التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
158 160 - وعن إبراهيم قال: قال صالح بن كيسان: قال ابن شهاب: ولكن عروة يحدث عن حمران، فلما توضأ عثمان قال: ألا أحدثكم حديثا لولا آية ما حدثتكموه، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يتوضأ رجل يحسن وضوءه، ويصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة حتى يصليها". قال عروة: الآية: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات [البقرة: 159] [انظر: 159 - مسلم: 227 - فتح: 1 \ 261]


حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، حدثني إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، أن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران - مولى عثمان- أخبره أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء، فأفرغ على كفيه ثلاث مرار فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه".

[ ص: 176 ] الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث رواه مسلم أيضا وأبو داود والنسائي في "سننهما"، وكرره البخاري بعد، وفي الصوم.

ثانيها: في التعريف برجاله غير من سلف:

أما راويه عثمان؛ فهو ثالث الخلفاء ذو النورين أبو عمرو عثمان (ع) بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.

أمه: أروى (بنت) عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم.

روي له مائة حديث ونيف، وكثر المال في زمنه حتى أبيعت جارية بوزنها وفرس بمائة ألف، ونخلة بألف درهم.

ذبح صبرا في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين عن نيف وثمانين سنة، وليس في الصحابة من اسمه عثمان بن عفان غيره، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة.

وفي الترمذي: "لكل نبي رفيق ورفيقي في الجنة عثمان". وبويع له بالخلافة بعد ثلاثة أيام من دفن عمر غرة المحرم سنة أربع وعشرين.

[ ص: 177 ] وأما حمران فهو ابن أبان. وقيل: ابن أبا. وقيل: أبي، مدني، قرشي مولاهم، كان من سبي عين التمر، وكان كاتب عثمان وحاجبه، وولي نيسابور زمن الحجاج، ذكره البخاري في "ضعفائه" واحتج به في "صحيحه". وكذا مسلم والباقون، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث لم أرهم يحتجون بحديثه. مات سنة خمس وسبعين. أغرمه الحجاج مائة ألف; لأجل الولاية السالفة ثم رد عليه ذلك بشفاعة عبد الملك.

وأما عطاء بن يزيد فهو ليثي تابعي سلف.

وكذا ابن شهاب: تابعي، فهؤلاء ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض.

الثالث: في ألفاظه:

معنى (أفرغ): قلب وصب ; لأجل الغسل.

و(الاستنثار): طلب دفع الماء; للخروج من الأنف، مأخوذ من النثرة وهي: طرف الأنف. وقال الخطابي: هي الأنف.

ومنهم من جعله جذب الماء إلى الأنف وهو الاستنشاق، والصواب [ ص: 178 ] الأول، ويدل (له) حديث عثمان الآتي: ثم تمضمض واستنشق واستنثر; فجمع بينهما وذلك يقتضي التغاير، ومنهم من قال: سمي جذب الماء استنشاقا بأول الفعل، واستنثارا بآخره.

فرع:

يكون الاستنثار باليسرى.

و(المرفق): بفتح الميم وكسر الفاء وعكسه، لغتان، والمراد به: موصل الذراع في العضد.

الرابع: في أحكامه:

وهي نيف وعشرون:

أولها: جواز الاستعانة في إحضار الماء، وهو إجماع من غير كراهة.

ثانيها: الإفراغ على اليدين معا، وجاء في رواية أخرى: أفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما. وهو قدر مشترك بين غسلهما معا مجموعتين أو متفرقتين، والفقهاء اختلفوا في أيهما أفضل.

فرع: لم يذكر في هذا الحديث التسمية، وقد سلف ما فيها في بابها.

ثالثها: التثليث في غسل الكفين، وهو إجماع.

رابعها: استحباب غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء في ابتداء الوضوء.

[ ص: 179 ] خامسها: جواز إدخال اليدين الإناء بعد غسلهما، وأنه لا يفتقر إلى نية الاغتراف.

سادسها: الترتيب بين غسل اليدين والمضمضة; لأجل الفاء المقتضية للتعقيب، والأصح عند أصحابنا أن ذلك على وجه الاشتراط، وكذا الترتيب بين المضمضة والاستنشاق أيضا، وعبر الماوردي عن الخلاف بأن في وجوب الترتيب في المسنونات وجهين.

سابعها: المضمضة أصلها مشعر بالتحريك، ومنه مضمض النعاس في عينه: إذا تحرك، واستعمل في المضمضة; لتحريك الماء في الفم، والأصح عند أصحابنا أنه لا يشترط الإدارة ولا المج، ومن اشترط المج جرى على الأغلب، فإن العادة عدم ابتلاعه.

