التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1760 1859 - حدثنا عمرو بن زرارة ، أخبرنا القاسم بن مالك ، عن الجعيد بن عبد الرحمن قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول للسائب بن يزيد ، وكان قد حج به في ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم -. [6712، 7330 - فتح: 4 \ 71]
ذكر فيه حديث ابن عباس يقول: بعثني -أو قدمني- النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثقل من جمع بليل.

وحديثه أيضا: أقبلت وقد ناهزت الحلم، أسير على أتان لي، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي بمنى، حتى سرت بين يدي بعض الصف الأول، ثم نزلت عنها فرتعت.. الحديث. وقال يونس، عن ابن شهاب : بمنى في حجة الوداع.

[ ص: 473 ] وحديث السائب بن يزيد قال: حج بي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن سبع سنين.

وفي لفظ: حج به في ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الشرح: الحديث الأول سلف في الباب، والثاني في الصلاة، والثالث من أفراده.

والثقل بفتح الثاء والقاف، قال ابن فارس: ارتحل القوم بثقلهم. وضبطه بما ذكرناه، وفي الأصل فيه بإسكان القاف أي: بأمتعتهم، وقال غيره: الثقل في القول، وفي الحديث: يجد للوحي ثقلا.

و(ناهزت): قاربت، وكان عمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة وأشهر، ومات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربع عشرة بخلاف، وهذه الأحاديث دالة على أن الصبي حجه حج; خلافا لأبي حنيفة، ويعضد هذا حديث ابن عباس في مسلم وهو من أفراده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي ركبا بالروحاء فرفعت امرأة إليه صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر" وكالصلاة.

وقد اتفق أئمة الفتوى على أنه لا وجوب عليه حتى يبلغ إلا أنه إذا حج به كان له تطوعا عند مالك والشافعي وجماعة من العلماء، وعلى هذا المعنى حمل العلماء أحاديث الباب.

وقال أبو حنيفة: لا يصح إحرامه -كما سلف- ولا يلزمه شيء [ ص: 474 ] عليه بارتكاب محظوره، وإنما يفعل به ذلك ويجنب محظوراته على وجه التعليم له، والتمرين عليه، كما قالوا في الصلاة أنها لا تكون صلاة أصلا، وشذ من لا يعد خلافه فقال: إذا حج الصبي قبل بلوغه أجزأه ذلك عن حجة الإسلام; واحتج بحديث ابن عباس الذي ذكرناه، والحجة عليه في نفيه عنه حج التطوع هذا الحديث، وأضاف الحج الشرعي إليه، فوجب أن تتعلق به أحكامه، وأكد هذا بقوله "ولك أجر" فأخبر أنها تستحق الثواب على إحجاجه، وهذا مذهب ابن عباس وابن عمر وعائشة، وقد روي عن ابن عباس أنه قال لرجل حج بابن صبي له أصاب حماما في الحرم: اذبح عن ابنك شاة. وقام الإجماع على أن جنايات الصبيان لازمة لهم في أموالهم، وأولوا الحديث أنه - عليه السلام - أوجب للصبي حجا.

قال الطحاوي: وهذا مما قد أجمع الناس عليه، ولم يختلفوا أن للصبي حجا كما أن له صلاة، وليست تلك الصلاة بفريضة عليه، فكذلك يجوز أن يكون له حج ولا يكون فريضة عليه، قال: وإنما الحديث حجة على من زعم أنه لا حج للصبي، وأما من يقول أنه له حجا، وأنه غير فريضة فلم يخالف الحديث، وإنما خالف تأويل مخالفه خاصة.

وقال الطبري: جعل له - عليه السلام - حجا مضافا إليه كما يضاف إليه القيام والقعود والأكل، وإن لم يكن ذلك من فعله على الوجه الذي يفعله أهل التمييز باختيار.

[ ص: 475 ] قال الطحاوي: وهذا ابن عباس وهو راوي الحديث قد صرف حج الصبي إلى غير الفريضة، ثم روي عن ابن خزيمة بإسناده إلى (أبي الصقر) قال: سمعت ابن عباس يقول: يا أيها الناس، أسمعوني ما تقولون، ولا تخرجوا فتقولوا: قال ابن عباس : أيما غلام حج به أهله، فمات فقد قضى حجة الإسلام فإن أدرك فعليه الحج، وأيما عبد حج به أهله فمات فقد قضى حجة الإسلام، فإن عتق فعليه الحج.

وقد أجمعوا أن صبيا لو دخل وقت صلاة فصلاها ثم بلغ في وقتها أن عليه أن يعيدها، فكذلك الحج.

قلت: لا; فالأصح فيها لا إعادة. وذكر الطبري: أن هذا تأويل سلف الأمة. وروي أن الصديق حج بابن الزبير في خرقة، وقال عمر: أحجوا هذه الذرية، وكان ابن عمر يجرد صبيانه عند الإحرام، ويقف بهم المواقف، وكانت عائشة تفعل ذلك، وفعله عروة بن الزبير .

[ ص: 476 ] وقال عطاء: يجرد الصغير ويلبى عنه، ويجنب ما يجنب الكبير، ويقضى عنه كل شيء إلا الصلاة، فإن عقل الصلاة صلاها، فإذا بلغ وجب عليه الحج.

واختلفوا في الصبي والعبد يحرمان بالحج، ثم يحتلم الصبي ويعتق العبد قبل الوقوف بعرفة، فقال مالك: لا سبيل إلى رفض الإحرام ويتماديان عليه، ولا يجزئهما عن حجة الإسلام. وقال الشافعي: إذا نويا بإحرامهما المتقدم حجة الإسلام أجزأهما. وعند مالك أنهما لو استأنفا الإحرام قبل الوقوف بعرفة أنه لا يجزئهما من حجة الإسلام، وهو قول أبي حنيفة; لأنه يصح عنده رفض الإحرام، وحجة مالك: أن الرب جل جلاله أمر كل من دخل في حج أو عمرة بإتمامه تطوعا كان أو فرضا بقوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله [البقرة: 196] ومن رفض إحرامه لم يتم حجا ولا عمرة، وحجة الشافعي في إسقاط تجديد النية أنه جائز عنده لكل من نوى بإهلاله أن يصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة; لأنه - عليه السلام - أمر أصحابه المهلين بالحج أن يفسخوه في عمرة، فدل أن النية في الإحرام ليست كالنية في الصلاة.

وحجة أبي حنيفة: أن الحج الذي كان فيه لما لم يكن يجزئ عنده، ولم يكن الفرض لازما له في حين إحرامه، ثم لما لزمه حتى بلغ استحال أن يشتغل عن فرض قد تعين عليه بنافلة ويعطل فرضه، كمن دخل في نافلة فأقيمت عليه مكتوبة ويخشى فوتها قطعها ودخل في المكتوبة [ ص: 477 ] وأحرم لها، فكذلك الحج يلزمه أن يجدد له الإحرام; لأنه لم يكن فرضا.

تنبيه:

نقل ابن التين عن الشافعي أن الزائد عن نفقة الحضر في مال الصبي، وهو قول له، قال: وكذا ما لزمه من جزاء، والأشهر عندهم أنه لا يركع عنه.

قال ابن القاسم: ولا يرمل به في الطواف، وخالفه أصبغ، ولو حمله رجل ونوى الطواف عنهما أجزأه عند ابن القاسم ويعيد الرجل استحبابا، وقال أصبغ: وجوبا، وعن مالك: لا يجزئ عن واحد منهما، والسعي كذلك، وفي الحج بالرضيع قولان عندهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية