التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1833 [ ص: 245 ] 29 - باب: إذا جامع في رمضان

ويذكر عن أبي هريرة رفعه: "من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا مرض، لم يقضه صيام الدهر وإن صامه". وبه قال ابن مسعود. وقال سعيد بن المسيب والشعبي وابن جبير وإبراهيم وقتادة وحماد : يقضي يوما مكانه

1935 - حدثنا عبد الله بن منير، سمع يزيد بن هارون، حدثنا يحيى -هو ابن سعيد - أن عبد الرحمن بن القاسم أخبره، عن محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام بن خويلد، عن عباد بن عبد الله بن الزبير أخبره أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: إن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنه احترق. قال: " مالك؟ ". قال: أصبت أهلي في رمضان. فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكتل، يدعى العرق، فقال: "أين المحترق؟ ". قال: أنا. قال: "تصدق بهذا". [6822 - مسلم: 1112 - فتح: 4 \ 161]


ثم ذكر بإسناده عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنه احترق. قال: " مالك؟ ". قال: أصبت أهلي في رمضان. فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكتل، يدعى العرق، فقال: "أين المحترق؟ ". قال: أنا. قال: "تصدق بهذا".

الشرح:

تعليق أبي هريرة رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث يزيد بن المطوس عن أبيه عنه . قال البخاري في "تاريخه": تفرد به ابن

[ ص: 246 ] المطوس
عن أبيه ولا يعرف له غيره، ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا ؟

وقال الترمذي بعد أن رواه بلفظ: "من غير رخصة، ولا مرض، لم يقضه عنه صيام الدهر كله وإن صامه": هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمدا يقول: أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس،

[ ص: 247 ] ولا أعرف له غير هذا الحديث . وقال مهنأ سألت أحمد عنه فقال: يقولون: عن ابن المطوس، عن أبي المطوس وبعضهم يقول: عن حبيب، عن عمارة بن عمير، عن أبي المطوس قال: ولا أعرف ابن المطوس ولا أبا المطوس، قلت: أتعرف الحديث من غير هذا الوجه؟ قال: لا.

قلت: قد رواه الدارقطني من حديث قيس، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مالك، عن أبي هريرة مرفوعا مثله . وقال أبو داود: اختلف على سفيان وشعبة ابن المطوس وأبو المطوس ، والنسائي أخرجه من حديث علي بن حسين، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لا يقبل منه صوم سنة " ، ومن حديث شريك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: " لم يقضه يوم من أيام الدنيا " . ورواه كامل -أبو العلاء - من حديث سعيد بن جبير، عن (المطوس) عن أبي هريرة .

[ ص: 248 ] وقال ابن حزم : روي بأصح من طريق علي بن حسين، عن أبي هريرة في رجل أفطر في رمضان; فقال: لا يقبل منه صوم سنة . وفي لفظ: "لم يقضه يوم من أيام الدنيا " وقال أبو محمد بن أبي حاتم: قلت لأبي: أيهما أصح الثوري عن أبي المطوس، أو شعبة عن ابن المطوس؟ قال: جميعا صحيحان أحدهما قصر والآخر جوده. وقال أبو حاتم أيضا: جاء رجل إلى أبي هريرة أخبره أنه أفطر يوما من رمضان فقال: لا يقبل منه صوم سنة . ثم ساقه من طريق النسائي الأول عنه .

وقال يحيى بن معين وأبو حاتم البستي : أبو المطوس المكي يروي عن أبي هريرة ما لا يتابع عليه، لا يجوز الاحتجاج بأفراده، زاد يحيى: واسمه عبد الله . وفي موضع آخر: هو ثقة وابنه ، ذكره ابن حبان في "ثقاته" ، وقال ابن عبد البر : يحتمل أن يكون -لو صح- على التغليظ، وهو حديث ضعيف لا يحتج به .

وقال أبو الحسن علي بن خلف بن بطال القرطبي : هذا حديث ضعيف لا يحتج بمثله ، ثم ادعى أنه صحت الكفارة بأسانيد صحاح ، فلا يعارض مثل هذا الحديث. ووقع في أصله: ابن المضرس في مواضع، وهو تحريف وصوابه: ابن المطوس، وأوله ابن التين على أن المراد: لا يدرك ذلك الفضل ولم يتعرض لضعفه.

[ ص: 249 ] وأما أثر ابن مسعود فأخرجه ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن واصل، عن مغيرة اليشكري، عن فلان بن الحارث عنه ، قال: وحدثنا أبو معاوية، عن عمر بن يعلى، عن عرفجة، عن علي نحوه .

وأما الآثار التي بعده فقال ابن بطال : نظرت أقوال التابعين الذين ذكرهم البخاري في المصنفات فلم أر قولهم بسقوط الكفارة إلا في الفطر والأكل لا في الجماع، فيحتمل أن يكون عندهم الآكل والمجامع سواء في إسقاط الكفارة إذ كل ما أفسد الصيام من أكل أو شرب أو جماع فاسم فطر يقع عليه، وفاعله مفطر. وقد قال - عليه السلام - في ثواب الصائم عن الله تعالى: " يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي " فدخل في ذلك أعظم الشهوات، وهي شهوة الجماع، وذكر عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب أن من أكل في شهر رمضان عامدا عليه صيام شهر ، وذكر عن ابن سيرين : عليه صيام يوم .

وقال ابن التين : قال سائر الفقهاء أنه يقضي. وقال الأوزاعي : يكفر ولا يقضي .

قال: وذكر الإسفراييني أنه أحد قولي الشافعي . وعن الأوزاعي تفصيل آخر يأتي أواخر الباب. وقال الشعبي : يقضي كما تقدم عنه

[ ص: 250 ] ولا كفارة عليه . وحكي ذلك عن سعيد بن جبير والنخعي أيضا أنه لا كفارة في الجماع ، قال: وذكره أبو عبد الملك، عن الشافعي .

قلت: غريب عنه، وذكر أيضا عن ابن المسيب وحماد، ويرد عليهم أحاديث الباب وما بعده حيث أمر بها، والأمر للوجوب. فإن قالوا: لا عموم في اللفظ قلت: حكمي على الواحد، حكمي على الجماعة، وتعليق الحكم بسبب يقتضي أن يكون متعلقا به حيث كان، وكأنهم رأوا أن هذه الأخبار مخصوصة بمن وردت فيه، ولا يسلم لهم ذلك.

قلت: روى ابن أبي شيبة عن شريك، عن مغيرة، عن إبراهيم، وعن أبي - خالد، عن الشعبي قالا: يقضي يوما مكانه . وحدثنا وكيع، عن الشعبي مثله ، وحدثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم قال: عليه صوم ثلاثة آلاف يوم، وحدثنا عبدة، عن سعيد، عن يعلى بن حكيم، عن سعيد بن جبير في رجل أفطر يوما من رمضان متعمدا قال: يستغفر الله تعالى من ذلك ويتوب (إليه) يقضي يوما مكانه. وحدثنا وكيع، عن جرير، عن يعلى، عن سعيد مثله، وحدثنا عبدة،

[ ص: 251 ] عن عاصم قال: أرسل أبو قلابة إلى ابن المسيب يسأله عن رجل أفطر يوما من رمضان متعمدا، فقال سعيد : يصوم مكان كل يوم أفطر شهرا.

وحدثنا وكيع، عن هشام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في رجل يفطر يوما من رمضان متعمدا، قال: يصوم شهرا ، زاد عبد الرزاق : قال قتادة : فقلت: فيومين؟ قال: صيام شهر، قال: فعددت أياما، فقال: صيام شهر .

قال ابن عبد البر : أظنه ذهب إلى التتابع في الشهر لا يخلطه بفطر. فكأنه يقول: من أفسده بفطر يوم أو أكثر قضاه كله نسقا ; لأن الله تعالى فرض شهر رمضان، وهو متتابع، فإذا تخلله فطر لزمه في القضاء التتابع، كمن نذر صوم شهر متتابعا.

وقال ابن حزم : يحتمل أن يكون أراد شهرا شهرا عن كل يوم، ويحتمل ما رواه معمر من أن عليه لكل يوم أفطر شهرا واحدا، وهذا أظهر وأولى لتتفق الروايات عنه .

وأما حديث أبي هريرة رفعه: "عليه يوم مكانه"، فقال أبو زرعة : ليس بصحيح ولم يقل هذا الحرف أحد من الثقات . وأما حديث البزار الذي في طريقه مندل، عن عبد الوارث، عن أنس مرفوعا:

" من أفطر يوما من رمضان فعليه صوم شهر " .

[ ص: 252 ] قال عبد الحق : ورواه أيضا ابن عقبة ولا يصح ولا يثبت، قاله الدارقطني، ولفظه: " من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا عذر كان عليه أن يصوم ثلاثين يوما، ومن أفطر يومين كان عليه (ستون) يوما ومن أفطر ثلاثة- أيام كان عليه (تسعون) يوما " .

وعند الدارقطني أيضا من حديث أبي هريرة : أن رجلا أكل في رمضان فأمره - عليه السلام - بصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكينا، علته

[ ص: 253 ] أبو معشر نجيح ، وفي لفظ: أمر الذي أفطر يوما من رمضان بكفارة الظهار، قال: والمحفوظ عن مجاهد مرسلا، وعن ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة، وليث ليس بالقوي ، وعن مقاتل بن سليمان المفسر -وهو آفته - وعن عطاء، عن جابر مرفوعا: "من أفطر يوما من رمضان فليهد بدنة، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعا من تمر للمساكين " .

إذا تقرر ذلك فقد اختلف العلماء، كما قال أبو عمر فيمن أكل أو شرب في رمضان متعمدا ، فقال مالك وأصحابه والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي إسحاق وأبو ثور : عليه من الكفارة ما على المجامع، كل واحد منهم على صلة في الترتيب أو التخيير،

[ ص: 254 ] وإلى هذا ذهب محمد بن جرير، وروي مثله عن عطاء في رواية، وعن الزهري والحسن .

وقال الشافعي وأحمد : عليه القضاء ولا كفارة (عليه) ويعاقب، وهو قول ابن سيرين وابن جبير وجابر بن زيد والشعبي وقتادة وإبراهيم، وقال الشافعي : عليه مع القضاء العقوبة; لانتهاكه حرمة الشهر.

وسائر من ذكرنا قوله من التابعين، قال: يقضي يوما مكانه ويستغفر الله ويتوب إليه، وقال بعضهم: ويصنع معروفا، ولم يذكر عنهم عقوبة .

وقد قال ابن شعبان من المالكية: فيه أن من جاء مستفتيا فلا عقوبة عليه; لأن الشارع لم يعاقبه، قال: فإن ظهر عليه عوقب، وقد روي عن عطاء أن من أفطر يوما من رمضان من غير علة كان عليه تحرير رقبة، فإن لم يجد فبقرة أو بدنة، أو عشرين صاعا من طعام للمساكين.

وروي عن الحسن أنه سوى بين الآكل والمجامع في الرقبة والبدنة ، وعن ابن عباس : عليه عتق رقبة، أو صوم شهر، أو إطعام ثلاثين مسكينا . وعن ابن المسيب ، وهو قول ربيعة أن عليه صوم اثني عشر يوما وكان ربيعة يحتج لقوله هذا بأن شهر رمضان فضل [ ص: 255 ] على اثني عشر شهرا فمن أفطر فيه يوما. كان عليه اثنا عشر يوما، وكان الشافعي يعجب من هذا وينتقص فيه ربيعة، ولربيعة شذوذ. هذا آخر كلام أبي عمر . وربيعة لم يشذ في هذا; لأنك حكيت له سلفا وهو ابن المسيب قال: وأقاويل التابعين بالحجاز والعراق لا وجه لها عند أهل الفقه، لمخالفتها السنة، وإنما في المسألة قولان:

أحدهما: قول مالك ومن تابعه .

