التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1893 1995 - حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا شعبة، حدثنا عبد الملك بن عمير قال، سمعت قزعة قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه -وكان غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثنتي عشرة غزوة- قال: سمعت أربعا من النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعجبنني قال: " لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم، ولا صوم في يومين: الفطر والأضحى، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي هذا". [انظر: 586 - مسلم: 827 - فتح: 4 \ 241]


ذكر فيه حديث أبي هريرة قال: ينهى عن صيامين وبيعتين: الفطر والأضحى، والملامسة والمنابذة .

وعن زياد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: رجل نذر أن يصوم أظنه قال الاثنين- فوافق يوم عيد. فقال ابن عمر : أمر الله بوفاء النذر، ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صوم هذا اليوم .

[ ص: 508 ] وعن أبي سعيد الخدري، الحديث بطوله " ولا صوم في يومين: الفطر والأضحى ".

حديث أبي هريرة أخرجه مسلم بلفظي: نهى، ونهي عن بيعتين: الملامسة والمنابذة، لم يذكر صوما ، وقال الطرقي : عند البخاري دون غيره، عن عطاء بن ميناء في هذا الحديث زيادة: وعن صيامين: الفطر والنحر. وساقه الإسماعيلي بدون المنابذة من طريقه.

قال: نهى -يعني: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ورواه الأعرج، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يوم الأضحى ويوم الفطر، وحديث ابن عمر أخرجه مسلم ، وقال ابن أبي شيبة : حدثنا عبد الله بن موسى، عن موسى بن عبيدة، عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الفطر ويوم النحر ، وحديث أبي سعيد سلف ، وقد قدمنا آنفا إجماع الأمة على تحريم صومهما ولا ينعقد عند عامتهم، خلافا لأبي حنيفة ; بناء على أن النهي لا يقتضي الفساد ولو نذر ناذر صيام يوم بعينه فوافق ذلك يوم فطر أو أضحى فأجمعوا أنه لا يصومهما .

واختلفوا في قضائهما، فعن مالك ثلاثة أقوال: لا قضاء، نعم، [ ص: 509 ] إلا أن يكون نوى عدمه، وبه قال الأوزاعي : لا يقضيهما إلا أن يكون نوى أن يصومهما. قال ابن القاسم : والأحب إلي أن لا قضاء إلا أن ينويه. وقال أبو حنيفة وصاحباه: يقضيهما، واختلف قول الشافعي فأثبته مرة، وبه قال الأوزاعي، ونفاه أخرى، وبه قال زفر .

والقياس المنع; لأن من نذر صوم يوم بعينه أبدا هل يدخلان؟ فإن

قلنا به فلا، لبطلانه; وإلا فهو أبعد من أن يجب عليه قضاؤه، فإن قلت: ما الحكمة في النهي عن صومهما؟ قلت: أما عيد الفطر; فلأنه إذا تطوع فيه بالصوم لم يبن المفروض من غيره، ولهذا استحب الأكل قبل الصلاة وليتحقق انقضاء زمن مشروعية الصوم.

وأما يوم النحر: ففيه دعوة الله تعالى التي دعا عباده إليها من تضييفه، وإكرامه أهل منى وغيرهم بما شرع لهم من ذبح النسك والأكل فيها، فمن صامه فقد رد على الله كرامته، نبه عليه ابن الجوزي، وقد نبه عليه البيهقي أيضا في "فضائل الأوقات" حيث قال: والمعنى في فطر الحاج هذه الأيام ما أخبرنا الحاكم أبو عبد الله، ثم ساقه إلى علي رضي الله عنه أنه سئل عن الوقوف في الجبل ولم يكن في الحرم ; قال: لأن الكعبة بيت الله والحرم باب الله، فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون، قيل: فالوقوف بالمشعر. قال: لأنه لما أذن لهم بالدخول إليه وقفهم بالحجاب الثاني: وهو المزدلفة، فلما طال تضرعهم أذن لهم بتقريب قربانهم بمنى، فلما أن قضوا تفثهم وقربوا قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم، أذن بالزيارة إليه على الطهارة.

قيل: فمن أين حرم الصيام في أيام التشريق؟ قال: لأن القوم زوار [ ص: 510 ] الله، وهم في ضيافته، ولا يجوز لضيف أن يصوم دون إذن من أضافه، قيل: فتعلق الرجل بأستار الكعبة لأي معنى هو؟ قال: هو مثل الرجل يكون بينه وبين صاحبه جناية فيتعلق بثوبه ويتصل به ويستجيره فيهب له جنايته ، ونزع أبو حنيفة وغيره إلى أنه ما يشرع غير معلل.

تنبيهات:

أحدها: قد أسلفنا الخلاف في القضاء إذا نذرهما، وعند أحمد : ينعقد ويقضي ويكفر، وعنه: يكفر من غير قضاء كفارة يمين، ونقل عنه مهنا ما يدل على أنه إن صامه صح، وقال القاضي أبو يعلى : قياس المذهب أنه لا يصح الصوم لأجل النهي.

وعن أبي حنيفة : ينعقد ويقضي بلا كفارة، فإن صام أجزأه كما سلف. وعن مالك والشافعي : لا ينعقد ولا كفارة ولا يقضي كما سلف، وفي "شرح الهداية" عن أبي يوسف : لا يصح صومهما، ولا ينعقد نذرهما، وهو رواية ابن المبارك، عن أبي حنيفة، وروى الحسن عنه: إن نذر صوم يوم النحر لا يصح وإن نذر صوم غد، وهو يوم النحر صح.

ثانيها: الملامسة والمنابذة، يأتي بيانها في: البيع -إن شاء الله تعالى - وسلفا أيضا في: الصلاة في باب: صلاة بعد الفجر .

ثالثها: جواب ابن عمر جواب من أشكل عليه الحكم فتورع عن قطع الفتيا فيه .

[ ص: 511 ] قال أبو عبد الملك : لو كان صيامه ممنوعا منه لعينه ما توقف ابن عمر فيه، وقال الداودي : المفهوم من كلامه النهي; لأن من نذر ما ليس بطاعة لا يلزم نذره، قد أمر - عليه السلام - الذي يهادى بين اثنين -وقد نذر أن يمشي- أن يركب ويمشي .

التالي السابق


الخدمات العلمية