ثامنها: لم يذكر في هذه الرواية الاستنشاق وذكرها بعد ذلك كما أسلفناه، وسيأتي.

وجمهور العلماء على أن المضمضة والاستنشاق سنة في الوضوء.

تاسعها: غسل الوجه، وأصله من المواجهة، وحده (ما بين) منابت رأسه غالبا ومنتهى لحييه وما بين أذنيه، وتفصيل القول في ذلك محله كتب الفروع، وقد (بسطناه) فيها.

العاشر: تثليث غسل الوجه، والإجماع قائم على سنيته.

الحادي عشر: (ثم) هنا للترتيب بين المسنون والمفروض، وهما [ ص: 180 ] المضمضة وغسل الوجه، وبعضهم رأى الترتيب في المفروض دون المسنون كما سلف، وهو مذهب مالك.

واختلف أصحاب مالك في الترتيب في الوضوء على ثلاثة أقوال: الوجوب، والندب - وهو المشهور عندهم- والاستحباب.

ومذهب الشافعية وجوبه، وخالف المزني فقال: لا يجب، واختاره ابن المنذر والبندنيجي، وحكاه البغوي عن أكثر العلماء، وحكاه الدزماري قولا عن القديم وعزاه إلى صاحب "التقريب". قال إمام الحرمين: لم ينقل أحد قط أنه - صلى الله عليه وسلم - نكس وضوءه فاطرد الكتاب والسنة على وجوب الترتيب.

[ ص: 181 ] الثاني عشر: قد أسلفنا أن المراد بالمرفق هنا موصل الذراع في العضد، لكن اختلف قول الشافعي هل هو اسم لإبرة الذراع أو لمجموع عظم رأس العضد مع الإبرة؟ على قولين، وبنى على ذلك أنه لو سل الذراع من العضد، هل يجب غسل رأس العضد أم مستحب؟ وفيه قولان: أشهرهما وجوبه.

الثالث عشر: اختلف العلماء في وجوب إدخال المرفقين في الغسل على قولين؛ فذهبت الأئمة الأربعة كما عزاه ابن هبيرة إليهم، والجمهور إلى الوجوب، وذهب زفر وأبو بكر بن داود إلى عدم الوجوب، ورواه أشهب، عن مالك، وزيفه القاضي عبد الوهاب.

ومنشأ الخلاف أن كلمة (إلى) لانتهاء الغاية، وقد ترد بمعنى: (مع)، والأول هو المشهور، فمن قال به لم يوجب إدخالهما في الغسل، ومن قال بالثاني أوجب، لكن يلزم من قال بالأول الوجوب، لا من هذه الحيثية بل من حيث أن السنة بينته.

وفرق بعضهم بين أن تكون الغاية من جنس ما قبلها أو لا، فإن كانت من الجنس دخلت كما في الوضوء وإن كان من غيره لم يدخل كما في آية الصوم.

ومنهم من قال: إن كانت الغاية لإخراج ما دخل فيها لم يخرج، فإن اسم اليد يطلق عليها إلى المنكب; حتى قال أصحابنا: لو طالت أظافيره ولم يغسلها وجب غسلها قطعا; لاتصالها باليد ودخولها فيه، وكذلك لو نبت في محل الفرض يد أخرى أو سلعة وجب غسلها.

[ ص: 182 ] فلو لم ترد هذه الغاية لوجب غسل إلى المنكب، فلما دخلت أخرجت عن الغسل ما زاد على المرفقين، وانتهى الإخراج إلى المرفقين فدخلا في الغسل.

الرابع عشر: تثليث غسل اليدين، والإجماع قائم على أنه سنة.

الخامس عشر: ظاهر الحديث استيعاب الرأس بالمسح; لأن اسم الرأس حقيقة في العضو، لكن الاستيعاب هل هو على سبيل الوجوب أو الندب؟ فيه قولان للعلماء، ومذهب الشافعي أن الواجب ما يقع عليه الاسم ولو بعض شعره.

ومشهور مذهب مالك وأحمد: أن الواجب مسح الجميع. ومشهور مذهب أبي حنيفة أن الواجب ربع الرأس. وقد أوضحت مدرك الخلاف في "شرحي للعمدة" فراجعه منه.

فرع: لم يذكر في الحديث هنا تثليث المسح، وقد ذكرت فيه حديثا في أول الوضوء، والمسألة خلافية أيضا، والمشهور عن الشافعي أنها كغيرها في الاستحباب خلافا للأئمة الثلاثة.

السادس عشر: فيه التصريح بغسل الرجلين، وفيه رد على من أوجب المسح.

السابع عشر: استحباب التثليث في غسل الرجلين، وبعضهم لا يراه، وعلقه بالإنقاء، والنص يرده.

الثامن عشر: إنما قال - صلى الله عليه وسلم -: "نحو وضوئي". ولم يقل: مثله; لأن حقيقة مماثلته - صلى الله عليه وسلم - لا يقدر عليها غيره، كذا قاله النووي في [ ص: 183 ] "شرح مسلم".

لكن صح لفظة "مثل" أيضا، أخرجه البخاري في كتاب الرقاق من "صحيحه" كما سيأتي.

التاسع عشر: فيه استحباب ركعتين بعد الوضوء، ويفعل في كل وقت حتى وقت النهي عند الشافعية، خلافا للمالكية؛ قالوا: وليست هذه من السنن.

قالوا: وحديث بلال في البخاري: أنه كان متى توضأ صلى.

وقال: إنه أرجى عمل له يجوز أن يخص بغير وقت النهي.

فرع: هل تحصل هذه الفضيلة بركعة؟

الظاهر المنع، وفي جريان الخلاف فيه في التحية ونظائره نظر.

العشرون: الثواب الموعود به مرتب على أمرين:

الأول: وضوؤه على النحو المذكور.

والثاني: صلاته ركعتين عقبه، بالوصف المذكور في الحديث، والمرتب على مجموع أمرين لا يلزم ترتبه على أحدهما إلا بدليل خارج، وقد يكون للشيء فضيلة بوجود أحد جزئيه، فيصح كلام من أدخل هذا الحديث في فضل الوضوء فقط; لحصول مطلق الثواب لا الثواب المخصوص على مجموع الوضوء على النحو المذكور، والصلاة الموصوفة بالوصف المذكور.

[ ص: 184 ] الحادي بعد العشرين: إثبات حديث النفس، وهو مذهب أهل الحق، ثم حديث النفس قسمان: ما يهجم عليها ويتعذر دفعه عنها، وما يسترسل معها ويمكن قطعه، فيحمل الحديث عليه دون الأول; لعسر اعتباره. ولفظ الحديث بقوله: "لا يحدث" فإنه يشهد له بتكسب وتفعل لحديث النفس; لأن الخواطر ليست من جنس مقدور العبد معفو عنها; فمن حصل له ذلك العمل حصل له ذلك الثواب، ومن لا فلا، ولا يكون ذلك من باب التكاليف حتى يلزم دفع العسر عنه.

نعم، لا بد أن تكون الحالة المرتب عليها الثواب المخصوص ممكنة الحصول، وهي التجرد عن شواغل الدنيا، وغلبة ذكر الله تعالى على القلب وتعميره به، وذلك حاصل لأهل العناية ومحكي عنهم. ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن ما يكون من غير قصد يرجى أن تقبل معه الصلاة، ويكون ذلك صلاة من لم يحدث نفسه بشيء; لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما ضمن الغفران لمراعي ذلك; لأنه قل من تسلم صلاته من حديث النفس.

وإنما حصلت له هذه المرتبة; لمجاهدته نفسه من خطرات الشيطان ونفيها عنه ومحافظته عليها حتى لم يشتغل عنها طرفة عين، وسلم من الشيطان باجتهاد وتفريغه قلبه.

ولم يرتض النووي في "شرح مسلم" هذا، بل قال: الصواب حصول هذه الفضيلة مع طرآن الخواطر العارضة غير المستقرة.

[ ص: 185 ] الثاني بعد العشرين: حديث النفس يعم الخواطر الدنيوية والأخروية، والحديث محمول على المتعلق بالدنيا فقط، فقد جاء في رواية خارج "الصحيح": "لا يحدث فيها نفسه بشيء من الدنيا، ثم دعا إلا استجيب له" ذكرها الحكيم الترمذي في كتاب "الصلاة" تأليفه.

الثالث بعد العشرين: المراد بالغفران: الصغائر دون الكبائر، فإن الكبائر تكفر بالتوبة وفضل الكريم واسع وعطاؤه غير نافد.

[ ص: 186 ] قال البخاري رحمه الله:

وعن إبراهيم قال: قال صالح بن كيسان: قال ابن شهاب: ولكن عروة يحدث عن حمران. فلما توضأ عثمان قال: ألا أحدثكم حديثا لولا آية ما حدثتكموه. سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يتوضأ رجل يحسن وضوءه، ويصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة حتى يصليها". قال عروة: الآية: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات [البقرة: 159].

الكلام على ذلك من أوجه

أحدها:

هذا الحديث علقه البخاري كما ترى، وأسنده مسلم عن زهير،

[ ص: 187 ] ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي عن صالح به. قال أبو نعيم الحافظ: لم يذكر البخاري شيخه فيه، ولا أدري هو معقب لحديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري نفسه أو أخرجه عن إبراهيم بلا سماع.

ثانيها:

إبراهيم هذا هو ابن سعد السالف، وباقي رواته سلف التعريف بهم خلا عروة، وهو أبو عبد الله عروة (ع) بن الزبير القرشي الأسدي المدني روى عن أبويه، وخالته، وعلي، وخلائق. وعنه أولاده: عبد الله، وعثمان، وهشام، ويحيى، ومحمد، والزهري وخلق.

قال ابن سعد: كان فقيها عالما كثير الحديث ثبتا مأمونا. قال هشام: صام أبي الدهر، ومات وهو صائم. مات قبيل المائة أو إحدى ومائة. قال يحيى بن معين: استصغر يوم الجمل.

ثالثها:

من صالح إلى عثمان كلهم تابعيون مدنيون، وهو من طرف الإسناد، وفيه طرفه أخرى وهي رواية الأكابر عن الأصاغر؛ فإن صالحا أكبر سنا من الزهري كما سلف.

رابعها: في ألفاظه:

قوله: (آية) هو بالياء ومد الألف. أي: لولا أن الله تعالى أوجب على من علم علما إبلاغه، لما كنت حريصا على تحديثكم. ووقع [ ص: 188 ] للباجي: (بالنون) يعني: لولا أن معنى ما أحدثكم به في كتاب الله ما حدثتكم; لئلا تتكلوا.

ويعضده ما في "الموطأ" قال مالك: أراه يريد هذه الآية: وأقم الصلاة طرفي النهار الآية [هود: 114].

ومعنى إحسان الوضوء: الإتيان به تاما بصفته وآدابه.

ومعنى "يصليها": حتى يفرغ منها.

خامسها: في فوائده:

الأولى:

وجوب تبليغ العالم ما عنده من العلم وبثه للناس; لأن الله تعالى توعد من كتمه باللعن من الله وعباده، وأخذ الميثاق على العلماء لتبيننه للناس ولا تكتمونه [آل عمران: 187]، وهذه الآية وإن كانت نزلت في أهل الكتاب فقد دخل فيها كل من علم علما تعبد الله العباد بمعرفته ولزمه من بثه وتبليغه ما لزم أهل الكتاب من ذلك; لأن فيها تنبيها وتحذيرا لمن فعل فعلهم وسلك سبيلهم مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن من كتم علما ألجم يوم القيامة بلجام من نار.

[ ص: 189 ] الثانية: ظاهر الحديث أن المغفرة المذكورة لا تحصل إلا بالوضوء وإحسانه والصلاة، وفي "الصحيح" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إذا توضأ العبد المسلم خرجت خطاياه". ففيه أن الخطايا تخرج مع آخر الوضوء حتى يخرج من الوضوء نقيا من الذنوب، وليس فيه ذكر الصلاة، فيحتمل أن يحمل حديث أبي هريرة عليها، لكن يبعده أن في رواية لمسلم في حديث عثمان: "وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة".

ويحتمل أن يكون ذلك باختلاف الأشخاص، فشخص يحصل له ذلك عند الوضوء وآخر عند تمام الصلاة.

الثالثة: قد سلف أن المراد بهذا وأمثاله غفران الصغائر، وجاء في بعض الروايات: "وذلك الدهر كله"؛ أي: ذلك مستمر في جميع الأوقات. وجاء في "صحيح مسلم": "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة".

وفي الحديث الآخر: " (الصلوات) الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".

[ ص: 190 ] لا يقال: إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة؟ وإذا كفرت الصلاة ماذا تكفر الجمعات ورمضان؟ وكذا صيام عرفة يكفر سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه; لأن المراد أن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفره، وإن لم يصادف صغيرة كتبت له حسنات ورفعت له درجات، وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجا أن يخفف منها.

الرابعة: قال (الداودي) في "شرحه": المشهور في الرواية: "غفر له ما تقدم من ذنبه" يريد - والله أعلم- التي بينه وبين الله تعالى. قال: وإن لم تكن رواية عروة محفوظة فيحتمل أن يكون غفران ما بينه وبين الصلاة كما يصليها.

قلت: هي محفوظة من غير شك كما سلف.

الخامسة: الحث على (الاعتناء) بتعلم آداب الوضوء وشروطه، والعلم بذلك والاحتياط فيه، والحرص على أن يتوضأ على وجه يصح عند جميع العلماء ولا يترخص بالاختلاف فيعتني بالتسمية والنية والمضمضة والاستنشاق والاستنثار واستيعاب مسح الرأس والأذنين، ودلك الأعضاء، والتتابع في الوضوء، وغير ذلك من المختلف فيه، وتحصيل ماء طهور بالإجماع.

التالي السابق


الخدمات العلمية