التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1804 [ ص: 77 ] 8 - باب: من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم

1903 - حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".


ذكر فيه حديث أبي هريرة فقال: حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ".

هذا الحديث من أفراده، ولما ذكره في الأدب قال: أفهمني رجل إسناده . وقال أبو داود: قال أحمد بن يونس : فهمت إسناده عن ابن أبي ذئب، وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه . وفي رواية للجوزي : والجهل .

قال الدارقطني في "علله": رواه يزيد بن هارون وأبو نباتة يونس بن يحيى (ت) ، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، لم يذكر أباه، وأغرب أبو قتادة بسند آخر عن ابن أبي ذئب فقال: عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير، عن أبي هريرة .

[ ص: 78 ] قلت: ورواه من غير ذكر أبيه حماد بن خالد، ساقه الإسماعيلي .

قال: ابن أبي ذئب، عن المقبري عن أبي هريرة .

وفي "مستدرك الحاكم " على شرط مسلم من حديث عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم " .

وفي لفظ: " رب صائم حظه من صيامه الجوع، ورب قائم حظه من قيامه السهر ". ثم قال: صحيح على شرط البخاري .

وروى أبو السري هناد بن السري في "زهده" عن أنس مرفوعا: " ما صام من ظل يأكل لحوم الناس " . وله عن أنس أنه قال: " إذا اغتاب الصائم أفطر " .

[ ص: 79 ] أما فقه الباب فهو أن حكم الصائم الإمساك عن الرفث وقول الزور، كما يمسك عن الطعام والشراب، وإن لم يمسك عن ذلك فقد نقص صيامه، وتعرض لسخط ربه تعالى وترك قبوله منه، وليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه إذا لم يدع قول الزور، وإنما معناه التحذير من قول الزور، وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: " من باع الخمر فليشقص الخنازير "

[ ص: 80 ] يريد: أي: يذبحها. ولم يأمره بشقصها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم شارب الخمر، فكذلك حذر الصائم من قول الزور والعمل به ليتم أجر صيامه.

وفي كتاب "الرقاق" لابن المبارك عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى عن جابر : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، ودع أذى الخادم، وليك عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك وفطرك سواء .

وفي "علل الدارقطني " من حديث أبي هريرة مرفوعا: "خمس يفطرن الصائم وينفضن الوضوء: الكذب، والغيبة، والنميمة، والنظر بشهوة،

[ ص: 81 ] واليمين الكاذبة" .

قال أبو حاتم في "علله": هذا حديث كذب .

ولابن حزم -مصححا- عن عبيد مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على امرأتين صائمتين تغتابان الناس، فقال لهما: "قيئا" فقاءتا قيحا ودما ولحما عبيطا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن هاتين صامتا عن الحلال وأفطرتا على الحرام" .

[ ص: 82 ] وعن علي من حديث مجالد عن الشعبي عنه .

ومجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عمر قال: ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، لكنه من الكذب والباطل واللغو . وعن أنس قال: إذا اغتاب الصائم أفطر . وقال أبو ذر : إذا كان يوم صومك فتحفظ ما استطعت .

[ ص: 83 ] قال ابن حزم : فهؤلاء من الصحابة عمر وعلي وأنس وأبو ذر وأبو هريرة وجابر ، يرون بطلان الصوم بالمعاصي ; لأنهم خصوا الصوم باجتنابها، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة، ومن التابعين مجاهد وحفصة بنت سيرين وميمون بن مهران والنخعي ، وفي هذا رد على قول ابن التين لما نقل عن الأوزاعي أنه يفطر من اغتاب مسلما. وعند كافة الفقهاء أن ذلك نقص من حظه من الصيام لا في الإجزاء. واحتج الأوزاعي بالحديث السالف، وهذا عندنا على وجه التغليظ والمجاز، ومعناه: سقوط الثواب.

قلت: قد علمت ضعفه وأن الأوزاعي لم ينفرد به، وكذا قال ابن بطال : اتفق جمهور الفقهاء على أن الصائم لا يفطره السب والشتم والغيبة، وإن كان مأمورا أن ينزه صيامه عن اللفظ القبيح، ثم نقل عن الأوزاعي أنه يفطره السب والغيبة، واحتج بما روي أن الغيبة تفطر الصائم، وكذا قال القرطبي .

قال: وبه قال الحسن فيما أحسب. وقال ابن القصار : معناه: أنه يصير في معنى المفطر في سقوط الأجر لا أنه أفطر في الحقيقة لقوله تعالى: ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا [الحجرات: 12] فلم يكن آكلا في الحقيقة، وإنما يصير في معناه، ويجوز أن يكون في معنى التغليظ كما قال: "الكذب مجانب

[ ص: 84 ] الإيمان". وقال أبو العالية : الصائم في ثواب ما لم يغتب وإن كان نائما على فراشه .

وقال مجاهد : من أحب أن يسلم له صومه (فليجتنب) الغيبة والكذب . وقال النخعي : كان يقال: الكذب يفطر الصائم .

وقوله: (" فليس لله حاجة ") معناه: فليس لله إرادة في صيامه، والله لا يحتاج إلى شيء فوضع الحاجة موضع الإرادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية