التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1689 1781 - حدثنا أحمد بن عثمان ، حدثنا شريح بن مسلمة ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه عن أبي إسحاق قال: سألت مسروقا وعطاء ومجاهدا . فقالوا: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة قبل أن يحج. وقال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما يقول: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة، قبل أن يحج مرتين. [1844، 2698، 2699، 2700، 3184، 4251 - مسلم: 1783 - فتح: 3 \ 600]
ذكر فيه حديث مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا أناس يصلون في المسجد صلاة الضحى. قال: فسألناه عن صلاتهم، فقال: بدعة، ثم قال: له كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أربع، إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه.

[ ص: 220 ] قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: يا أماه، يا أم المؤمنين ، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ فقالت: ما يقول؟ قال: يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب. قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن ، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط.


وحديث عروة قال: سألت عائشة، قالت: ما اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجب.

وحديث قتادة قال: سألت أنسا: كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أربعا: عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صده المشركون، وعمرة في العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم، وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة - أراه - حنين. قلت: كم حج؟ قال: واحدة.

وعن قتادة : سألت أنسا، فقال: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث ردوه، ومن القابل عمرة الحديبية، وعمرة في ذي القعدة، وعمرة مع حجته.

وعن همام قال: اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته: عمرته من الحديبية، ومن العام المقبل، ومن الجعرانة حيث قسم غنائم حنين، (وعمرة) مع حجته.

وعن أبي إسحاق قال: سألت مسروقا وعطاء ومجاهدا ، قالوا: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين.

[ ص: 221 ] الشرح:

هذه الأحاديث الثلاثة أخرجها مسلم. وقال في الأولى: فكرهنا أن نكذبه. وفي رواية له " وابن عمر يسمع" فما قال: لا، ولا هم، سكت، ولمسلم في الأخير "عمرة من الحديبية، أو في الحديبية في ذي القعدة".

واعترض الإسماعيلي فقال: هذا الحديث لا يدخل في (باب: كم اعتمر؟) وإنما يدخل في (باب: متى اعتمر؟) قلت: بلى داخل فيه، والزمان وقع استطرادا، وفي قول مجاهد: دخلت أنا وعروة إلى آخره، ظاهر في سماع مجاهد من عائشة خلافا لما قاله يحيى القطان وآخرون، وفي أفراد مسلم من حديث البراء بن عازب : اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين.

وفي أبي داود بإسناد على شرط الشيخين من حديث عائشة: أنه - عليه السلام - اعتمر في شوال، وأخرجه مالك في "موطئه" أيضا.

[ ص: 222 ] ...........................

[ ص: 223 ] وفي الدارقطني من حديثها: أنه - عليه السلام - اعتمر في رمضان. وهو غريب.

[ ص: 224 ] ...........................

[ ص: 225 ] ...........................

[ ص: 226 ] قال ابن بطال: والصحيح أنه اعتمر ثلاثا، والرابعة إنما يجوز نسبتها إليه; لأنه أمر الناس بها وعملت بحضرته، لا أنه اعتمرها بنفسه، ويدل على صحة ذلك أن عائشة ردت على ابن عمر قوله، وقالت: (ما اعتمر في رجب قط) وأما أنس فإنه لم يضبط المسألة ضبطا جيدا، وقد أنكر ذلك عليه ابن عمر حين ذكر له أن أنسا حدث أنه - عليه السلام - أهل بعمرة وحجة، فقال ابن عمر : أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهللنا به، ذكره البخاري في المغازي، ففي رد ابن عمر على أنس: أنه - عليه السلام - اعتمر مع حجته رد من ابن عمر على نفسه أيضا، وقد جاء عن أنس نفسه خلاف فتواه، وهو حديث مروان الأصفر عنه: أنه - عليه السلام - قال لعلي: "لولا أن معي الهدي لأحللت" ذكره في (باب من أهل في زمنه كإهلاله) فامتناعه من الإهلال من أجل الهدي يدل أنه كان مفردا للحج; لأنه اعتذر عن الفسخ فيه بالهدي، ولو كان قارنا ما جاز أن يعتذر; لاستحالة الفسخ على القارن، فكيف يجوز أن ينسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه اعتمر مع حجته؟ إلا على معنى أنه أمر بذلك من لم يكن معه هدي، هذا ما لا ريب فيه ولا شك. وقال أبو عبد الملك: إنه وهم من ابن عمر ; لاجتماع المسلمين على أنه اعتمر ثلاثا، وقاله معه أنس. فأما أنس فجعله قارنا أو متمتعا.

[ ص: 227 ] واستنانها: قيل: سواكها، والأولى استعمالها الماء. قال ابن فارس: سننت الماء على وجهي: أرسلته إرسالا، إلا أن يكون استن لم تستعمله العرب إلا في السواك.

وقولها: (أربع عمرات لك) قرأته بفتح الميم وضمها، وإسكانها مثل: غرفة وحجرة، وعد عمرة الحديبية، ومقتضاه: أنها تامة، لكنه صد ولا قضاء عليه خلافا لأبي حنيفة، والحديبية تخفف ياؤها وتشدد، وكانت في ذي القعدة سنة ست، وعمرة القضية سنة سبع، سميت بذلك; لأنه قاضى أهل مكة أن يعتمر في العام المقبل، ويقال لها عمرة القضاء، ولا يتوهم أنه القضاء الشرعي، وعمرة الجعرانة سنة ثمان بعد فراغه من حنين، والطائف، وانصرف منها في آخر ذي القعدة.

وإنما بين أنس أنهن في ذي القعدة تنبيها على الاعتمار في أشهر الحج، وإن أنكره مشركون، ويجوز أن يكون أحرم في شوال وأتمها في ذي القعدة، فنظر أحدهما لوقت الإحرام، والآخر لوقت الإحلال، قاله الداودي، وقيل: إن عمرتين كانتا في شوال، وعمرة في ذي القعدة قال: وقول من قال: اعتمر قبل أن يحج ليس بحجة; لأن الحج لم يفرض عليه حتى حج الوداع، ولم يكن المسلمون يتقدمونه بأداء فرضه.

[ ص: 228 ] قلت: الحج فرض سنة ست على المشهور فلا إشكال، وقول أنس: (اعتمر حيث ردوه، ومن القابل عمرة الحديبية، وعمرة في ذي القعدة) أراه وهما; لأن الصواب أن الذي رد فيها عمرة الحديبية عام ستة، واعتمر من قابل ولم يرد كذا في كتاب ابن التين ولا وهم فيه; لأن قوله: (عمرة الحديبية) لبيان التي ردوه فيها.

وقوله: (وعمرة في ذي القعدة) بيان للقابلة، وفي "مسند يعقوب بن شيبة" قال نافع: ولم يعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة، ولو اعتمر لم يخف ذلك على ابن عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية