التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1981 [ ص: 177 ] 26 - باب: يمحق الله الربا ويربي الصدقات [البقرة : 276]

2087 - حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، قال ابن المسيب : إن أبا هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الحلف منفقة للسلعة ، ممحقة للبركة" . [مسلم : 1606 - فتح: 4 \ 315]


ذكر حديث أبي هريرة : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "الحلف منفقة للسلعة ، ممحقة للبركة" .

معنى يمحق الله الربا : ينقصه شيئا بعد شيء ، من محاق الشهر ; لنقصان الهلال فيه . ويربي الصدقات يضاعف أجرها وعدا منه ، أو ينمي المال الذي أخرجت منه .

والله لا يحب كل كفار أثيم أي : لا يحب كل مصر على كفر مقيم عليه مستحل أكل الربا أو إطعامه .

(أثيم) متماد في الإثم يريد فيما نهاه عنه من أكل الربا والحرام وغير ذلك من معاصيه ، لا يزجر عن ذلك ولا يرعوي عنه ، ولا يتعظ بموعظة ربه .

قال المهلب : سئل بعض العلماء عن معنى هذه الآية ، وقيل له : نحن نرى صاحب الربا يربو ماله ، وصاحب الصدقة ربما كان مقلا! قال : معنى ويربي الصدقات : أي : الصدقة يجدها صاحبها مثل أحد يوم القيامة ، فكذلك صاحب الربا يجد عمله ممحوقا ، إن تصدق منه أو وصل رحمه لم يكتب له بذلك حسنة ، وكان عليه إثم الربا بحاله .

وقالت طائفة : إن الربا يمحق في الدنيا والآخرة على عموم اللفظ ، احتجوا لذلك بحديث الباب ، فلما كان نفاقها بالحلف الكاذبة في الدنيا ، كان محق البركة فيها في الدنيا .

[ ص: 178 ] وذكر عبد الرزاق عن معمر قال : سمعنا أنه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى يمحق . وروى الطبري في "تفسيره" من حديث ابن مسعود مرفوعا : "الربا وإن كثر فإلى قل" وقيل : إن تصدق منه فلا يقبل ; فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن صرف في سبيل الخير لم ينفعه ، وربما محقه في الدنيا وتبقى تبعاته .

وقيل : يهلك وتذهب بركته ، ومحقه الله فامتحق . وحديث الباب أخرجه مسلم أيضا ، وذكره كالتفسير للآية ، فيقال : كيف يجتمع المحاق والزيادة ؟ فبين الحديث أن اليمين مزيدة في الثمن ، وممحقة للبركة منه ، والبركة أمر زائد على العدد ، فتأويل قوله : يمحق الله الربا [البقرة : 276] أي : يمحق البركة منه -كما سلف- وإن كان عدده باقيا على ما كان .

وفي أفراد مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعا : "إياكم وكثرة الحلف ، فإنه ينفق ثم يمحق" .

[ ص: 179 ] و"ممحقة" بفتح الميم وكسر الحاء ويصح فتحها ، قال صاحب "المطالع" : كذا قيد القاضي أبو الفضل ، والذي أعرف بفتحها .

و"منفقة" بفتح الميم كما قيد ابن التين ; لأنها مفعلة من نفق ومحق ، وعن ابن فارس : ويقال : المحقة ، وهو رديء ، وضبطهما النووي بفتح أولهما وثالثهما وسكون ثانيهما . ويقال : نفق البيع ينفق نفاقا : كثر الراغب .

و"الحلف" : اليمين بإسكان اللام وكسرها ، ذكره ابن فارس ، وهي اليمين الكاذبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية