفة في صوم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبعثت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بشراب فشربه. [1661، 1988، 5604، 5618، 5636- مسلم: 1123 - فتح: 3 \ 510]


ذكر فيه حديث أم الفضل: (شك الناس يوم عرفة في صومه - صلى الله عليه وسلم -، فبعثت إلى النبي بشراب فشربه).

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا .

وذكره في باب الصيام بهذه الترجمة ، وزاد حديثا آخر، كما تقف عليه هناك .

فثبت أنه أفطر يوم عرفة بعرفة، وصح في مسلم أن صومه يكفر سنتين، أخرجه من حديث أبي قتادة ، وهو من أفراده، وهذا في غير الحجيج.

أما الحجيج فينبغي لهم أن لا يصوموا; كيلا يضعفوا عن الدعاء وأعمال الحج اقتداء بالشارع.

وأطلق كثيرون من أئمة أصحابنا كونه مكروها لهم; لحديث أبي داود وغيره، وفي سنده جهالة، فإن كان الشخص بحيث لا يضعف بسبب [ ص: 523 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[ ص: 524 ] الصوم فقد قال المتولي: الأولى أن يصوم; حيازة للفضيلتين، ونسب غيره هذا إلى المذهب، وقال: الأولى عندنا أن لا يصوم بحال.

وقال الروياني في "الحلية": إن كان قويا وفي الشتاء ولا يضعف بالصوم عن الدعاء، فالصوم أفضل له، وبه قالت عائشة وجماعة من أصحابنا.

وقال البيهقي في "المعرفة": قال الشافعي في القديم: لو علم الرجل أن الصوم بعرفة لا يضعفه فصامه كان حسنا ، واختار الخطابي هذا ، والمذهب عندنا استحباب الفطر مطلقا. وبه قال جمهور أصحابنا وصرحوا بأنه لا فرق، ولم يذكر الجمهور الكراهة، بل قالوا: يستحب فطره، كما قاله الشافعي . ونقل الماوردي وغيره استحباب الفطر عن أكثر العلماء. وحكى ابن المنذر عن جماعة منهم استحباب صومه. وحكى صاحب "البيان" عن يحيى بن سعيد الأنصاري: أنه يجب عليه الفطر بعرفة .

[ ص: 525 ] وقال ابن بطال: اختلف العلماء في صومه، فقال ابن عمر: لم يصمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، وأنا لا أصومه .

وقال ابن عباس يوم عرفة: لا يصحبنا أحد يريد الصيام، فإنه يوم تكبير وأكل وشرب ، واختار مالك وأبو حنيفة والثوري الفطر .

وقال عطاء: من أفطر يوم عرفة; ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم . وكان ابن الزبير وعائشة يصومان يوم عرفة ، وروي أيضا عن عمر، وكان إسحاق يميل إليه، وكان الحسن يعجبه صومه ويأمر به الحاج، وقال: رأيت عثمان بعرفات في يوم شديد الحر صائما، وهم يروحون عنه، وكان أسامة بن زيد وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وسعيد بن جبير يصومون بعرفات. وقال قتادة: لا بأس بذلك إذا لم يضعف عن الدعاء ، وبه قال الداودي.

[ ص: 526 ] وقال الشافعي: أحب صيامه لغير الحاج، أما من حج فأحب أن يفطر، ليقويه على الدعاء . وقال عطاء: أصومه في الشتاء ولا أصومه في الصيف .

وقال الطبري: إنما أفطر - صلى الله عليه وسلم - بعرفة ليدل على أن الاختيار في ذلك الموضع للحاج الإفطار دون الصوم; كيلا يضعف عن الدعاء، وقضاء ما لزمه من المناسك، وكذلك من كره صومه من السلف; وإنما كان لما بيناه من إيثارهم الأفضل من ثقل الأعمال على ما هو دونه، وإبقاء على نفسه; ليقوى بالإفطار على الاجتهاد في العبادة، ومن آثر صومه أراد أن يفوز بثوابه، ويدخل من باب الريان .

وقال المهلب في شربه اللبن يوم عرفة: أن العيان أقطع للحجج وأنه فوق الخبر، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الخبر كالعيان" .

[ ص: 527 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[ ص: 528 ] وفيه: أن الأكل والشرب في المحافل مباح، إذا كان لتبيين معنى، أو دعت إليه ضرورة كما فعل يوم الكديد إذا علم مما يريد بيانه من سنته.

[ ص: 529 ] وفيه: جواز قبول الهدية من النساء ، ولم يسألها إن كان من مالها أو من مال زوجها، إذ كان مثل هذا القدر لا يتشاح الناس فيه.

وقال ابن التين: كان - صلى الله عليه وسلم - يترك العمل يحب أن يعمل به لئلا يضيق على أمته.

فرع:

يستحب أيضا صوم ثامن ذي الحجة وهو يوم التروية; احتياطا لعرفة.

التالي السابق


الخدمات العلمية