التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1586 1670 - قال كريب: فأخبرني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن الفضل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة. [انظر: 1544- مسلم: 1281 - فتح: 3 \ 519]


فيه أسامة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث أفاض من عرفة مال إلى الشعب فقضى حاجته .. الحديث.

[ ص: 567 ] وفيه نافع : كان ابن عمر يجمع بين المغرب والعشاء بجمع، غير أنه يمر بالشعب الذي أخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيدخل فينتفض ويتوضأ، ولا يصلي حتى يصلي بجمع.

وفيه أسامة : مثل الأول وزيادة عن الفضل: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة.

وحديث أسامة في مسلم (د. ت) ، وقصة ابن عمر من أفراد البخاري.

والشعب: الطريق في الجبل، بكسر الشين، وفتحها: الجمع بين الشيئين، ونزوله الشعب إنما كان لأجل إزالة الحاجة، وليس ذلك من سنته، وهو مباح لمن أراد امتثال أفعاله، ويدير ناقته حيثما أدار ناقته، ويقتفي آثاره وحركاته، وليس ذلك بلازم إلا فيما تعلق منها بالشريعة.

قال عكرمة: الشعب الذي كانت الأمراء تنزله، اتخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبالا، واتخذتموه مصلى .

وقوله: (فبال ثم جاء فصببت عليه الوضوء، فتوضأ وضوءا خفيفا، فقلت: الصلاة؟ قال: (الصلاة) أمامك" فركب حتى أتى المزدلفة، فصلى) ظاهره الوضوء الشرعي لا الاستنجاء، وقال عيسى بن دينار: إنه استنجاء لا وضوء، قال: وفيه دليل أن الاستنجاء يسمى وضوءا، [ ص: 568 ] ودليل ذلك قوله فيما سيأتي: (ولم يسبغ الوضوء) ، ولذلك قال له أسامة: الصلاة؟ فذكره لما رأى من تركه الاستعداد لها في الوضوء.

وقيل معنى: (ولم يسبغ (الوضوء) أي: لم يبالغ فيه مبالغته إذا أراد به الصلاة، وقد سلف ذلك في الحديث في الطهارة في باب: إسباغ الوضوء أيضا .

وقوله: ("الصلاة أمامك"). مقتضاه أنه ليس بوقتها، أو أن ذلك ليس بموضعها أو هما، ومقتضاه أن موضعها المزدلفة.

وبه احتج مالك لذلك، أو تؤول على أن الصلاة الفاضلة أمامك.

ومن صلى قبل أن يأتيها دون عذر، فقال ابن حبيب: يعيد متى ما علم بمنزل المصلي قبل الزوال لقوله: "الصلاة أمامك" وبه قال أبو حنيفة.

وقال جابر بن عبد الله: لا صلاة إلا بجمع ، وإليه ذهب محمد والثوري.

وقال مالك: لا يصليان إلا بها إلا من عذر به أو بدابته، قال: فإن صلاهما بعذر لم يجمع بينهما حتى يغيب الشفق.

وقال أشهب: بئس ما صنعه، ولا يعيد إلا أن يصليها قبل مغيب الشفق، فيعيد العشاء وحدها أبدا، وبه قال الشافعي، ونصره القاضي أبو الحسن، واحتج عليه بأن ذلك -أعني: الجمع- سنة، فلم يكن شرطا في صحتها، وإنما كان على معنى الاستحباب، كالجمع بعرفة.

[ ص: 569 ] ومن أسرع وأتى المزدلفة قبل مغيب الشفق. قال ابن حبيب: لا يصلي حتى يغيب الشفق. ووجهه قوله: "الصلاة أمامك" ثم صلاها بمزدلفة بعد مغيب الشفق .

وقال أشهب: يجمع حينئذ، وإن قضاهما قبل المغيب. وهو خلاف ما في "المدونة" وجمع هي: المزدلفة والمشعر الحرام.

وعند الفقهاء: أن المشعر جبل في آخر المزدلفة يقال له: قزح، سمي جمعا; لأنها محل الجمع، أو لاجتماع آدم وحواء.

وقوله: (فينتفض) هو كناية عن البول. وقال الداودي: يعني يتنظف فيصير كالفضة. قال: ويحتمل أنه يكون يتنصل مما به من ثقل ذلك، قال: وقوله: "الصلاة أمامك" ولم يسم موضعها.

فيه: تأخير البيان ما لم تدع الحاجة إليه.

وفيه: فضل أسامة وخصوصه بالشارع. والوضوء بفتح الواو على الأشهر، وقوله: (وضوءا خفيفا). هو بضم الواو وفتحها.

وقوله: (لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة) سلف الكلام فيه.

ومعنى قوله: (ردفت): صرت له رديفا، وكذلك: (ردف الفضل رسول الله).

قال ابن التين: وضبط في بعض الكتب: (ردف الفضل)، بنصب اللام وضم اللام من (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وليس بصحيح; لأنه إنما يقال: أردف فلانا: إذا جعله خلفه، كذلك فسره في حديث أسامة، والغرض أنه - صلى الله عليه وسلم - أردفهما به، وردف بكسر الدال، يقال: ردفه وردف له: إذا جاء بعده أو تبعه.

[ ص: 570 ] فائدة:

سميت جمرة; لأنها حجارة مجتمعة، وكل شيء مجتمع فهو عند العرب جمرة وجمار، ومنه قولهم: أجمر السلطان جيشه في الثغر، بمعنى: جمعهم فيه، ومنه قيل لأحياء من العرب تجمعت: جمار وجمرات، ومنه قيل للمرأة إذا أمرت أن تجمع شعرها بعضه إلى بعض: أجمري شعرك.

التالي السابق


الخدمات العلمية