التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1801 1900 - حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم، أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له". وقال غيره، عن الليث : حدثني عقيل ويونس : لهلال رمضان. [1906، 1907، 1908، 1913، 5302 - مسلم: 1080 - فتح: 4 \ 113]


ذكر فيه حديث أبي سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ".

وحديث الزهري : حدثني ابن أبي أنس -مولى التيميين- أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين ".

[ ص: 50 ] وحديث ابن عمر : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له ". وقال غيره، عن الليث : حدثني عقيل ويونس : لهلال رمضان.

الشرح:

تعليق "من صام رمضان"، و"لا تقدموا رمضان" سيأتيان مسندين قريبا .

وحديث أبي هريرة الأول والثاني أخرجهما مسلم ، ولمسلم : " فتحت أبواب الرحمة " ، وأبو سهيل في الأول هو نافع بن مالك بن أبي عامر، وهو ابن أبي أنس في الثاني.

قال ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي المدينة: أخبرني عم جدي الربيع بن مالك بن أبي عامر -وهو عم مالك بن أنس المفتي - عن أبيه، فذكر حديثا أنه عاقد عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي، فعدادهم اليوم في بني تيم لهذا السبب . وقيل: حلف لبني عثمان أخي طلحة .

وحديث ابن عمر : أخرجه مسلم أيضا من طرق .

وقول البخاري : ( وقال غيره ): (يعني: غير يحيى بن بكير، والضمير في غيره) لعله يريد به كاتب الليث . وقد رواه الإسماعيلي عن إبراهيم بن هانئ، ثنا الزيادي، ثنا ابن بكير وأبو صالح، أن الليث

[ ص: 51 ] حدثهما، ثنا عقيل .. الحديث.

ثم قال: قال ابن ناجية في حديث البخاري، ثم ذكر مثل حديث يونس، وزاد فيه: وكان أبو هريرة يقول فيه: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، مثله.

وقال: " فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين " .

وللشافعي : حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " .

قال أبو عمر : كذا قال، والمحفوظ من حديث ابن عمر : "فاقدروا له" وقد ذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهلال رمضان: " إذا رأيتموه فصوموا، ثم إذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما ".

قال: وحدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع : عنه: " إن الله تعالى جعل الأهلة مواقيت للناس، فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين " .

قال أبو عمر : كذا في حديث ابن عمر، وروى ابن عباس وأبو هريرة وحذيفة وأبو بكرة وطلق الحنفي وغيرهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " بمعنى واحد .

[ ص: 52 ] قلت: حديث ابن عباس أخرجه أبو داود ، وأصله في مسلم ، وحديث أبي بكرة وطلق أخرجهما البيهقي، وأخرجه أيضا من حديث جابر من حديث أبي الزبير عنه، وعائشة .

قال الدارقطني : إسناده صحيح . وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ، وعمر ورافع بن خديج، وحديث حذيفة خرجه ابن خزيمة في "صحيحه" ، وهو عند النسائي مرسل .

قال: ولم يقل في الحديث: عن حذيفة . غير حجاج بن أرطاة، وهو ضعيف.

إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:

أحدها:

اعترض بعضهم فقال: حديث ابن عمر غير مطابق للباب، وكان البخاري أشار إلى ما جاء في بعض طرقه الصحيحة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان، فقال: " لا تصوموا حتى تروا الهلال " .. الحديث .

[ ص: 53 ] ثانيها:

فيما ذكره دلالة واضحة أنه لا يكره أن يقال جاء رمضان، ولا صمنا رمضان، وهو ما اختاره هو والمحققون، وكان عطاء ومجاهد يكرهان أن يقال: رمضان، وإنما يقال كما قال تعالى: شهر رمضان [البقرة: 185] لأنا لا ندري لعل رمضان اسم من أسماء الله تعالى ، وحكاه البيهقي عن الحسن أيضا قال: والطريق إليه وإلى مجاهد ضعيفة ، وهو قول أصحاب مالك، قال النحاس : وهذا قول ضعيف; لأنه - صلى الله عليه وسلم - نطق به، فذكر ما ذكره البخاري ثم قال: والأحاديث كثيرة في ذلك.

وفي "المصنف" من حديث الفضل الرقاشي عن عمه عن أنس مرفوعا: " هذا رمضان قد جاء تفتح فيه أبواب الجنان " الحديث ولأبي داود بإسناد جيد من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يقولن أحدكم: إني قمت رمضان كله، أو صمته كله " قال: فلا أدري أكره التزكية، أو قال: لا بد من نومة أو رقدة .

[ ص: 54 ] وفي "كامل ابن عدي " مضعفا من حديث أبي هريرة مرفوعا: " لا تقولوا رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله جل وعز، ولكن قولوا: شهر رمضان " ، وقال أبو حاتم: إنه خطأ، وإنما هو قول

أبي هريرة .

وفي المسألة قول ثالث، وهو قول أكثر أصحابنا: إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر، فلا كراهة له، وإلا فيكره. قالوا: فيقال قمنا رمضان،

[ ص: 55 ] ورمضان أفضل الأشهر، وإنما يكره أن يقال: قد جاء رمضان، ودخل رمضان، وحضر، ونحو ذلك.

قلت: قد روى البخاري -كما سلف- "إذا دخل رمضان" و"إذا جاء رمضان"، وأما ما روي عن ابن عباس أن يهوديا سأل: لم سمي رمضان؟ فقال: لأن الذنوب ترمض فيه إرماضا، أي: يحرقها ويذهبها، فواه، فيه جماعة متهمون.

وفي بعض كتب الترغيب والترهيب من حديث عائشة : " أرمض الله فيه ذنوب المؤمنين، وغفرها لهم " وعن أنس نحوه .

وقوله: (" أو شهر رمضان ") يجوز فيه فتح الهاء. حكاه ابن دحية، والمشهور الإسكان، قال ابن سيده : الشهر: القمر، سمي بذلك لشهرته (يعني في الثبوت) وظهوره، وسمي الشهر بذلك; لأنه يشهر بالقمر .

ثالثها:

قال ثعلب : رمضان شهر حر ترمض فيه الإبل، فلا يقدرون على المسير. قال ابن سيده : جمعه رمضانات ورماضين ، وذكر غير ذلك.

وقال المطرز : كره مجاهد أن يجمع رمضان، ويقول: بلغني أنه اسم من أسماء الله تعالى .

[ ص: 56 ] وفي "الجامع" هو مشتق من اسم الزمان، وذلك أنهم لما نقلوا أسماء المشهور عن اللغة سموها بالأزمنة التي فيها فوافق أيام رمضان أيام رمض الحر.

وفي "الغريبين": هو مأخوذ من رمض الصائم، يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش، وفي "المغيث" لأبي موسى : اشتقاقه من رمضت النصل أرمضه رمضا: إذا جعلته بين حجرين ودققته ليرق، سمي به

لأنه شهر مشقة، ليذكر صائموه ما يقاسي أهل النار فيها، وقيل: من رمضت في المكان بمعنى احتبست; لأن الصائم يحتبس عما نهي عنه. وفعلان لا يكاد يوجد في باب فعل، وهو من باب فعل بالفتح كثير، فعلى هذا هو بهذا أشبه من قولهم: رمضت الفصال . وقال ابن خالويه : ليس في كلام العرب رمضان إلا شيئان، اسم هذا الشهر. وعن العرب أنها تقول: جاء فلان يعدو رمضا، ورمضا، وترميضا، ورمضانا إذا كان قلقا فزعا.

رابعها:

قوله: (" فتحت أبواب الجنة ") روي بتشديد التاء وتخفيفها، وهو محمول على الحقيقة فيه، وفي غيره، وأبواب السماء هنا المراد بها: أبواب الجنة كما جاء في الرواية الأولى، ويؤيده قوله في آخره: "وغلقت أبواب جهنم"

وقد أسلفنا أنه حقيقة، فيسلسلون، ويقل أذاهم ووسوستهم، ولا يكون ذلك منهم كما هو في غير رمضان، ويدل عليه ما يذكر من تغليل الشياطين ومردتهم، بدخول أهل المعاصي كلها في الطاعة،

[ ص: 57 ] والبعد عما كانوا عليه من الشهوات، وذلك دليل بين.

