التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1991 [ ص: 206 ] 34 - باب: شراء الدواب والحمير

وإذا اشترى دابة أو جملا وهو عليه ، هل يكون ذلك قبضا قبل أن ينزل ؟ وقال ابن عمر : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر : " بعنيه" . يعني جملا صعبا .

2097 - حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا عبيد الله ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ، فأبطأ بي جملي وأعيا ، فأتى علي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " جابر ؟ " . فقلت : نعم . قال : " ما شأنك ؟ " . قلت : أبطأ علي جملي وأعيا فتخلفت . فنزل يحجنه بمحجنه ، ثم قال : "اركب" . فركبت ، فلقد رأيته أكفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "تزوجت ؟ " . قلت : نعم . قال : "بكرا أم ثيبا ؟ " . قلت : بل ثيبا . قال : "أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ؟ ! " . قلت : إن لي أخوات ، فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن ، وتمشطهن ، وتقوم عليهن . قال : "أما إنك قادم ، فإذا قدمت فالكيس الكيس" . ثم قال : "أتبيع جملك ؟ " . قلت نعم . فاشتراه مني بأوقية ، ثم قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلي ، وقدمت بالغداة ، فجئنا إلى المسجد ، فوجدته على باب المسجد ، قال : "الآن قدمت ؟ " . قلت : نعم . قال : "فدع جملك ، فادخل فصل ركعتين" . فدخلت فصليت ، فأمر بلالا أن يزن له أوقية . فوزن لي بلال ، فأرجح في الميزان ، فانطلقت حتى وليت فقال : "ادع لي جابرا" . قلت : الآن يرد علي الجمل ، ولم يكن شيء أبغض إلي منه . قال : "خذ جملك ولك ثمنه" . [انظر : 443 - مسلم: 715 - فتح: 4 \ 320]


ثم ساق حديث جابر في بيع الجمل .

[ ص: 207 ] حديث جابر هذا أخرجه البخاري في نحو عشرين موضعا ستمر بك إن شاء الله ، وسلف منها : الصلاة إذا قدم من سفر ، وبعضه في الحج .

في حديث عمر : ركوب الجمل الصعب ; لأنه بين بعد في باب : إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته ، أن ابن عمر كان راكبا عليه ; فلذلك بوب عليه هنا .

وقول جابر : (كنت في غزوة) .

فيه : ذكر العمل الصالح ليأتي بالأمر على وجهه لا يريد فخرا .

وقوله : "ما شأنك ؟ " .

فيه : تفقد لأحوال صحابته وذكرهم له ما ينزل بهم عند سؤاله .

وقوله : (فتخلفت فنزل يحجنه بمحجنه) : فيه نزول الشارع لأصحابه .

ومعنى يحجنه : يضربه بالمحجن -بكسر الميم- عصا محنية الرأس كالصولجان .

وقال ابن فارس : خشبة في طرفها انعقاف ، واحتجنت بها الشيء .

وفيه : ضرب الدواب .

وقوله : (أكفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) .

فيه : توقيره ، وهو واجب من غير شك .

وقوله : "أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك" .

[ ص: 208 ] فيه : حض على تزويج البكر ، وعلى ما هو أقرب لطول الصحبة والمودة وما تستريح إليه النفوس ; لما فيها من طبع البشرية والضعف ، وقيل : معنى تلاعبها : من اللعاب لا اللعب ، يؤيده رواية البخاري فيموضع آخر : "فأين أنت من الأبكار ولعابها " بضم اللام كما قيده المستملي .

وقوله : " إنهن أطيب أفواها" .

وفيه : اعتذار جابر بأخواته .

وقوله : "أما إنك قادم " : يحتمل أن يكون إعلاما وإن قدمت ، قاله الداودي . و"الكيس الكيس" أي : الجماع ، كما قاله ابن الأعرابي ; لما فيه . والغسل من الأجر والكيس : العقل جعل طلب الولد عقلا . وفي البخاري في موضع آخر الكيس : الولد ، ولعله حضه على طلب الولد واستعمال الكيس والرفق فيه إذا كان لا ولد له إذ ذاك ، وقيل : أمره أن يتحفظ لئلا تكون حائضا . والكيس : شدة المحافظة على الشيء ، وقيل : حضه على الولد ; ليكثر الإسلام ويعملوا بشرائعه .

وفيه : سؤال رب السلعة للبيع وإن لم يعرضها له .

وفيه : وزن ما يباع به : لقوله : "بأوقية" .

وفيه : الاستعجال للمقدوم .

وقوله : (وقدمت بالغداة) ، أي : غداة اليوم الذي قدم فيه - عليه السلام - .

[ ص: 209 ] وقوله : (فوزن لي أوقية) هكذا هو بالألف ، وادعى ابن التين أنه وقع بدونها .

وفيه : التوكيل في القضاء ، قاله الداودي .

وفيه : الرجحان في الوزن ، ولعله كان يأمره الوكيل ، والوكيل لا يرجح إلا بالإذن . ومذهب مالك والشافعي والكوفيين : أن الزيادة في البيع من البائع والمشتري والحط من الثمن يجوز ، سواء قبض الثمن أم لا ، على حديث جابر ، وهي عندهم هبة مستأنفة . وقال ابن القاسم : هبة ، فإن وجد بالمبيع عيبا رجع بالثمن في الهبة . وقال أبو حنيفة : إن كانت الزيادة فاسدة لحقت بالعقد وأفسدته ، وخالفه صاحباه .

وقال الطحاوي : لا تجوز الزيادة في البيع . وترك أصحابنا فيه القياس ، ورجعوا إلى حديث جابر ، وسنوضح ذلك في باب : استقراض الإبل .

واختلفوا في أحكام الهبة فعند مالك : أنها تجوز وإن لم تقبض .

وعند الشافعي والكوفيين : لا تجوز حتى تقبض ، كما ستعرفه في أحكامها في بابه .

[ ص: 210 ] وفيه : جواز هبة المبتاع ورد ما اشتراه ، وكذا فعل في جمل عمر كما سيأتي .

وقد اختلف أهل العلم في البيع هل القبض شرط في صحته أم لا ؟

على قولين : أحدهما : لا ، وأن البيع يتم بالقول غير الربوي ، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق .

وثانيهما : نعم ، وإنه من تمام العقد ، فإن تلف قبل قبضه فمن ضمان بائعه . قال ابن المنذر : وقد وهب الشارع الجمل من جابر قبل أن يقبضه ، وإذا جاز أن يهبه المشتري للبائع قبله ، جاز أن يهبه لغيره وجاز بيعه ، وأن يفعل فيما اشتراه ما يفعله المالك فيما ملكه ، وليس مع من خالف هذا سنة يدفع بها هذه السنة الثابتة .

التالي السابق


الخدمات العلمية