التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1986 [ ص: 196 ] 30 - باب: ذكر الخياط

2092 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : إن خياطا دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعه ، قال أنس بن مالك : فذهبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك الطعام ، فقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبزا ومرقا فيه دباء وقديد ، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء من حوالي القصعة -قال : - فلم أزل أحب الدباء من يومئذ . [5379 ، 5420 ، 5433 ، 5435 ، 5436 ، 5437 ، 5439 - مسلم: 2041 - فتح: 4 \ 318]


ذكر فيه حديث أنس : إن خياطا دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعه ، قال أنس : فذهبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك الطعام ، فقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبزا ومرقا فيه دباء وقديد ، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء من حوالي القصعة -قال : - فلم أزل أحب الدباء من يومئذ .

وفي لفظ : فجعلت ألقيه إليه . هذا الحديث يأتي في الأطعمة أيضا ، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي في الأطعمة ، وقال : حسن صحيح ، والنسائي في الوليمة .

وفيه : جواز أكل الشريف طعام الخياط والصائغ وإجابته إلى دعوته .

[ ص: 197 ] وفيه : مؤاكلة الخدم وأن المؤاكل لأهله وخدمه مباح له أن يتبع شهوته حيث رآها إذا علم أن ذلك لا يكره منه وإذا لم يعلم ذلك فلا يأكل إلا مما يليه . وقد سئل مالك عن ذلك فأجاب بهذا الجواب .

وفيه : دليل على جواز الإجارة خلافا لمن لا يعتد به ; لأنها ليست بأعيان مرئية ولا صفات معلومة .

وفي صنعة الخياطة معنى ليس في سائر ما ذكره البخاري من ذكر القين والصائغ والنجار ; لأن هؤلاء إنما تكون منهم الصنعة المحضة فيما يستصنعه صاحب الحديد والخشب والذهب والفضة وهي أمور من الصنعة يوقف على حدها ولا يختلط بها غيرها ، والخياط إنما يخيط الثوب في الأغلب بخيوط من عنده فيجتمع إلى الصنعة الآلة ، واحد منهما معناه التجارة والآخر الإجارة ، وحصة أحدهما لا تتميز عن الأخرى ، وكذلك هذا في الخراز والصباغ إذا كان يخرز بخيوطه ويصبغ هذا بصبغه على العادة المعتادة فيما بين الصناع ، وجميع ذلك فائدة في القياس ; لأن الشارع وجدهم على هذه العادة أول زمن الشريعة فلم يغيرها إذ لو طولبا بغيرها شق عليهم فصار بمعزل ، والعمل به ماض صحيح لما به من الإرفاق ، قاله أجمع الخطابي .

وفيه : تواضعه - صلى الله عليه وسلم - إذ أجاب دعوة الخياط وشبهه ، وقد اختلف في إجابة الدعوة هل هي على الوجوب أو على الندب ؟

والأظهر عندنا أنها في العرس واجبة .

وفيه : إتيانه منازل أصحابه .

[ ص: 198 ] وفيه : الائتمار بأمرهم ، وقد قال شعيب - عليه السلام - : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه [هود : 88] فتأسى به في الإجابة .

وفيه : الإجابة إلى الثريد ، وهو خير الطعام . والدباء -ممدود- : القرع ، جمع دباءة ، وفيه لغة بالقصر ، وأنكرها القرطبي .

ووقع في "شرح المهذب" أنه القرع اليابس . والخبر الذي جاء به الخياط كان من شعير -كما ذكره الإسماعيلي- وإنما تتبعه من حوالي القصعة لأن الطعام كان مأكلا مختلفا ، فكان يأكل مما يعجبه منه وهو الدباء ويترك ما لا يعجبه وهو القديد .

قال ابن التين : وفيه : جواز ذلك إذا أكل مع خادمه إذا كان في القصعة شيء مفرد . وحديث : "كل مما يليك" ; لأنه لم يكن معه خادمه ، وكان في القصعة شيء متماثل .

وقول أنس : (فلم أزل أحبها من يومئذ) حقيق أن يحب ما أحب نبيه .

وقوله : (من حوالي القصعة) : يقال : رأيت الناس حوله وحوليه وحواله وحواليه ، والجمع أحوال . وإلقاء أنس له الدباء دليل على جواز مناولة الضيفان بعضهم بعضا ، ولا نكير على فاعله ، نعم ، المكروه أن يتناول شيئا من أمام غيره أو من مائدة أخرى ، فقد كرهه ابن المبارك ، ويأتي في الأطعمة -إن شاء الله تعالى- كما نبهنا عليه .

[ ص: 199 ] فائدة : كان أيوب خياطا . وأول من خاط الثياب ولبسها إدريس - عليه السلام - ، وكانوا قبله يلبسون الجلود . وسيأتي أن إبراهيم كان عطارا ، وأن زكريا كان نجارا . وأجر موسى نفسه على الرعي صلى الله وسلم عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية