التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1869 1970 - حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: " خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا" وأحب الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دووم عليه، وإن قلت وكان إذا صلى صلاة داوم عليها. [1969، 1970، 5861، 6464، 6465 - مسلم: 782، 1156 - فتح: 4 \ 213]


ذكر فيه حديث أبي سلمة، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول: لا يفطر. ويفطر حتى نقول: لا يصوم. فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان .

وفي رواية يحيى، عن أبي سلمة : لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: "خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا" وأحب الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دووم عليه وإن قلت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها .

[ ص: 441 ] هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا ، وفي رواية له: وما صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا رمضان ، وللترمذي من حديث أبي سلمة، عن أم سلمة محسنا: ما رأيته يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان ، وصححه في "شمائله"، وقال: رواه غير واحد عن أبي سلمة، عن عائشة ، ويحتمل أن يكون أبو سلمة رواه عنهما، (أخرجه) أبو داود من حديث أبي سلمة، عن أم سلمة : لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصله برمضان ، وحمله ابن المبارك على الأكثر، وأنه جائز في كلام العرب.

قال الترمذي : كأنه رأى كلا الحديثين متفقين، يقول: إنما معناه أنه كان يصوم أكثر الشهر، وقوله: (كان يصومه كله) أي: أكثره وقد جاء عنها مفسرا: كان يصوم شعبان أو عامة شعبان ، وفي لفظ: كان يصومه كله إلا قليلا . وهي أولى من رواية يحيى عن أبي سلمة .

وقال ابن التين : إما أن يكون في أحدهما وهم، أو يكون فعل هذا [ ص: 442 ] وهذا، أو أطلق الكل على الأكثر مجازا. وقيل: كان يصومه كله في سنة وبعضه في أخرى، وقيل: كان يصوم تارة من أوله، وتارة من آخره، وتارة بينهما لا يخلي منه شيئا بلا صيام، وخصصه بكثرة الصوم; لكونه ترفع فيه أعمال العباد. ففي النسائي من حديث أسامة قلت: يا رسول الله، [لا] أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " .

وللترمذي من حديث صدقة بن موسى، عن ثابت، عن أنس : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: "شعبان; لتعظيم رمضان ". قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "صدقة في رمضان " ثم قال: حديث غريب، وصدقة ليس عندهم بذاك القوي . وقد روي أن هذا الصيام كان; لأنه كان يلتزم صوم ثلاثة أيام من كل شهر كما [ ص: 443 ] قال لابن عمرو، فربما شغل عن صيامها أشهرا فيجتمع كل ذلك في شعبان فيتداركه قبل رمضان ، حكاه ابن بطال ، وورد كما قال ابن الجوزي في حديث أنه - عليه السلام - سئل عن صومه فيه فقال: " إن الآجال تكتب فيه فأحب أن يكتب أجلي وأنا في عبادة ربي " .

وقال الداودي : أرى الإكثار فيه; لأنه ينقطع عنه التطوع برمضان.

قلت: ويجوز أنه كان يصوم صوم داود فيبقى عليه بقية فيكملها في هذا الشهر، والحكمة في كونه لم يستكمل غير رمضان; لئلا يظن وجوبه، فإن قلت: صح في مسلم : " أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم" فكيف أكثر منه في شعبان دونه؟ قلت: لعله كان يعرض له فيه أعذار من سفر أو مرض أو غير ذلك، أو لعله لم يعلم بفضل المحرم إلا في آخر عمره قبل التمكن منه.

[ ص: 444 ] وفيه: أن أعمال التطوع ليست منوطة بأوقات معلومة، وإنما هي على قدر الإرادة لها والنشاط فيها.

فائدة:

معنى: " خذوا من العمل ما تطيقون" أي: تطيقون الدوام عليه بلا ضرر، واجتناب التعمق عام في جميع أنواع العبادات، والملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويله، وأوله المحققون على أن المعنى: لا يعاملكم بمعاملة الملل فيقطع عنكم ثوابه ورحمته وفضله حتى تقطعوا أعمالكم. وقيل: معناه: لا يمل إذا مللتم، وقد سلف في الإيمان في باب: أحب الدين إلى الله أدومه ، وفي آخر كتاب الصلاة في باب: ما يكره من التشديد في العبادة ، و (حتى) بمعنى: حين. وقيل بمعنى: إذ. وقال الهروي : لا يمل أبدا مللتم أم لم تملوا. وقيل: سمي مللا على معنى الازدواج كقوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه [البقرة: 194] فكأنه قال: لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله.

وقولها: ( وأحب الصلاة )، وفي لفظ: أحب الأعمال ما دووم عليه ، وفي رواية: ديم عليه ، كذا ضبطناه: دووم بواوين، وفي [ ص: 445 ] بعض النسخ بواو. والصواب الأول كما قال النووي . والديمة: المطر الدائم في سكون، شبهت عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر، وأصله الواو فانقلبت بالكسرة قبلها.

فائدة:

فيه أيضا: الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم خير من كثير منقطع; لأن بدوام القليل تدوم الطاعة.

فائدة:

شعبان سمي بذلك كما قال ابن دريد : لتشعبهم فيه، أي: تفرقهم في طلب المياه. قال: والشعب الاجتماع والافتراق، وليس من الأضداد وإنما هو لغة القوم ، وقال ابن سيده : لتشعبهم في الغارات. وقيل; لأنه شعب، أي: ظهر بين رمضان ورجب ، وعن ثعلب فيما حكاه أبو عمر الزاهد: لتشعب القبائل، أي: تفرقها لقصد الملوك والتماس الغبطة.

فائدة:

لم يصح في الصلاة في النصف منه حديث، كما نبه عليه ابن في حية أنها موضوعة، وفي الترمذي منها حديث مقطوع . نعم، قيل: إنها [ ص: 446 ] الليلة المباركة في الآية، والأصح أنها ليلة القدر.

[ ص: 447 ] وذكر الطرطوشي في "بدعه" عن أبي محمد المقدسي قال: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وقد [ ص: 448 ] بين ابن الصلاح أولا والشيخ عز الدين إنكار ذلك، وقد حكم بينهما أبو شامة . والوقود في تلك الليلة أوله زمن يحيى بن خالد بن برمك ; لأنهم كانوا مجوسا فأدخلوا في الدين ما يموهون به على الطغام ، وقد أبطلها الملك الكامل ولله الحمد.

أخرى: استدل به القاضي أبو محمد على أصحاب داود حين قالوا: لا يصح صوم يوم الشك ونحن نقول: يصح صومه على وجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية