التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1957 [ ص: 94 ] 10 - باب: التجارة في البحر

وقال مطر : لا بأس به وما ذكره الله في القرآن إلا بحق ، ثم تلا : وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله [النحل : 14] والفلك : السفن ، الواحد والجميع سواء . وقال مجاهد : تمخر السفن الريح ، ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العظام .

2063 - وقال الليث : حدثني جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل ، خرج في البحر ، فقضى حاجته . وساق الحديث . [حدثني عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث به] . [انظر : 1498 - فتح : 4 \ 299]


وقال الليث : حدثني جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رجلا من بني إسرائيل ، خرج في البحر ، فقضى حاجته . وساق الحديث .

الشرح : حديث أبي هريرة هذا سلف الكلام عليه في الزكاة في باب : ما يستخرج من البحر ووصلناه ، وما ذكره عن مطر -وهو ابن طهمان الوراق - من استدلاله بالآية حسن : لأن الله تعالى [ ص: 95 ] جعل تسخير البحر ، لعباده ; لابتغاء فضله من نعمه التي عدها لهم ، وأراهم في ذلك عظيم قدرته ، وسخر الرياح باختلافها تحملهم وترددهم ، وهذا من عظيم آياته ، ونبههم على شكره عليها بقوله : ولعلكم تشكرون وهذه الآية في سورة فاطر [فاطر : 12] ، وأما التي في النحل وهي : وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا [النحل : 14] بالواو ، وما ذكره البخاري في الفلك لائح وهو قول أكثر أهل اللغة كما قال ابن التين ، ودليله في القرآن : حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم [يونس : 22] وقال في أخرى : في الفلك المشحون [يس : 41] فأجراه مرة على حكم الجمع ، ومرة على حكم الإفراد ، وقيل : هو جمع ، والسفن : جمع سفينة .

قال ابن سيده : سميت سفينة ; لأنها تسفن وجه الماء ، أي : تقشره ، فعيلة بمعنى فاعلة ، والجمع سفان وسفن وسفين . قلت : والسفان : صاحبها ، وواحد الفلك : فلك بفتح اللام ، مثل أسد وأسد ، وتذكر وتؤنث كما قال القزاز .

وأثر مجاهد يريد به تفسير وترى الفلك فيه مواخر [فاطر : 12] والمخر في اللغة : الشق ، يقال : مخرت السفينة ، تمخر ، وتمخر إذا شقت الماء وسمعت لها صوتا ، وذلك عند هبوب الرياح . وقيل : المخر : الصوت ، والريح : تصوت السفينة ، والفلك أيضا : تصوت [ ص: 96 ] الريح ، فلعله يريد أن السفن تمخر من الريح ، وإن صغرت أي : تصوت .

والريح لا تمخر ، أي لا تصوت إلا من كبار السفن : لأنها إن كانت عظيمة صوت الريح ، فأسقط مجاهد (في) فيقرأه الفلك بالنصب ، وفي خفضه قول آخر ، ليس ببين ، وتصحيح الكلام : فلا تمخر الريح من السفن إلا العظام .

وحديث الخشبة في الذي تسلف المال وأرسله في البحر فيه إباحة التجارة فيه وركوبه .

قال الداودي : وأتى به ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليتحدث بما لا فائدة فيه ، فذكره ليتأسى به ، ويرد قول من منع ركوبه ، في إبان ركوبه وهو قول يروى عن عمر أنه كتب إلى عمرو بن العاصي يسأله عن البحر ، فقال : خلق عظيم ، يركبه خلق ضعيف ، دور على عود ، فكتب إليه عمر أن لا يركبه أحد طول حياته ، فلما كان بعد عمر لم يزل يركب حتى كان عمر بن عبد العزيز فاتبع فيه رأي عمر ، وسيأتي هذا في الجهاد في باب ركوبه إن شاء الله .

منع عمر إنما كان لشدة شفقته على المسلمين ، ولما حفر عمرو بن العاص البحر ووصله إلى عمر خرج إليه واستبشر بما حمل إليه من الميرة وغيرها ، وكان ذلك عن إذنه ، كما ذكره ابن عبد الحكم وغيره . وإذا كان الرب جل جلاله قد أباح ركوبه للتجارة ، فركوبه للحج والجهاد أجوز ،

[ ص: 97 ] ولا حجة لأحد مع مخالفة الكتاب والسنة ، وأما إذا كان إبان (إلجاجه) فالأمة مجمعة على أنه لا يجوز ركوبه ; لأنه تعرض للهلاك وقد نهى الله عباده عن ذلك بقوله : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [البقرة : 195] ، وقوله : ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما [النساء : 29] ولم يزل البحر يركب في قديم الزمان ، ألا ترى إلى ما ذكر في هذا الحديث أنه ركب في زمن بني إسرائيل ، فلا وجه لقول من منع ركوبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية