التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1995 [ ص: 220 ] 38 - باب: في العطار وبيع المسك

2101 - حدثني موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا أبو بردة بن عبد الله قال : سمعت أبا بردة بن أبي موسى ، عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كمثل صاحب المسك وكير الحداد ، لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه ، أو تجد ريحه ، وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك ، أو تجد منه ريحا خبيثة" .


ذكر فيه حديث أبي موسى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كمثل صاحب المسك وكير الحداد ، لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه ، أو تجد ريحه ، وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك ، أو تجد منه ريحا خبيثة" .

هذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في الذبائح ، والمسك طاهر بالإجماع ، ولا عبرة بخلاف الشيعة أن أصله دم .

قال ابن بطال : واختلف فيمن استحب المسك ومن كرهه ، والحديث حجة على الجواز ; لأنه - عليه السلام - ضرب مثل الجليس الصالح بصاحب المسك ، وأخبر بعادة الناس في شرائه ورغبتهم في شمه ، ولو لم يجز شراءه لبينه ، وقد حرم الله بيع الأنجاس واستعمال روائح الميتة ، فلا معنى لقول من كرهه ، وإنما خرج كلامه - عليه السلام - في هذا الحديث على المثل في النهي على مجالسة من يتأذى بمجالسته ، كالمغتاب والخائض في الباطل ، والندب إلى مجالسة من ينال في مجالسته الخير ، من ذكر الله وتعلم العلم وأفعال البر كلها ، وقد روي [ ص: 221 ] عن إبراهيم الخليل أنه كان عطارا ، فيما ذكره ابن بطال .

ووجه إدخاله هذا الحديث في الذبائح ; ليدل على تحليله ; إذ أصله التحريم ; لأنه دم فلما تغير عن الحالة المكروهة من الدم وهي الزهم وقبح الرائحة صار حلالا بطيبها ، وانتقلت حاله ، وكانت حاله كحال الخمر ، فتحل بعد أن كانت حراما بانتقال الحال . وأصل هذا في كتاب الله تعالى في قصة موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى قال خذها [طه : 20 ، 21] فحكم لها بما انتقلت إليه ، وأسقط عنها حكم ما انتقلت عنه .

وحديث الباب حجة في طهارة المسك ; لأنه لا يجوز حمل النجاسة في الصلاة ولا يأثم بذلك ; فدل على طهارته ، وممن أجاز الانتفاع به : علي ، وابن عمر ، وأنس ، وسلمان الفارسي ، ومن التابعين : سعيد بن المسيب ، وابن سيرين ، وجابر بن زيد ، ومن الفقهاء :

[ ص: 222 ] الليث والأربعة وإسحاق .

وممن خالف في ذلك عمر فيما ذكره ابن أبي شيبة ، أنه كره المسك وقال : لا تحنطوني به ، وكرهه عمر بن عبد العزيز ، وعطاء ، والحسن ، ومجاهد ، والضحاك ، وعن أكثرهم : لا يصلح للحي ولا للميت ; لأنه ميتة ، وهو عندهم بمنزلة ما قطع من الميتة ولا يصح ذلك إلا عن عطاء ، كما قاله ابن المنذر ، والذي رأيته في "المصنف" عنه خلافه : إذ سئل : أطيب الميت بالمسك ؟ قال : نعم ، أوليس تجعلون في الذي تجمرونه المسك . ثم ما قالوه قياس غير صحيح ; لأن ما قطع من الحي يجري فيه الدم وليس هذا سبيل نافجة المسك ; لأنها تسقط عند الاحتكاك كسقوط الشعر ، وهو في معنى الجبن والبيض واللبن .

[ ص: 223 ] وفي أفراد مسلم من حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المسك أطيب الطيب" وهو نص يقطع الخلاف .

وفي "سنن أبي داود" . كان له سكة يتطيب بها . وقال ابن المنذر : روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد جيد : أنه كان له مسك يتطيب به .

وذكره البخاري هنا بلفظ "يحذيك" يعني : يعطيك . تقول العرب : حذوته وأحذيته ، إذا أعطيته ، والاسم الحذيا مقصور .

وفيه : الحض على صحبة الصالح وتجنب الجليس السوء ، كما سلف .

وفي الحديث : "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" .

[ ص: 224 ] وفيه : جواز اشتراء المسك وهو إجماع .

والكير : الموضع الذي يجمع فيه الحداد ، قاله الداودي . وقيل : الفرن المبني ، وقيل : الزق الذي ينفخ فيه .

وقوله : ("لا يعدمك") بفتح الياء أي : لا يعدوك . قال ابن فارس : ليس يعدمني هذا الأمر . أي : ليس يعدوني ، وضبط في أصل الدمياطي بضم أوله وكسر ثالثه .

قال ابن التين : وهو ما ضبط هنا .

وفيه : إباحة المقايسات في الدين ، استنبطه ابن حبان في "صحيحه" .

فائدة : المسك مذكر ، ومن أنثه ذهب إلى رائحته ، وذكر المسعودي في "مروجه" أصله .

التالي السابق


الخدمات العلمية