التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1600 [ ص: 11 ] 100 - باب : متى يدفع من جمع

1684 - حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق ، سمعت عمرو بن ميمون يقول: شهدت عمر - رضي الله عنه - صلى بجمع الصبح، ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير. وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خالفهم، ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس. [3838 - فتح: 3 \ 531]
ذكر فيه حديث عمرو بن ميمون : شهدت عمر صلى بجمع الصبح، ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير. وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خالفهم، ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس.

هذا الحديث من أفراده، وفي رواية له: لا يفيضون من جمع حتى تشرق الشمس، ولابن ماجه: أشرق ثبير كيما نغير، وللترمذي مصححا من حديث ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - أفاض قبل طلوع الشمس.

ولمسلم عن جابر: فلم يزل صلى الله عليه وسلم واقفا حتى أسفر جدا، فدفع قبل أن تطلع الشمس.

وفي البيهقي من حديث محمد بن قيس بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ها هنا عند غروب [ ص: 12 ] الشمس حتى تكون الشمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها، هدينا مخالف لهديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرجال على (رؤوسها) هدينا مخالف لهديهم" قال البيهقي: رواه عبد الله بن إدريس، عن ابن جريج ، عن محمد بن قيس بن مخرمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب يوم عرفة، فذكره مرسلا. وللبيهقي من حديث جبير بن الحويرث قال: رأيت أبا بكر واقفا على قزح، وهو يقول: أيها الناس أصبحوا، أيها الناس أصبحوا، ثم دفع، فكأني أنظر إلى فخذه قد انكشف مما يخرش بعيره بمحجنه، وقد سلف. وقال ابن المنذر: ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاض من جمع حين أسفر جدا، وأخذ به ابن مسعود وابن عمر ، وقال بذلك عامة العلماء أصحاب الرأي والشافعي، غير مالك، فإنه كان يرى أن يدفع قبل الطلوع وقبل الإسفار.

وفيه من الفقه -كما قال الطبري- بيان وقت الوقوف الذي أوجبه الله على عباده حجاج بيته بالمشعر الحرام إلا به، كذا أوجبه، وقد سلف ما فيه. قال: فمن وقف بالمشعر الحرام ذاكرا في الوقت الذي وقف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو في بعضه فقد أدركه وأدى ما ألزمه الله تعالى من ذكره به، وذلك حين صلاة الفجر بعد طلوع الفجر الثاني إلى أن يدفع [ ص: 13 ] الإمام منه قبل طلوع الشمس من يوم النحر، ومن لم يدرك ذلك حتى تطلع فقد فاته الوقوف به بإجماع، وإنما عجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة وزاحم بها أول وقتها; ليدفع قبل أن تشرق الشمس على جبل ثبير; ليخالف أمر المشركين، فكلما بعد دفعه من طلوع الشمس كان أفضل، فلهذا اختار هذا مالك.

وقوله: (لا يفيضون) يعني: لا يرجعون من المشعر الحرام إلى حيث بدأوا، والمصير إليه من منى حتى تطلع؛ ولذلك تقول العرب لكل راجع من موضع كان صار إليه من موضع آخر إلى الموضع الذي بدأ منه: أفاض فلان من موضع كذا. وكان الأصمعي يقول: الإفاضة: الدفعة، كل دفعة إفاضة. ومنه قيل: أفاض القوم في الحديث إذا (دفعوا) فيه. وأفاض دمعه يفيضه، فأما إذا سالت دموع العين فإنما يقال: فاضت عينه بالدموع.

وقوله: (أشرق ثبير) قال الهروي: يريد: ادخل أيها الجبل في الشروق، كما تقول: أجنب إذا دخل في الجنوب، وأشمل إذا دخل في الشمال، وشروقها: طلوعها، وقال عياض: (أشرق ثبير): ادخل يا جبل، من شرق أي: أضاء.

وقال ابن التين: ضبطه أكثرهم بالفتح، وبعضهم بكسر الهمزة، كأنه ثلاثي من شرق، وفسره بعضهم: أي: أطلع الشمس يا جبل، وليس يبين; لأن شرق مستقبله يشرق بالضم، والأمر منه بالضم لا بالكسر، والذي عليه الجماعة بالفتح أي: لتطلع عليك الشمس.

[ ص: 14 ] (وثبير) -بالمثلثة المفتوحة، ثم باء موحدة مكسورة، ثم ياء مثناة تحت، ثم راء-: جبل المزدلفة، على يسار الذاهب إلى منى، وقيل: هو أعظم جبال مكة، عرف برجل من هذيل، اسمه ثبير، دفن به، وقد تقدم ذكر ثبير في باب طواف النساء مع الرجال، وأنها سبعة أجبل.

وقال ابن التين: ثبير جبل عند مكة، ولم يذكر غير ذلك.

وقوله: (كيما نغير) أي: ندفع ونفيض للنحر وغيره، وذلك من قولهم: أغار الفرس إغارة الثعلب، وذلك إذا دفع وأسرع في دفعه.

قال ابن التين: وضبطه بعض أهل اللغة بسكون الراء في الموضعين.

التالي السابق


الخدمات العلمية