التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
1999 2105 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب ، فلم يدخله ، فعرفت في وجهه الكراهية ، فقلت : يا رسول الله ، أتوب إلى الله وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ماذا أذنبت ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما بال هذه النمرقة ؟ " . قلت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون ، فيقال لهم : أحيوا ما خلقتم" . وقال : " إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة" . [3224 ، 5181 ، 5957 ، 5961 ، 7557 - مسلم: 2107 - فتح : 4 \ 325]


ذكر فيه حديث ابن عمر في إرسال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه الحلة الحرير .

وحديث عائشة في النمرقة .

والحديثان في مسلم ، وللبخاري في الأول في طريق آخر :

[ ص: 228 ] "لتبيعها أو لتكسوها" . وقالا : حلة سيراء . وفي الثاني : فأخذتها فجعلتها مرفقتين يرتفق بهما في البيت . وفي رواية : (قراما) بدل : (نمرقة) . والقرام : ثوب صوف ملون كما قال الخليل ، والنمرقة : جمعها نمارق ، وهي الوسادة . قال ابن التين : ضبطناها في الكتب بفتح النون وضم الراء ، وضبطه ابن السكيت بضمهما وبكسرهما ، ونمرق بغير هاء ، قال : وذكرها القزاز بفتح النون وضم الراء ولم يضبطها ، وقيل : هي المجالس ولعلها الطنافس . وضبطها في "المحكم" بضمهما وبكسرهما ، ثم قال : قيل : التي يلبسها الرحل .

وفي "الجامع" : نمرق تجعل تحت الرحل . وقال الجوهري : هي وسائد صغيرة ، وربما سموا الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة . عن أبي عبيد : والسيراء برود يخالطها حرير ، قاله صاحب "العين" ، وقد سلف الكلام عليها في الجمعة .

إذا تقرر ذلك :

فالتجارة فيما يكره لبسه جائزة إذا كان في البيع منفعة لغير اللابس ، بخلاف ما لا منفعة فيه مطلقا ، فإنه من أكل المال بالباطل .

[ ص: 229 ] وأما بيع الثياب التي فيها الصور المكروهة فظاهر حديث عائشة أن بيعها لا يجوز ; لكن قد جاءت آثار مرفوعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على جواز بيع ما يوطأ ويمتهن من الثياب التي فيها الصور ، منها ستر عائشة سهوة لها بستر فيه تصاوير ، فهتكه - عليه السلام - ، فجعلته قطعتين فاتكأ - عليه السلام - على إحداهما ، رواه وكيع عن أسامة بن زيد ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عنها : وإذا تعارضت الآثار فالأصل الإباحة حتى يرد الحظر ، ويحتمل أن يكون معنى حديث عائشة في النمرقة -لو لم يعارضه غيره- محمولا على الكراهة دون التحريم ، بدليل أنه - عليه السلام - لم يفسخ البيع في النمرقة التي اشترتها عائشة ، وكأن البخاري اكتفي بذكر النمرقة عن لبس النساء . وقد يستنبط منه أنها للنساء عند الاختلاف في متاع البيت .

وقوله : (حرير أو سيراء) شك من الراوي .

وقوله : (فرآها عليه) . قال الداودي : هو وهم ، وقد سلف في العيد أنه أعطاها له فقال : كسوتنيها ، وقد قلت في حلة عطارد ما قلت ؟ فقال : "إني لم أكسكها لتلبسها" فكساها عمر أخا له بمكة مشركا .

[ ص: 230 ] وقيل : إنه أخوه من الرضاعة ; لأنه لا يعلم له أخ إلا زيد .

والخلاق : النصيب . أي : من لا نصيب له في الآخرة .

و (الحلة) : إزار ورداء ، لا يسمى حلة حتى يكونا ثوبين ، قاله أبو عبيد ، وقد سلف .

و (الصور) : بضم الصاد وفتح (الواو) جمع صورة ، قال ابن التين : وهذا ما سمعناه ، ويجوز بسكون الواو .

قال الداودي : وهو ناسخ لكل ما جاء في الصور ، لأنه خبر والخبر لا ينسخ ، وما جاء من الرخصة فيما يمتهن فمنسوخ ، لأن الأمر والنهي يدخله النسخ .

وقال غيره إن قوله : "إلا ما كان رقما في ثوب" ناسخ لحديث الباب ; لأن الرخصة نسخت الشدة ، والخبر إذا قارن الأمر يجوز فيه النسخ ، وقد قارنه أمر وهي العادة التي أمرهم أن لا يتخذوها ثم نسخت الإباحة .

وقوله : ("أحيوا") هو بفتح الهمزة .

("ما خلقتم") أي : ما قدرتم وصورتم بصور الحيوان .

[ ص: 231 ] والمراد بالملائكة : غير الحفظة . وقيل : ملائكة الوحي ، أما الحفظة فلا تفارقه إلا عند الجماع والخلاء ، كما أخرجه ابن عدي وضعفه .

[ ص: 232 ] وقال ابن عبد البر : لم يرخص في شيء منها في هذا الحديث ، وإن كانت الرخصة وردت في غيره في هذا المعنى وأن ذلك يتعارض ، وحديث عائشة هذا من أصح ما يروى في هذا الباب ، إلا أن في بعض الروايات ذكر الرخص فيما يرتفق ويتوسد ، فالله أعلم بالصحيح في ذلك ، ومن جهة النظر : لا يجب أن يقع المنع إلا بدليل لا منازع له ، وحديث سهل بن حنيف مع أبي طلحة يعضد الاستثناء ، أخرجه مالك .

ولم يدرك (ابن عتبة) سهلا ولا سمع أبا طلحة ، وإنما الحديث [ ص: 233 ] لعبيد الله عن ابن عباس ، عن أبي طلحة وسهل .

[ ص: 234 ] وقال أبو بكر الحازمي بعد إيراده حديث عائشة : (فجعلته وسائد) : دال على النسخ ، واللفظ مشعر به ، إذ كان يصلي إليه لا إلى السهوة كما توهمه بعضهم . وقال : السهوة : المكان ، ولهذا قال "أخريه عني" ويدل عليه أيضا حديث أبي هريرة : استأذن جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "ادخل" فقال : كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير ، فإما أن تقطع رءوسها أو تجعل بساطا يوطأ ، فإنا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه تصاوير . واعلم أن الإسماعيلي قال : جعل البخاري ترجمة الباب : التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء ، وقد قال - عليه السلام - في قصة علي : "شقها خمرا بين نسائك" .

[ ص: 235 ] وكان على زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلة سيراء ، وإنما المعنى من لا خلاق له من الرجال ، فأما النساء فلا ، فإن أراد شراء ما فيه تصاوير فحديث عمر لا يدخل في الترجمة ، وقد أسلفنا الجواب عن هذا .

وكذا قال ابن المنير : في الترجمة إشعار يحمل قوله : ("من لا خلاق له") على العموم للرجال والنساء ، والحق أن النهي خاص بالرجال ، والنمرقة المصورة يستوي فيها الرجال والنساء في المنع .

التالي السابق


الخدمات العلمية