وفيه تأويل آخر أنه على المجاز، ويكون فتح أبواب الجنة المراد

بها: ما فتح الله على العباد فيه من الأعمال المستوجبة بها الجنة من الصيام والصلاة والتلاوة، وأن الطريق إلى الجنة في رمضان سهل، والأعمال فيه أسرع إلى القبول، وكذلك أبواب النار تغلق بما قطع عنهم من المعاصي وترك الأعمال المستوجبة بها النار، ولقلة ما يؤاخذ الله العباد بأعمالهم السيئة، ليستنقذ منها ببركة الشهر قوما، ويهب المسيء للمحسن، ويتجاوز عن السيئات، فهذا معنى الغلق، وكذلك "سلسلت الشياطين" يعني: الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب عن المعاصي والميل إلى وسوسة الشيطان وغرورهم. وجاء في رواية أخرى: "وصفدت الشياطين" والتصفيد: جعل الغل في العنق، ويكون ذلك علامة لدخول الشهر وتعظيم حرمته.

وقال القرطبي : معناه أن الجنة تفتح وتزخرف لمن مات في رمضان لفضيلة هذه العبادة الواقعة فيه، وتغلق عنهم أبواب النار فلا يدخلها منهم أحد مات فيه، وتصفيد الشياطين لئلا تفسد على الصائمين.

وأما الاعتراض بأنا قد نرى الشر والمعاصي تقع في رمضان كثيرا فجوابه من وجوه:

أحدها: أنها تغل عن الصائمين في الصوم الذي حوفظ على شروطه بخلاف غيره.

ثانيها: أن الشر واقع من غيرهم كالنفس الخبيثة والعادات الركيكة والشياطين الإنسية.

[ ص: 58 ] ثالثها: أنه إخبار عن غالب الشياطين والمردة منهم، وأما من ليس من المردة فقد لا يصفد، والمقصود: تقليل الشر وهو موجود في شهر رمضان .

وقد يقال: الحاصل من تلك الحركة -أعني: حركة المغلول- وإن قلت.

خامسها:

معنى: " فاقدروا له " ضيقوا له وقدروه تحت السحاب، قال تعالى: ومن قدر عليه رزقه [الطلاق: 7] أي: ضيق. وممن قال بهذا أحمد وغيره ممن يجوز صوم ليلة الغيم عن رمضان. وقال آخرون منهم ابن سريج ومطرف بن عبد الله وابن قتيبة والداودي : معناه: قدروه بحسب المنازل. يعني: منازل القمر.

وفي "الفصيح": قدرت الشيء والثوب من التقدير قدرا وقدرا، وأنا أقدره وأقدره جميعا. وقال غيره: قدرته وأقدرته. ورواية: "فأكملوا" هي تفسير لأقدروا، ولهذا لم يجتمعا في رواية.

قال أبو عمر في "استذكاره": وقد كان كبار بعض التابعين يذهب في هذا إلى اعتباره بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب. قال ابن سيرين : وكان أفضل له لو لم يعمل. وحكى ابن سريج عن الشافعي أنه قال: من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر، ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه، جاز له أن يعتقد الصوم وينويه ويجزئه، قال: والذي عندنا في كتبه أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية، أو شهادة عادلة، أو إكمال شعبان ثلاثين يوما، وعلى هذا مذاهب

[ ص: 59 ] جمهور فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمغرب، منهم مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وعامة أهل الحديث إلا أحمد، ومن قال منهم بقوله: ذهابا إلى أن معناه: قدروا له تمام العدة ثلاثين يوما .

وفي "قنية المنية" من كتب الحنفية: لا بأس بالاعتماد على قول

المنجمين. وعن ابن مقاتل أنه كان يسألهم ويعتمد قولهم إذا اتفق عليه جماعة منهم. وقول من قال: إنه يرجع إليهم عند الاشتباه بعيد. وعند الشافعي : لا يجوز تقليد المنجم في حسابه، وهل يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه؟ فيه وجهان .

وقال المازري : حمل جمهور الفقهاء: "فاقدروا له" على أن المراد: كمال العدة ثلاثين كما فسره في حديث آخر، ولا يجوز أن يكون المراد حساب النجوم; لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم; لأنه لا يعرفه إلا الأفراد، والشارع إنما يأمر الناس بما يعرفه جماهيرهم . وأما حديث أبي هريرة مرفوعا: " أحصوا هلال شعبان لرؤية رمضان "

[ ص: 60 ] فليس بمحفوظ كما قال أبو حاتم ، وبعض المالكية من البغاددة ركن إلى أن المراد به: حساب النجوم. وقال به بعض الشافعية كما سلف.

والحق أن الحساب لا يجوز الاعتماد عليه في الصوم، وإنما إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى لولا وجود المانع كالغيم مثلا، فهذا قد يقتضي الوجوب، لوجود السبب الشرعي، وليس حقيقة الرؤية مشترطة في اللزوم، فإن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بإكمال العدد أو بالاجتهاد أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم، وإن لم ير الهلال ولا أخبره

من رآه.

[ ص: 61 ] وفي "الإشراف" لابن المنذر : صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو إجماع من الأمة أنه لا يجب، بل هو منهي عنه، وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم كراهة صوم يوم الشك أنه من رمضان، منهم علي وعمر وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس وأبو وائل وابن المسيب وعكرمة وإبراهيم ، والأوزاعي والثوري والأئمة الأربعة وأبو عبيد وأبو ثور إسحاق . وفي "المحلى" عن ابن عمر والضحاك بن قيس أنهما قالا: لو صمنا السنة كلها لأفطرنا اليوم الذي يشك فيه .

وجاء ما يدل على الجواز عن جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاصي ومعاوية وعائشة وأسماء بنت الصديق ، فإن حال دون منظره غيم وشبهه فكذلك لا يجب صومه عند الكوفيين ومالك والشافعي والأوزاعي، ورواية عن أحمد، فلو صامه وبان (له) أنه من رمضان يحرم عندنا، وبه قال الثوري والأوزاعي . وقال ابن عمر، وأحمد وطائفة قليلة: يجب صومه في الغيم دون الصحو .

[ ص: 62 ] وقال قوم: الناس تبع للإمام إن صام صاموا، وإن أفطر أفطروا، وهو قول الحسن وابن سيرين وسوار العنبري والشعبي في رواية ، ورواية عن أحمد .

قال مطرف وجماعة أسلفناهم: ينبغي أن يصبح يوم الشك مفطرا متلوما غير آكل ولا عازم على الصوم، حتى إذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال نوى وإلا أفطر، فيما ذكره الطحاوي . حجة الجماعة قوله: " فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما " .

وقالت عائشة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عقد ثلاثين يوما ثم صام .

قال الدارقطني : إسناد صحيح . ولأبي داود عن حذيفة بإسناد جيد

[ ص: 63 ] " لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة " .

[ ص: 64 ] وعن ابن عباس : " فإن حال بينكم وبينه غمام فأكملوا شهر شعبان ثلاثين، ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان " .

[ ص: 65 ] ومعنى غم: ستر، ومنه الغم; لأنه يستر القلب، والرجل الأغم: المستور الجبهة بالشعر. وسمي السحاب غيما; لأنه يستر السماء. ويوم الشك: أن يتحدث الناس برؤية الهلال أو يشهد بها من لا تقبل شهادته، فلو صامه على نية التطوع فهو حرام على الأصح، وغير مكروه عند الحنفي، وبه قال مالك .

قال في "شرح الهداية": والأفضل في حق الخواص صومه بنية التطوع بنفسه وخاصته، وهو مروي عن أبي يوسف . وفرض العوام التلوم إلى أن يقرب الزوال -وفي "المحيط": إلى وقت الزوال- فإن ظهر أنه من رمضان نواه وإلا أفطر، وإن صام قبل رمضان ثلاثة أيام، أو شعبان كله، أو وافق يوم الشك يوما كان يصومه فالأفضل صومه بنية الفضل.

[ ص: 66 ] وفي "المبسوط": الصوم أفضل، وتأويل النهي أن ينوي الفرض فيه . وفي "المحيط": إن وافق يوما كان يصومه فالصوم أفضل وإلا فالفطر أفضل، والصوم قبله بيوم أو يومين مكروه، أي صوم كان،

ولا يكره بثلاثة ، وهو قول أحمد .

وأما ما ذكره الخطيب الحافظ عن عبد الله بن جراد : أصبحنا يوم الثلاثين صياما، فكان الشهر قد غم علينا، فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدناه مفطرا، فقلنا: يا نبي الله، صمنا اليوم. قال: "أفطروا إلا أن يكون رجل يصوم هذا اليوم فليتم صومه، لأن أفطر يوما من رمضان يكون منه أحب إلي من أن أصوم يوما من شعبان ليس منه" .

[ ص: 67 ] فقد قال هو: فيه كفاية عما سواه. لكن ضعفه أبو أحمد بن عدي وابن حبان وغيرهما. واستدل أبو حنيفة بما قال مالك عن أهل العلم أنهم لا يرون بصيامه تطوعا بأسا. وعندنا: إذا انتصف شعبان حرم

الصوم ابتداء على الأصح.

وفيه: حديث في السنن من طريق أبي هريرة، صححه الترمذي وابن حزم، واحتج به ، وخولف، ضعفه النسائي وأحمد .

[ ص: 68 ] وحديث عمران بن حصين الثابت في "الصحيح": " أصمت من سرر شعبان شيئا؟ " قال: لا. قال: "فإذا أفطرت فصم يومين معا " .

إذا قلنا: إن سرر الشهر آخره، سمي بذلك لاستسرار القمر فيها

[ ص: 69 ] لا يعارضه، لأن له سببا. وروي عن أبي هريرة مرفوعا: "لا تقدموا رمضان بصيام إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم " .

وقد دل أن الكراهة على تعمد الصيام بحال رمضان. ولأبي داود بإسناد جيد -وإن كان ابن الجوزي أعله- عن معاوية مرفوعا: " صوموا الشهر وسرره، وأنا متقدم بالصيام فمن أحب أن يفعله فليفعله " .

[ ص: 70 ] وعن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان، يصله برمضان . وصححه الترمذي .

وللحاكم وقال: على شرط الشيخين. عن عائشة : وكان أحب الشهور إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه شعبان، ثم يصله برمضان .

[ ص: 71 ] فرع: لو نوى صوم غد من رمضان إن كان منه فكان منه لم يقع عندنا، خلافا للمزني، إلا إذا اعتقد كونه منه بقول من يثق به من عبد أو امرأة أو صبيان رشدا.

وفي "شرح الهداية": لا يصير صائما بقوله: أصوم غدا إن كان من رمضان، دون ما إذا كان من شعبان لتردده، فلو قال: إن كان من رمضان فعنه، وإن كان من شعبان فعن واجب آخر، فمكروه لتردده أيضا، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه، أو من شعبان فلا عن الواجب، ولو قال: أصوم غدا من رمضان أو تطوعا، لا يصير صائما قطعا.

فرع: من انفرد برؤية الهلال ولم يقبل صام سرا، كالمنفرد برؤية هلال شوال يفطر.

فرع: إذا رؤي ببلد لزم حكمه البلد القريب دون البعيد في الأصح.

وظاهر الحديث التعدي إلى غيره مطلقا، وقد وقعت المسألة في زمن ( ابن عباس ) وقال: لا نزال نصوم حتى يكمل ثلاثين أو نراه، وبهذا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ويمكن إرادته هذا.

فرع: لا يثبت هلال رمضان بشهادة واحد، خلافا لأبي حنيفة والشافعي، وإن كان في الأمران الشافعي رجع عنه، ولا يثبت هلال شوال بواحد، خلافا لأبي ثور .

التالي السابق


الخدمات العلمية