التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1993 [ ص: 212 ] 36 - باب: شراء الإبل الهيم أو الأجرب

الهائم : المخالف للقصد في كل شيء .

2099 - حدثنا علي ، حدثنا سفيان ، قال عمرو : كان ها هنا رجل اسمه نواس ، وكانت عنده إبل هيم ، فذهب ابن عمر رضي الله عنهما فاشترى تلك الإبل من شريك له ، فجاء إليه شريكه فقال : بعنا تلك الإبل . فقال : ممن بعتها ؟ قال : من شيخ ، كذا وكذا . فقال : ويحك ذاك -والله- ابن عمر . فجاءه فقال : إن شريكي باعك إبلا هيما ، ولم يعرفك . قال : فاستقها . قال : فلما ذهب يستاقها فقال : دعها ، رضينا بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا عدوى" . سمع سفيان عمرا . [2858 ، 5093 ، 5094 ، 5753 ، 5772 - مسلم: 2225 - فتح: 4 \ 321]


حدثنا علي بن عبد الله ، ثنا سفيان قال : قال عمرو : كان ها هنا رجل أسمه نواس ، وكانت عنده إبل هيم ، فذهب ابن عمر فاشترى تلك الإبل من شريك له ، فجاء إليه شريكه فقال : بعنا تلك الإبل . فقال : ممن بعتها ؟ قال : من شيخ ، كذا وكذا . فقال : ويحك -والله- ذاك ابن عمر . فجاءه فقال : إن شريكي باعك إبلا هيما ، ولم يعرفك . قال : فاستقها ، فلما ذهب يستاقها قال : دعها ، قد رضينا بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا عدوى" . سمع سفيان عمرا .

هذا السياق تفرد به البخاري .

وقوله : (سمع سفيان عمرا) ، هو كما قال ، وقد قال عبد الله بن الزبير الحميدي : حدثنا سفيان ، ثنا عمرو بن دينار ، وزاد : وكان نواس يجالس ابن عمر وكان يضحكه ، فقال يوما ; وددت أن لي أبا قبيس ذهبا .

فقال له ابن عمر : ما تصنع به ؟ قال : أموت عليه ، فضحك [ ص: 213 ] ابن عمر .

إذا عرفت ذلك فالكلام عليه من أوجه :

أحدها : (نواس) بفتح النون وكسرها ، قال صاحب "المطالع" : عند الأصيلي ، والكافة نواس ، وعند القابسي : نواس بكسر النون وتخفيف الواو ، وعند بعضهم : نواسي .

ثانيها : (الإبل) -بكسر الباء والتخفيف- اسم واحد يقع على الجميع ليس بجمع ولا باسم جمع ، إنما هو دال عليه ، وجمعها : إبال .

وعن سيبويه : إبلان ، ذكره في "المخصص" .

والهيم : هي التي أصابها الهيام : داء لا تروى معه من الماء ، بضم الهاء وبالكسر اسم الفعل ومنه قوله تعالى شرب الهيم [الواقعة : 55] وقيل : في الآية غير هذا ، وقيل : هو داء يكون معه الجرب ; ولهذا ترجم عليه البخاري ، ويدل عليه قول ابن عمر حين تبرأ إليه بائعها من عيبها : رضيت بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا عدوى" وقيل : الهيم جمع الأهيم والهيماء ، قال ذلك الخطابي وهو : العطشان الذي لا يروى ، قال : ولا أعرف للعدوى في الحديث معنى ، إلا أن تكون إذا رعت مع سائر الإبل وتركت معها ظن بها العدوى ، وقد تكون من الهيام : وهو جنون يصيبها فلا تلزم القصد في سيرها .

قلت : للعدوى معنى ظاهر ; ولذلك قال ابن عمر : رضيت بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صحة هذا البيع ، على ما فيه من التدليس والعيب ولا عدوى عليك ولا عليه ، ولا أرفعكما إلى حاكم ولا ظلم ولا اعتداء .

[ ص: 214 ] وعبارة ابن سيده : الهيام : داء يصيب الإبل عن بعض المياه بتهامة يصيبها مثل الحمى . وقال الهجري : هو داء يصيبها عن شرب النجل إذا كثر طحلبه واكتنفت به الذبان ، جمع ذباب بضم الذال . قلت : وفي "نوادره" : الهيام : من أدواء الإبل مجرور الهاء ، وكل الأدواء بضم أولها ، ثم أوضحه أكثر مما ذكره عنه ابن سيده وواحد الهيم أهيم ، وهيماء في المؤنث .

وقول البخاري : (والهائم المخالف للقصد في كل شيء) : أي : يهيم ، يذهب على وجهه . واعترض ابن التين فقال : ليس الهائم واحد الهيم ، فانظر لم أدخل البخاري هذا في تبويبه ؟

قلت : وجهه لائح ، فإن الإبل الهيم لما كانت تخالف القصد في قيامها وقعودها ودورها مع الشمس كالحرباء ، كالرجل الهائم العاشق . قال ذلك . ولم يذكر ابن بطال غير قول صاحب "العين" : الهيام كالجنون ، ويقال : الهيوم أن يذهب على وجهه ، والهيمان : العطشان . وقال الهروي : هيم ، أي : مراض تمص الماء مصا فلا تروى ، وقيل : لا تروى حتى تموت به . وكذا قال الداودي : التي لا تشرب من الماء إلا قليلا وهي عطاش ، ومنه فشاربون شرب الهيم [الواقعة : 55] أي : لأنه كالمهل يشوي الوجوه [الكهف : 29] فهم عطاش أبدا .

[ ص: 215 ] ثالثها : كلمة : (ويح) للرحمة ، كما قاله ابن سيده ، وقيل : ويحه كويله ، وقيل : ويح تقبيح ، وفي "المجمل" عن الخليل : لم يسمع على بنائه إلا ويس وويه وويل وويك . وعن سيبويه : ويح : كلمة زجر لمن أشرف على الهلكة ، وقيل : لمن وقع فيها ، وكذا فرق الأصمعي بين ويح وويل فقال : ويل تقبيح ، وويح ترحم ، وويس تصغيرها . وفي "التهذيب" : ويح : كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها ; بخلاف ودل : فإنها للذي يستحقها .

وقوله : (فاستقها) ، يحتمل أن يكون قاله مجمعا على رد المبيع أو مختبرا هل الرجل مغتبط بها أم لا ؟

وفيه من الفقه : شراء المعيب وبيعه إذا كان البائع قد عرف [عيبه] ورضيه (المشتري) .

وليس ذلك من الغش إذا بين له . وأما ابن عمر فرضي بالعيب والتزمه ، فصحت الصفقة فيه . وفيه : تجنب ظلم الصالح ; لقوله : ويحك ذاك ابن عمر .

ومعنى "لا عدوى" ، في الحديث هي ما كانت الجاهلية تعتقده ، ويجوز أن يكون من الاعتداء وهو العدوان والظلم ، وحديث : "لا يورد ممرض على مصح" خشية أن يصيب المصح شيء فيظن أنه منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية