التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1826 [ ص: 168 ] 23 - باب: المباشرة للصائم

وقالت عائشة يحرم عليه فرجها.

1927 - حدثنا سليمان بن حرب، قال: عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه. وقال: قال ابن عباس: مآرب [طه: 18] حاجة. قال طاوس : أولي الإربة [النور: 31]: الأحمق لا حاجة له في النساء. وقال جابر بن زيد : إن نظر فأمنى يتم صومه. [1928 - مسلم: 1106 - فتح: 4 \ 149]


حدثنا سليمان بن حرب، قال: عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل ويباشر، وهو صائم، وكان أملككم لإربه . وقال: قال ابن عباس : مآرب حاجة. قال طاوس : أولي الإربة الأحمق الذي لا حاجة له في النساء. وقال جابر بن زيد : إن نظر فأمنى يتم صومه.

الشرح:

أثر عائشة أخرجه معمر، عن أيوب عن أبي قلابة، عن مسروق : سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ فقالت: كل شيء إلا الجماع ، وسلف معناه في باب مباشرة الحائض، في كتاب الطهارة . وحديث عائشة أخرجه مسلم أيضا .

قال الإسماعيلي : ثنا يوسف القاضي، ثنا سليمان بن حرب، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم أن علقمة وشريح بن أرطاة النخعي

[ ص: 169 ] كانا عند عائشة، فقال أحدهما لصاحبه: سلها عن القبلة، فقال: ما كنت لأرفث عند أم المؤمنين، فقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم .. الحديث .

وقال: رواه عن شعبة غندر وابن أبي عدي وعبيد الله بن موسى، وعدد جماعات كلهم عن عبد الله، على ما ذكر سليمان بن حرب في حديثنا، وحدث به البخاري، عن سليمان فقال فيه: عن الأسود . وفي ذلك نظر.

قلت: وفي كتاب "الصيام" للقاضي يوسف بن يعقوب بن حماد بن زيد الذي روى عنه الإسماعيلي هذا الحديث: حدثنا أبو الربيع، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قال: روى رجل من النخع عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يباشر وهو صائم، فقال له شريح -يعني: ابن أرطاة -: إني لأهم أن أضرب بالقدمين رأسك، قال: وكان شريح قد صام سنين، فانتهوا إلى عائشة، فجعل بعضهم يقول لبعض: سلها، قال: قالوا لعلقمة، فقال: لا أرفث اليوم عند أم المؤمنين، قالت: وما ذاك؟ قالوا: إن هذا روى عنك أنك قلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يباشر وهو صائم .. الحديث .

وأخبرنا عبد الواحد بن غياث، ثنا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود قال: سألت عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها، فقلت: بلغني أن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يباشر وهو صائم. فقالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أملك لإربه من الناس أجمعين .

وأخبرنا نصر بن علي، ثنا أبي، ثنا هشام، عن حماد، فذكر مثله.

ورواه النسائي، عن إسحاق بن منصور، عن ابن مهدي، عن شعبة

[ ص: 170 ] بمثل رواية الإسماعيلي .

قال الدارقطني : وكذا رواه أبو النضر . قال: ورواه أبو خالد الدالاني والحسن بن الحر، عن الحكم، عن إبراهيم، قال: خرج علقمة، ومسروق في نفر من أصحاب عبد الله، فدخلوا على عائشة .

ورواه ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن شريح، عن عائشة، لم يذكر إبراهيم . ورواه منصور بن زاذان، عن الحكم، عن علقمة من غير ذكر عائشة .

ورواه قطبة بن عبد العزيز وجماعات عددهم عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، وقال أبو معاوية : عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود .

ورواه يحيى بن زائدة، عن الأعمش، عن همام، عن أبي الضحى، عن مسروق ورواه قيس بن الربيع، عن الأعمش، ومنصور، عن أبي الضحى، عن شتير بن شكل، عن عائشة وحفصة. ورواه ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود، قال ذلك حماد بن زيد وثابت بن يزيد ومنصور، عن عكرمة .

وقال ابن علية : عن ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود ومسروق أنهما دخلا على عائشة .

قال الدارقطني : وكلها صحيحة إلا قول من أسقط في حديث الحكم إبراهيم، وإلا قول قيس، عن أبي الضحى، عن شتير، عن عائشة وحفصة ; فإنه لم يتابع عليه.

[ ص: 171 ] قلت: ورواه القاضي أبو يوسف، عن محمد بن أبي بكر، ثنا يزيد بن زريع، ثنا ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود ومسروق قال: أتينا عائشة . ثم روى حديث شتير بإسقاط عائشة، وهو في "صحيح مسلم " أيضا .

وفي "علل ابن أبي حاتم الرازي ": رواه شتير، عن علي، وقال: قال أبي: هذا خطأ ، ولما رواه النسائي من حديث إسرائيل، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن شتير قال: هذا خطأ، ليس فيه مسروق .

وخطأ الرازيان رواية عبد الأعلى، عن حميد، عن أنس، عنها، به .

وقال الطرقي لما ذكر حديث الباب: كذا رواه الأسود وعلقمة، عن عائشة جمعا بين التقبيل والمباشرة، وإن اختلفت الروايات عنهما.

ورواه مسروق، عن عائشة مقصورا على المباشرة .

ورواه عنها جماعة ذوو عدد مقصورا على التقبيل .

[ ص: 172 ] وقال أبو يحيى مصدع : عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبلها وهو صائم، ويمص لسانها. هذه الكلمة ليست بمحفوظة، والحمل فيها على محمد بن دينار -يعني: عن سعد بن أوس عن مصدع - وهي في كتاب أبي داود وحده.

وحكى ابن الأعرابي، عن أبي داود أنه قال: هذا الحديث ليس بصحيح .

[ ص: 173 ] إذا عرفت ذلك; فالمباشرة والقبلة للصائم حكمهما واحد، بل قال أشهب : القبلة أيسر من المباشرة، والملاعبة والجسة والقبلة وإدامة النظر والمحادثة تنقص أجر الصائم وإن لم يفطره.

واختلفوا في المباشرة، فكرهها قوم من السلف.

وروى ابن وهب عن ابن أبي ذئب أن سفينة مولى ابن عباس حدثه أن ابن عباس كان ينهى الصائم عن القبلة والمباشرة، قال: وأخبرني رجال من أهل العلم عن ابن عمر مثله .

وروى حماد بن سلمة، عن عائشة أنها كرهت ذلك . وروى مثله عن ابن المسيب وعطاء والزهري ، ورخص فيه آخرون.

[ ص: 174 ] روي عن ابن مسعود أنه كان يباشر امرأته نصف النهار وهو صائم . وعن سعد بن أبي وقاص مثله .

وروى أبو قلابة، عن مسروق أنه سأل عائشة : ما يحل للرجل من امرأته وهو صائم؟ قالت: كل شيء إلا الجماع .

وكان عكرمة يقول: لا بأس بالمباشرة للصائم; لأن الله تعالى أحل له أن يأخذ بيدها وأدنى جسدها، ولا يأخذ بأقصاه .

وقال ابن قدامة : اللمس بشهوة كالقبلة، فإن كان بغيرها فلا يكره بحال. وكل من رخص في المباشرة له فإنما ذلك بشرط السلامة مما يخاف عليه من دواعي اللذة والشهوة، كما نبه عليه المهلب، ألا ترى قول عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: وكان أملككم لإربه . ولهذا المعنى كرهها من كرهها.

وروى حماد، عن إبراهيم، عن الأسود أنه سأل عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها ، إلى آخر ما أسلفناه، وحماد، عن داود، عن شعبة، عن ابن عباس : أن رجلا قال له: إني تزوجت ابنة عم لي جميلة فبنى بها في رمضان، فهل لي إن قبلتها من سبيل؟ قال: فهل تملك نفسك؟ قال: نعم قال: فباشر. قال: فهل لي أن أضرب على فرجها من سبيل؟ قال: فهل تملك نفسك؟ قال: نعم. قال فاضرب .

[ ص: 175 ] وقال مالك في "المختصر": لا أحب للصائم في فرض أو تطوع أن يباشر أو يقبل، فإن فعل ولم يمذ فلا شيء عليه، وإن أمذى فعليه القضاء، وهو قول مطرف وابن الماجشون وأحمد . قال بعض البغاددة من أصحاب مالك : القضاء في ذلك عندنا استحباب.

