التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
141 [ ص: 78 ] 8 - باب: التسمية على كل حال وعند الوقاع

141 - حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. فقضي بينهما ولد، لم يضره". [3271، 3283، 5165، 6388، 7396 - مسلم: 1434 - فتح: 1 \ 242]


حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. فقضي بينهما ولد، لم يضره".

الكلام عليه من أوجه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في الدعوات عن علي بن المديني أيضا، وفي التوحيد عن قتيبة، عن جرير; وفي صفة إبليس عن موسى بن إسماعيل. عن همام، وعن آدم، عن شعبة، وفي النكاح عن سعد بن حفص، عن شيبان، كلهم عن جرير به، وقال في عقب حديث آدم: وثنا الأعمش.

[ ص: 79 ] وأخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى، وغيره عن جرير، ومن طريق الثوري وغيره عن منصور. لم يرفعه الأعمش ورفعه منصور، وأخرجه الأربعة أيضا.

ثانيها: في التعريف برواته:

وقد سلف التعريف بهم خلا سالم بن أبي الجعد الأشجعي مولاهم الكوفي التابعي، روى عن ابن عباس وابن عمر، وأرسل عن عمر وعائشة. قال أحمد: لم يسمع من ثوبان ولم يلقه. وعنه منصور والأعمش، مات سنة مائة، وهو من الثقات لكنه يرسل ويدلس، وحديثه عن النعمان بن بشير، وعن جابر في البخاري ومسلم وأبي داود عن عبد الله بن عمرو، وابن عمر في البخاري، وعن علي في أبي داود والنسائي.

[ ص: 80 ] وأما (منصور) فهو ابن المعتمر أبو عتاب السلمي من أئمة الكوفة.

روى عن أبي وائل، وزيد بن وهب، وعنه شعبة والسفيانان وخلق. قال: ما كتبت حديثا قط. مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وقد سلف أيضا في باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.

ثالثها:

هذا الإسناد كلهم من رجال الكتب الستة إلا ابن المديني؛ فإن مسلما وابن ماجه لم يخرجا له، ورواته ما بين مكي ومدني وكوفي ورازي وبصري.

رابعها:

(ما) هنا بمعنى: شيء؛ فإنها تكون لمن يعقل إذا كانت بمعنى الشيء كما نبه عليه ابن التين .

ومعنى "لم يضره": لا يكون له عليه سلطان ببركة اسمه جل وعز، بل يكون من جملة العباد المحفوظين المذكورين في قوله تعالى: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان [الحجر: 42]، وأبعد من قال: إن المراد: لم يصرعه، وكذا قول من قال: لم يطعن فيه عند ولادته.

واختار الشيخ تقي الدين (القشيري) في "شرح العمدة" أن المراد: لم يضره في بدنه، وإن كان يحتمل الدين أيضا، لكن يبعده انتفاء العصمة. وقال الداودي: لم يضره بأن يفتنه بالكفر.

[ ص: 81 ] خامسها: في فوائده:

وهو مطابق لقول الله تعالى حاكيا عن أم مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم [آل عمران: 36].

الأولى: استحباب التسمية والدعاء المذكور في ابتداء الوقاع، واستحب الغزالي في (الإحياء) أن يقرأ بعد باسم الله قل هو الله أحد [الإخلاص: 1]، ويكبر ويهلل، ويقول: بسم الله العلي العظيم، اللهم اجعلها ذرية طيبة إن كنت قدرت ولدا يخرج من صلبي، قال: وإذا قرب الإنزال فقل في نفسك ولا تحرك به شفتيك: الحمد لله الذي خلق من الماء بشرا.

الثانية: الاعتصام بذكر الله تعالى ودعائه من الشيطان، والتبرك باسمه، والاستشعار بأن الله تعالى هو الميسر لذلك العمل والمعين عليه.

الثالثة: الحث على المحافظة على تسميته ودعائه في كل حال لم ينه الشرع عنه، حتى في حال ملاذ الإنسان، وأراد البخاري بذكره في هذا الباب مشروعية التسمية عند الوضوء، واستغنى عن حديث: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه"; لأنه ليس على شرطه وإن كثرت طرقه، وقد طعن فيه الحفاظ، واستدركوا على الحاكم تصحيحه بأنه انقلب عليه إسناده واشتبه.

[ ص: 82 ] وأصح ما في التسمية كما قال البيهقي، واحتج به في "معرفته" حديث أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضع يده في الإناء الذي فيه الماء وقال: "توضئوا بسم الله.. "، الحديث; ويقرب منه حديث: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله - وفي لفظ: ببسم الله- فهو أجذم".

[ ص: 83 ] وحاصل ما في التسمية مذاهب:

أحدها: أنها سنة وليست بواجبة، فلو تركها عمدا صح وضوؤه، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور العلماء، وهو أظهر الروايتين عن أحمد، وعبارة ابن بطال: استحبها مالك وعامة أئمة أهل الفتوى، وذهب بعض من زعم أنه من أهل العلم إلى أنها فرض فيه.

ثانيها: أنها واجبة، (وهو) رواية عن أحمد، وقول أهل الظاهر.

ثالثها: أنها واجبة إن تركها عمدا بطلت طهارته، وإن تركها سهوا أو معتقدا أنها غير واجبة لم تبطل طهارته، وهو قول إسحاق بن راهويه، كما حكاه الترمذي وغيره عنه.

رابعها: أنها ليست بمستحبة، وهو رواية عن أبي حنيفة، وعن مالك رواية أنها بدعة، وقال: ما سمعت بهذا; يريد: أن يذبح!! وفي رواية: أنها مباحة لا فضل في فعلها ولا في تركها.

[ ص: 84 ] واحتج من أوجبها بالحديث الذي أسلفناه، ولأنها عبادة يبطلها الحدث فوجب في أولها نطق كالصلاة.

واحتج من لم يوجبها بقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية [المائدة: 6]، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "توضأ كما أمرك الله".

وأشباه ذلك من النصوص الواردة في بيان الوضوء، وليس فيها ذكر التسمية.

والجواب عن الحديث من أوجه:

أحسنها: ضعفه، قال الإمام أحمد: لا أعلم في التسمية حديثا ثابتا.

ثانيها: أنه مقدر بنفي الكمال.

ثالثها: أن المراد بالذكر النية، قاله ربيعة شيخ مالك وغيره، والجواب عن قياسهم من وجهين:

[ ص: 85 ] أحدهما: أنه منتقض بالطواف، وأنه عبادة لا يجب في آخرها ذكر فلا يجب في أولها كالطواف، وفيه احتراز من سجود التلاوة والشكر.

ثانيها: إنا نقلبه عليهم نقول: عبادة يبطلها الحدث فلم تجب التسمية في أولها كالصلاة. قال ابن بطال: وهذا الذي أوجبها عند الوضوء لا يوجبها عند غسل الجنابة والحيض، وهذا (مناقض) لإجماع العلماء أن من اغتسل من الجنابة ولم يتوضأ وصلى، أن صلاته تامة.

الرابعة: الإشارة إلى ملازمة الشيطان لابن آدم من حين خروجه من ظهر أبيه إلى رحم أمه إلى حين موته -أعاذنا الله منه- فهو يجري منه مجرى الدم، وعلى خيشومه إذا نام، وعلى قلبه إذا استيقظ، فإذا غفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس، ويضرب على قافية رأسه [ ص: 86 ] إذا نام ثلاث عقد: عليك ليل طويل; وينحل بالذكر والوضوء والصلاة.

الخامسة: فيه -كما قال ابن بطال:- الحث على ذكر الله في كل وقت على حال طهارة وغيرها، ورد على من أنكر ذلك، وهو قول مروي عن ابن عمر، أنه كان لا يذكر الله إلا وهو طاهر، وروي مثله عن أبي العالية والحسن، وروي عن ابن عباس أنه كره أن يذكر الله على حالين: على الخلاء، والرجل يواقع أهله، وهو قول عطاء، ومجاهد. قال مجاهد: يجتنب الملك الإنسان عند جماعه وعند غائطه. قال ابن بطال: وهذا الحديث خلاف قولهم.

قلت: لا؛ فإن المراد بإتيانه أهله إرادة ذلك، وحينئذ فليس خلاف قولهم، وكراهة الذكر على غير طهر; لأجل تعظيمه.

[ ص: 87 ] فروع متعلقة بالجماع:

لا يكره مستقبل القبلة ولا مستدبرها، لا في البنيان ولا في الصحراء، قاله النووي في "الروضة" من زوائده.

وقال الغزالي في "الإحياء": لا يستقبل القبلة به إكراما لها، قال: وليتغطيا بثوب قال: وينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة، وأن يزيد وينقص على حسب حاجتها في التحصين، فإن تحصينها واجب، وإن لم تثبت المطالبة بالوطء، قال: ويكره الجماع في الليلة الأولى من الشهر والأخيرة منه وليلة نصفه، فيقال: إن الشيطان يحضر الجماع في هذه الليالي، ويقال: إنه يجامع، قال: وإذا قضى وطره فليمهل عليها حتى تقضي وطرها.

التالي السابق


الخدمات العلمية