والثاني: قول الشافعي ومن تابعه .

وقد اختلف الفقهاء عما يجزئ من الإطعام عمن يجب أن يكفر فيه عن فساد يوم من رمضان، فقال مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي : يطعم ستين مسكينا، مدا لكل مسكين بمده - عليه السلام - .

قال أشهب : أو غداء، أو عشاء .

وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا يجزئه أقل من مدين بمده - عليه السلام -، وذلك نصف صاع لكل مسكين قياسا على فدية الأذى، فإن كان من التمر والشعير فصاع ، قال: وقول مالك أولى; لأنه نص لا قياس; لأن العرق ذكر أنه كان فيه خمسة عشر صاعا، وذلك ستون مدا، وذلك في حديث مالك، عن عطاء، عن ابن المسيب ،

[ ص: 256 ] وهو مذكور أيضا في حديث مجاهد وعطاء، عن أبي هريرة في حديثه: عشرون صاعا ، وقد روي ذلك من وجوه مرسلة ومسندة ومعلوم أن ذلك غير ما ذهب إليه أبو حنيفة .

وليحمل على أن ذلك العرق يسع ذلك لا ينافيه، وفي "الموطإ": يحتمل ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين ، وعن أبي مصعب : لا إطعام عليه.

[ ص: 257 ] وقال الحسن : عشرون صاعا تطعم لأربعين وسيأتي .

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم والأربعة .

واختلف أهل العلم فيما يجب على الواطئ عامدا نهارا في رمضان، فذكر البخاري ما أسلفناه مع المناقشة معه، وأوجب جمهور الفقهاء على المجامع عامدا الكفارة والقضاء، هذا قول مالك وعطاء والثوري وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق ، واحتجوا بإعطائه - عليه السلام -

المحترق المكتل المتصدق به، فثبت به الكفارة عليه، ولا وجه لمن أسقطها، فإنه مخالف للسنة الثابتة والجمهور.

وقد سلف في باب: من أكل أو شرب ناسيا، أن في قوله: أنه احترق دليلا على العمدية; لأن الله تعالى رفع الحرج عن السهو والخطإ، ويؤيده قوله "أين المحترق؟ " فأثبت له حكم العمد بهذا.

وذكر الطحاوي في "شرح معانيه" أنه ذهب قوم إلى وجوب الصدقة ولا يجب عليه من الكفارة غير ذلك، واحتجوا بهذا الحديث ، ولم يسم قائله، وحديث أبي هريرة أولى منه; لأنه قد كان قبل الذي في حديث عائشة شيء حفظه أبو هريرة ولم تحفظه هي، فهو أولى بما زاد في الحديث من العتق والصيام.

واختلفوا فيمن أكل عامدا في رمضان، فقال مالك وأبو حنيفة [ ص: 258 ] والثوري والأوزاعي وأبو ثور وإسحاق : عليه ما على المجامع من الكفارة مع القضاء .

وهو قول عطاء والحسن والزهري، وقال الشافعي وأحمد : عليه القضاء دون الكفارة . وهو قول النخعي وابن سيرين ، وقالوا: إن الكفارة إنما وردت في المجامع خاصة وليس الآكل مثله بدليل قوله - عليه السلام -: " من استقاء فعليه القضاء " . وهو مفطر عمدا، وكذلك مزدرد

[ ص: 259 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[ ص: 260 ] الحصى عمدا عليه القضاء، وحجة من أوجب الكفارة القياس على المجامع، والفرق لائح وأوجب عطاء على المستقيء عمدا من غير عذر القضاء والكفارة، وهو قول أبي ذر . ودعوى أن الشافعي ناقض قوله فقال: إذا أكره على الأكل فعليه القضاء أو القيء فلا، ولا تناقض فأظهر قوليه التسوية.

وقد اختلف الفقهاء في قضاء ذلك اليوم مع الكفارة، فقال مالك : عليه قضاؤه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري وأبي ثور وأحمد وإسحاق ، وقال الأوزاعي : إن كفر بالعتق والإطعام صام يوما مكان ذلك اليوم الذي أفطر، وإن صام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء ذلك اليوم، وقال: يحتمل أن تكون الكفارة بدلا من الصيام، ويحتمل أن تكون معه، وأحب إلي أن يكفر ويصوم. وحجة من [ ص: 261 ] أوجب القضاء أن الكفارة عقوبة للذنب الذي ارتكبه، والقضاء بدل عما أفسده، وكما لا يسقط عن المفسد حجه بالوطء إذا أهدى البدل فكذلك هنا، واعتل من لم يوجبه أنه ليس في خبر عائشة ولا أبي هريرة في نقل الحفاظ ذكر القضاء، فيقال له: قد روي من طرق فيها ذكر القضاء لكنها متكلم فيها ، وقد أوضحتها في "تخريج أحاديث الوسيط" فناقشنا ابن حزم ; فإنه وهاها أجمع; بسبب أبي أويس وهشام بن سعد وعبد الجبار بن عمرو ، وذكر ابن بطال منها حديثا واحدا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، ثم قال: وهو من مرسلات سعيد بن المسيب، وهي حجة عند الفقهاء، وكتاب الله يشهد لصحتها حيث قال: فعدة من أيام أخر [البقرة: 184، 185] ولا تبرأ الذمة إلا بيقين الأداء وهو قضاء اليوم .

وفي إعطائه - عليه السلام - للرجل الصالح ليتصدق به، حجة لمالك في اختياره الإطعام في كفارة المفطر في رمضان ; لأنه شبه البدل من الصيام، ألا ترى أن الحامل والمرضع والشيخ الكبير والمفرط في قضاء رمضان حتى يدخل عليه رمضان آخر لا يؤمر واحد منهم بعتق ولا صيام مع القضاء، وإنما يؤمر بالإطعام، هذا مأخوذ من قوله تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين [البقرة: 184] وذكر أبو عبيد عن الأصمعي قال:

[ ص: 262 ] أصل العرق السقيفة المنسوجة من الخوص قبل أن يجعل منها زبيل، فسمي الزبيل عرقا لذلك، ويقال: العرقة أيضا.

وزعم الأخفش -أحمد بن عمران- في "شرح الموطإ" أنه يسمى عرقا; لأنه يعمل عرقة عرقة لعرضها واصطفافها، ثم يضم فقال: عرقة وعرق كعلقة وعلق، والعرقة: الطريقة العريضة ولذلك سميت درة المكتب عرقة، والصواب فتح الراء. وقال ابن حبيب في "شرح الموطإ": رواه مطرف، عن مالك بالتحريك. وقال ابن التين في رواية: أبي الحسن : بسكون الراء ورواية أبي ذر بفتحها. وأنكر بعض العلماء إسكان الراء وقال: إنما هو العظم الذي عليه اللحم.

وفي "العين" العرق: مثال سحر، والعرقات كل مضفور أو مصطف ، وعن أبي عمر : العرق أكبر من المكتل، والمكتل أكبر من القفة. والعرقة: زبيل من قد. بلغة كلب، ذكره في "الموعب" وفي "الجامع" للقزاز: العرق، ويقال: بسكون الراء وفتحها. وقال ابن سيده : العرق واحدته عرقة. قال: والزبيل والزنبيل: الجراب.

وقيل: الوعاء يحمل فيه، الزنبيل القفة والجمع زبل وزبلان، وقال الجوهري : الزبيل معروف فإذا كسرت شددت فقلت زبيل أو زنبيل; لأنه ليس في كلام العرب فعليل بالفتح والمكتل شبه الزبيل ، وفي "الجامع": الزبيل: الوعاء الذي يرمى به الزبل، وهو فعيل في معنى مفعول من هذا، وفيه لغة أخرى زنبيل، وإذا جمعوا قالوا: زنابيل.

التالي السابق


الخدمات العلمية