وروى عيسى، عن ابن القاسم أنه إن أنعظ ولم يمذ فإنه يقضي وأنكره سحنون، وهو خلاف قول مالك .

وقال أبو حنيفة والأوزاعي والشافعي وأبو ثور : لا شيء عليه إذا أمذى، وهو قول الحسن والشعبي، وحجتهم أن اسم المباشرة ليس على ظاهره، وإنما هو كناية عن الجماع، ولم يختلف العلماء أن قوله

تعالى: فالآن باشروهن ... يراد به الجماع، فكل مباشرة اختلف فيها فالواجب ردها إلى ما أجمعوا عليه منها.

واختلفوا إذا باشر أو جامع دون الفرج فأمنى، فقال أبو حنيفة والثوري والشافعي : يجب عليه القضاء فقط; لأن الكفارة إنما تجب عندهم بالجماع.

وقال عطاء : يجب عليه القضاء مع الكفارة ، وهو قول الحسن البصري وابن شهاب . ومالك وابن المبارك وأبي ثور وإسحاق، وحجتهم أنه إذا باشر أو جامع دون الفرج فأنزل فقد حصل المعنى المقصود من الجماع; لأن الإنزال أقصى ما يطلب من الالتذاذ، وهو من جنس الجماع التام في إفساد الصوم، فقد وجبت فيه الكفارة.

[ ص: 176 ] تنبيهات:

أحدها: قال ابن قدامة في حديث المص: يجوز أن يكون التقبيل وهو صائم والمص في حين آخر، ويجوز أن يمصه ولا يبتلعه، ولأنه لم يتحقق انفصال ما على لسانها من البلل إلى فمه، وأما ابتلاع ريق الرجل نفسه وما لا يمكن التحرز منه فلا يفطر كغبار الطريق، فلو جمعه وابتلعه قصدا لم يضر على الأصح وفاقا للحنفية، فإن أخرج ريقه إلى الظاهر ثم أعاده أو بلع ريق غيره أفطر .

وفي "شرح الهداية": إن ابتلع بصاق غيره أفسد صومه. وعن الحلواني : لو ابتلع ريق حبيبه أو صديقه عليه الكفارة; لأنه لا يعافه بل يتلذذ به. وقيل: لا كفارة فيه.

ثانيها للنسائي : سأل عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القبلة: "أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم؟ " قلت: لا بأس. قال: "فمه"، ثم قال: منكر .

[ ص: 177 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[ ص: 178 ] وقال البزار : لا نعلمه يروى إلا عن عمر من هذا الوجه .

وقال أحمد : هذا ريح، ليس من هذا شيء .

وأما ابن حزم فاحتج به ، وصححه الحاكم على شرط الشيخين .

ولابن ماجه من حديث عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: رخص للكبير الصائم في المباشرة، وكره للشاب .

ولأبي داود من حديث أبي هريرة أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب .

[ ص: 179 ] ولأحمد مثله من حديث ابن عمرو وفيه ابن لهيعة ، وقد ردهما ابن حزم كما ستعلمه .

وفي "الصحيحين" عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبلها وهو صائم ،

[ ص: 180 ] زاد ابن أبي حاتم : وعلى قبلها ثوب، وقال: قال أبي: الناس يروونه عن عكرمة مرسلا، وهو أصح .

ولابن أبي شيبة -بإسناد جيد- عن أبي سعيد الخدري أنه سئل عن القبلة للصائم فقال: لا بأس ما لم يعد ذلك .

ثالثها: قال ابن حزم : روينا بأسانيد في غاية الصحة عن أمهات المؤمنين: أم سلمة، وأم حبيبة، وحفصة، وعمر، وابن عباس، وعمر بن أبي سلمة، وغيرهم، كلهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن القبلة لا تبطل الصوم، قال: ومن باشر امرأته فيما دون الفرج تعمدا أمنى أو لم يمن، أمذى أو لم يمذ لا ينقض صومه .

[ ص: 181 ] قال: والقبلة لمن تحل له قربة من القرب وسنة مستحبة، ومن فرق بين الشاب والشيخ تعلق بحديثي سوء:

أحدهما: فيه ابن لهيعة عن قيس مولى تجيب، وهو مجهول .

والآخر: من حديث إسرائيل، وهو ضعيف ، عن أبي العنبس،

[ ص: 182 ] ولا يدرى من هو ، عن الأغر، عن أبي هريرة .

وأما منام عمر -يعني: الآتي- فالأحكام لا تؤخذ بالمنامات، لا سيما وقد أفتاه في اليقظة بالإباحة، فمن الباطل نسخ ذلك في المنام، ويكفي من هذا أن عمر بن حمزة لا شيء .

[ ص: 183 ] وحديث ميمونة بنت عتبة -مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- ضعيف ، فيه: زيد ابن جبير ، وإسرائيل ضعيف عن أبي يزيد الضبي، وهو مجهول ،

[ ص: 184 ] عن ميمونة .

وقال الدارقطني : أبو يزيد : ليس بمعروف، ولا يثبت مثل هذا .

وسئل أبو حاتم عن حديث أنس بن مالك : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القبلة للصائم فقال: "وما بأس بذلك، ريحانة يشمها إذا لم يعدها ذلك إلى غيرها " فقال: حديث باطل .

وسئل أبو زرعة عن حديث ميمونة : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم

[ ص: 185 ] قال: هو خطأ .

رابعها: قال الترمذي : قال بعض أهل العلم: القبلة تنقص الأجر ولا تفطر الصائم، وزاد: أن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبل، وإذا لم يأمن ترك; ليأمن له صومه ، وقد سلف.

خامسها: أثر ابن عباس : مأرب: حاجة، ذكره ابن أبي زياد في "تفسيره" وبخط الدمياطي في حاشية أصله: الصواب: حاجات أو حاج أو أرب وإربة ومأربة كلها الحاجة تقول منه أرب الرجل يأرب إربا والإرب أيضا العضو والدهاء وهو من العقل تقول: هو ذو مأرب وقد أرب يأرب إربا والأريب العاقل.

وقوله: ( لإربه )، هو بكسر الهمزة، والإرب العضو، وقيل: الحاجة. وقال النحاس : أخطأ من كسرها هنا وإنما هو بفتحها والأربة العضو; لأنه يقال: قطعه إربا إربا، أي: عضوا عضوا والأرب بالفتح الحاجة، وهو كناية عما يريده الرجل من امرأته.

سادسها: ما ذكره في تفسير الإربة عن طاوس، خالفه عطاء ; فقال: هو من يتبعك وهمته بطنه، وعن ابن عباس : المقعد .

وقال ابن جبير : المعتوه . وقال عكرمة : العنين .

[ ص: 186 ] وقول ابن عباس : رواه ابن أبي زياد في "تفسيره" عنه كما سبق، وجويبر عن الضحاك عنه، وقيل: الطفل. وأثر جابر بن زيد رواه ابن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون، عن حبيب، عن عمرو بن هرم : سئل جابر بن زيد عن رجل نظر لامرأته في رمضان فأمنى من شهوتها، هل يفطر؟ قال: لا، ويتم صومه .

وهذا الأثر في هذا الباب في بعض النسخ ، وفي بعضها في الباب بعده، وذكره ابن بطال فيهما .

سابعها: بوب مالك في "موطئه" على حديث عائشة باب: التشديد في القبلة للصائم . وهو دليل على أن القبلة لا تمنع صحة الصوم، وهو إجماع، واحتج به الشافعي على الجواز عند الأمن، وذكر ابن المنذر أنه كرهها للشاب والشيخ.

وقال ابن حبيب عن مالك : يشدد فيها في الفريضة، ويرخص فيها في التطوع، وتركها أحب إلي من غير ضيق، ويشدد فيها على الشاب في الفريضة ما لم يشدد على الشيخ، وفي "المجموعة" عنه: كراهتها في الفرض والتطوع .

قال محمد بن سحنون : أجمع العلماء على أن القبلة والمباشرة إذا لم تحركها شهوة أن صومه تام ولا قضاء عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية