التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1989 2095 - حدثنا خلاد بن يحيى ، حدثنا عبد الواحد بن أيمن ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه ؟ فإن لي غلاما نجارا . قال : " إن شئت" . قال : فعملت له المنبر ، فلما كان يوم الجمعة قعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر الذي صنع ، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق ، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أخذها فضمها إليه ، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت . قال : "بكت على ما كانت تسمع من الذكر" . [انظر : 449 - فتح: 4 \ 319]


ذكر فيه حديث أبي حازم قال : أتى رجال سهل بن سعد يسألونه عن المنبر ، فقال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى فلانة -امرأة قد سماها سهل- : "مري غلامك النجار ، يعمل أعوادا أجلس عليهن" . . الحديث .

وحديث جابر : أن امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله ، ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه ؟ فإن لي غلاما نجارا . . الحديث .

وقد سلفا في الجمعة ، وظاهرهما التعارض ; فإن في الأول : أنه - عليه السلام - بعث إليها ، وفي الثاني : أنها قالت ذلك ، فيجوز أن يكون أرسل [ ص: 203 ] إليها بذلك ثم أرسلت فقالت ، أو تكون ابتدأته ، ثم بعث إليها أن مريه ، فحفظ كل واحد بعض القصة .

وكان اتخاذه سنة سبع ، وقيل : سنة ثمان . حكاه ابن التين عن الشيخ أبي محمد . وكان من طرفاء الغابة ، وصانعه غلام لسعد بن عبادة ، قاله مالك ، أو غلام العباس ، أو غلام امرأة من الأنصار أو غير ذلك كما سلف في موضعه . قال ابن فارس : ناقة طرفة : ترعى أطراف المراعي ولا تختلط بالنوق ، والطرفاء : شجرة معروفة .

وقوله : (فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها) : كذا هنا . وفي لفظ : (حنت حنين الناقة التي فارقت ولدها) . وفي آخر (سمع للجذع مثل أصوات العشار) ، وقد أسلفنا أنه نزل فضمه ، وقال : "لو لم أضمه لحن إلى قيام الساعة" .

وفيه : رد على القدرية ; لأن الصياح ضرب من الكلام ، وهم لا يجوزون الكلام إلا من حي ذي فم ولسان ، كأنهم لم يسمعوا قوله : وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا الآية [فصلت : 21] .

و (تئن) : بكسر الهمزة ، يقال : أن يئن أنينا وأنانا : بكت على ما كانت تسمع من الذكر .

[ ص: 204 ] وقوله : (حتى استقرت) : أي سكنت ، من قر يقر ، إذا سكن . وفيه معنى آخر أي : قل صوتها شيئا فشيئا حتى سكنت .

وفيه : أن الأشياء التي لا روح لها تعقل ، إلا إنها لا تتكلم حتى يؤذن لها . وإنما كان عليه أفضل الصلاة والسلام يقبل هدايا أصحابه ويأكل معهم ويستوهب منهم ; لأنه أب لهم رحيم بهم رفيق . وأطيب ما أكل الرجل من كسب يده وولده من كسبه .

ومنه قول لوط صلوات الله وسلامه عليه : هؤلاء بناتي [هود : 78] أي : أيامى نساء أمتي ، قاله مجاهد ، وهو حسن ، أو كان في شرعه تزويج الكافر المسلمة ، أو هؤلاء بناتي إن أسلمتم . وقال عكرمة : أراد انصرافهم ولم يعرض عليهم شيئا لا بناته ولا بنات أمته .

وقوله ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم [النور : 61] ، ولم يذكر بيوت الأبناء ; لأنها داخلة في بيوتكم .

وفيه : المطالبة بالوعد ، والاستنجاز فيه ، وتكليف سيد العبد ما يفعله العبد ، ولا يسأل عن طيب نفس العامل بما علم وكلام ما لا يعرف له كلام : الجمادات وشبهها كما سلف ، وكانت هذه آية معجزة أراد الله تعالى أن يريها عباده ليزدادوا إيمانا ، وما جرى على مجرى الإعجاز فهو خرق للعادات .

قال ابن بطال : وأما نحن بيننا فلا يجوز كلام الجمادات إلينا .

قلت : لا امتناع في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية