التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1975 [ ص: 153 ] 21 - باب: ما قيل في اللحام والجزار

2081 - حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش قال : حدثني شقيق ، عن أبي مسعود قال : جاء رجل من الأنصار -يكنى أبا شعيب- فقال لغلام له قصاب : اجعل لي طعاما يكفي خمسة ، فإني أريد أن أدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة ، فإني قد عرفت في وجهه الجوع . فدعاهم ، فجاء معهم رجل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن هذا قد تبعنا ، فإن شئت أن تأذن له فأذن له ، وإن شئت أن يرجع رجع" . فقال : لا ، بل قد أذنت له . [2456 ، 5434 ، 5461 - مسلم: 2036 - فتح: 4 \ 312]


ذكر فيه حديث الأعمش حدثني شقيق ، عن أبي مسعود وهو عقبة بن عمرو البدري قال : جاء رجل من الأنصار -يكنى أبا شعيب- فقال لغلام له قصاب : اجعل لي طعاما يكفي خمسة ، فإني أريد أن أدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة ، فإني قد عرفت في وجهه الجوع . فدعاهم ، فجاء معهم رجل ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن هذا قد تبعنا ، فإن شئت أن تأذن له ، وإن شئت أن يرجع رجع" . فقال : لا ، بل قد أذنت له .

وفي لفظ : "قد اتبعنا" . ولما رواه النسائي من حديث شعبة عن الحكم ، عن أبي وائل قال : هذا خطأ ، وليس هذا من حديث الحكم إنما هو من حديث الأعمش .

وإنما صنع طعام خمسة ; لعلمه أنه - عليه السلام - يتبعه من أصحابه غيره ، فوسع في الطعام لكي يبلغ - عليه السلام - شبعه .

وفيه من الأدب : أن لا يدخل المدعو مع نفسه غيره .

[ ص: 154 ] وفيه : كراهة طعام الطفيلي ; لأنه مقتحم غير مأذون له . وقيل : إنما استأذن الشارع ; لأنه لم يكن بينه وبين القصاب الذي دعاه من الوئام والمودة ما كان بينه وبين أبي طلحة ، إذ قام هو وجميع من معه ، وقد قال تعالى أو صديقكم [النور : 61] .

وفيه : الشفاعة حيث شفع للرجل عند صاحب الطعام بقوله : "إن شئت أن تأذن له" .

وفيه : الحكم بالدليل ; لقوله : (فإني عرفت في وجهه الجوع) .

وفيه : أكل الإمام والعالم والشريف طعام الجزار ، وإن كان في الجزارة شيء من الضعة ; لأنه يمتهن فيها نفسه ، وإن ذلك لا ينقصه ولا يسقط شهادته إذا كان عدلا .

وفيه : مؤاكلة القصاب وهو الجزار . والقصاب : الجزار ، قاله صاحب "العين" .

وقال القرطبي : اللحام هو الجزار ، والقصاب على قياس قولهم : عطار وتمار للذي يبيع ذلك .

ومعنى (خامس خمسة) : أحد خمسة .

وفيه : دلالة على ما كانوا عليه من شدة العيش ليوفى لهم الأجر ، وهذا التابع كان ذا حاجة وفاقة وجوع .

واستئذان صاحب الدعوة بيان لحاله وتطييب لقلبه ولقلب المستأذن ، ولو أمره بإدخاله معهم لكان له ذلك ، فإنه كان - عليه السلام - قد أمرهم بذلك حيث قال :

[ ص: 155 ] "طعام الاثنين كافي الثلاثة" .

وقال : "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، أو رابع فليذهب بخامس" ، والوقت كان وقت فاقة وشدة ، وكانت المواساة واجبة إذ ذاك ، ومع ذلك استأذن تطييبا لقلبه وبيانا للمشروعية في ذلك ، إذ الأصل أن لا يتصرف في ملك أحد إلا بإذنه .

ويستحب لصاحب الطعام أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة .

ونقل ابن التين عن الداودي : جائز أن يقول : خامس خمسة ، وخامس أربعة ، قال تعالى ثاني اثنين [التوبة : 40] .

واعلم أن البخاري بوب لهذا في كتاب : الأطعمة ، باب : الرجل يتكلف الطعام لإخوانه ، ولم يترجم كذلك لحديث أبي طلحة ، والسر فيه كما قال ابن المنير أن هذا قال لغلامه : اصنع لي طعاما لخمسة فكانت نيته في الأصالة التحديد : ولهذا لم يأذن الشارع للسادس حتى لو أذن له ، وقد عرف أن التحديد (بحد) ينافي البركة ، والاسترسال الذي فعله أبو طلحة يلائم البركة ، والتحديد [ ص: 156 ] في الطعام حال التكلف ، أو علم أن أبا طلحة لا يكره ذلك ، أو نقول : إنما أطعم هؤلاء من بركته لا من طعام أبي طلحة ، أو نقول : إنه لما أرسله إليه لم يبق له فيه حق ، والذي دعا إلى منزله في العرف إذا بقي شيء يكون لصاحب المنزل ; فلذلك استأذنه .

وفيه : إخبار الغلام الوجه الذي يصنع له .

وفيه : نظرهم إلى وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; ليعرفوا ما فيه من جزع أو سرور أو غيره ; لقوله : (قد عرفت في وجهه الجوع) .

وفيه : أنه - عليه السلام - كان يجوع أحيانا ليعظم أجره ، ويطعم أحيانا .

وفيه : صنيعهم الطعام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإجابته إليه ، ومضيه بمن دعي معه لما فيه من النفع للفريقين والأجر ، ولأنه كان يأمر بإجابة دعوة المسلم .

وفيه : استئذانه له من غير عزيمة .

وفيه : استخباره من الذين معه ، ولعله عذره لما يخشى من ألم جوعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية