التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2008 2114 - حدثني إسحاق ، حدثنا حبان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث ، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا -قال همام : وجدت في كتابي : يختار ثلاث مرار- فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كذبا وكتما فعسى أن يربحا ربحا ، ويمحقا بركة بيعهما" .

قال : وحدثنا همام ، حدثنا أبو التياح أنه سمع عبد الله بن الحارث يحدث بهذا الحديث ، عن حكيم بن حزام ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . [انظر : 2079 - مسلم: 1532 - فتح: 4 \ 334]


ثم ساق حديث سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر مرفوعا : "كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا ، إلا بيع الخيار" .

وحديث حكيم بن حزام السالف .

قال همام : وجدت في كتابي : يختار ثلاث مرار . . . الحديث .

وحدثنا همام ، ثنا أبو التياح أنه سمع عبد الله بن الحارث يحدث بهذا الحديث ، عن حكيم بن حزام ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

الشرح : الكل في "صحيح مسلم" أيضا .

واتفقت الأئمة على إخراج حديث نافع .

[ ص: 243 ] واتفق البخاري والنسائي على حديث ابن دينار ، وانفرد البخاري بحديث سالم . وفي الباب عن سمرة ، أخرجه النسائي وابن حزم بزيادة "ويتخايران ثلاث مرار" ، وأبي برزة ، وعمرو بن العاص ، وأبي هريرة ، وجابر ، وغيرهم .

وتعليق ابن عمر سلف .

[ ص: 244 ] والتعاليق الأربعة -أعني تعليق شريح والشعبي وعطاء وابن أبي مليكة- أسندها ابن أبي شيبة ، وروى أثر ابن أبي مليكة مرسلا مرفوعا أيضا . وشريح هو ابن الحارث بن قيس ، كان قاضيا شاعرا فائقا كوسجا بلغ مائة وثماني سنين ، وقيل : مائة وعشرين سنة ، ولي القضاء من زمن عمر إلى زمن الحجاج ستين سنة ، ثم استعفى فأعفاه الحجاج ، وولي قضاء البصرة أيضا ، وحكي عنه أن التفرق إذا حصل بالقول وجب البيع .

وقوله في باب : البيعين بالخيار : حدثني إسحاق ثنا حبان .

ذكر الجياني أنه ابن منصور وقال : حديث مسلم عن إسحاق بن منصور ، عن حبان .

[ ص: 245 ] وقوله في الباب الأخير : (حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي .

(ثنا سفيان) هو ابن سعيد الثوري ، كما بينه أبو نعيم .

واعترض ابن التين على هذا التبويب فقال : لم يأت فيه هنا بما يدل على خيار البائع وحده . وأخذه القاضي من حديث حبان السالف ، قال : وقول همام إلى آخره ، ليس بمحفوظ والرواية على خلافه ، وإذا خالف الواحد الرواة جميعا لم يقبل قوله ، سيما أنه إنما وجده في كتابه ، وربما أدخل على الرجل في كتبه إذا لم يكن شديد الضبط .

قال : وليس في الباب الأول ذكر مدته إلا ما ذكر من التفرق .

وأجاب ابن المنير بأنه يؤخذ من عدم تحديده إذ فيه تفويض الأمر إلى الحاجة في اشتراطه ، وهو مذهب مالك .

قلت : لعله يشير إلى رواية همام السالفة ; لأنه عقده للكمية لا للمدة .

إذا عرفت ذلك :

فألفاظ الحديث مع كثرة طرقه متواردة على ثبوت خيار المجلس لكل واحد من المتبايعين ; وأن التفرق المذكور إنما هو بالأبدان ، وإليه ذهب كثير من الصحابة والتابعين والشافعي وأحمد ، وحمله طائفة على أنه محمول على ظاهره لكن على جهة الندب لا على الوجوب ، وعليه طائفة من المالكية وغيرهم .

[ ص: 246 ] وعن مالك وربيعة وأبى حنيفة وصاحبيه والثوري والنخعي في أحد قوليهما : أن التفرق إذا حصل بالأقوال وجب البيع ، وأن لا خيار إلا إن اشترط ، ولهم على الحديث شبه كثيرة ذكرتها موضحة في "شرح العمدة" فلتراجع منه .

ولنتكلم على أبواب البخاري بابا بابا :

أما أمد الخيار : فاختلف الفقهاء فيه على خمسة أقوال :

أحدها : أن البيع جائز والشرط لازم إلى الأمد الذي اشترط إليه الخيار ، وهو قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبي يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبي ثور عن ابن المنذر .

ثانيها : وهو قول مالك : يجوز شرط الخيار في بيع الثوب اليوم واليومين ، وفي "الواضحة" : الثلاثة ، والجارية الخمسة أيام والجمعة .

وفي ابن وهب : الرقيق الشهر . وقيل : عشرة أيام . وقيل : خمسة .

والدابة تركب اليوم وشبهه ، ويسار عليها البريد ونحوه ، وفي الدار الشهر لتختبر ويستشار فيها . وفي "الواضحة" : الشهران والثلاثة ، ذكره الداودي ، وما بعد من أجل الخيار لا خير فيه ; لأنه غرر ، ولا فرق بين شرط الخيار للبائع والمشتري .

ثالثها : وهو قول الثوري وابن شبرمة : يجوز شرطه للمشتري عشرة أيام وأكثر ولا يجوز شرطه للبائع .

[ ص: 247 ] رابعها : وهو قول الأوزاعي : يجوز أن يشرط الخيار شهرا وأكثر .

خامسها : وهو قول أبي حنيفة والشافعي والليث وزفر : الخيار في البيع ثلاثة أيام ، ولا تجوز الزيادة عليها ، فإن زاد فسد البيع .

وقال عبيد الله بن الحسن : لا يعجبني شرط الخيار الطويل إلا أن الخيار للمشتري ما رضي البائع ، احتجوا بأن حبان بن منقذ أو والده كان يخدع في البيوع ، فقال له - عليه السلام - : "إذا بايعت فقل : لا خلابة" وجعل له الخيار ثلاثا فيما يبتاع . وفي حديث المصراة إثبات الخيار ثلاثا .

قالوا : ولولا الحديث في الثلاثة أيام ما جاز الخيار ساعة واحدة .

وحجة القول الأول ظاهر حديث الباب : "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا" إلا بيع الخيار وهو مطلق ، وقد قال - عليه السلام - : "المؤمنون عند شروطهم" .

وحجة الثاني أن العبد والجارية لا يعرف أخلاقهما ، ولا ما هما عليه من الطباع في الثلاث ; لأنهما يتكلفان ما ليس من طبعهما في مدة يسيرة ثم يعودان بعد ذلك إلى الطبع ، فيجب أن يكون الخيار مدة يختبران في مثلها ، ليكون المبتاع داخلا على بصيرة ، يوضحه أن أجل [ ص: 248 ] العنين سنة ; لأن حاله يختبر فيها ; فلذلك ينبغي أن يكون كل خيار على حسب تعرف حال المختبر ، ويقال لمن قال بالخامس : إن خيار الثلاث في حديث حبان من رواية ابن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أخرجه البخاري في "تاريخه" ، وابن ماجه في "سننه" ، وليس في رواية الثقات الحفاظ .

[ ص: 249 ] وأما حديث المصراة فهو حجة لنا ; لأن المصراة لما كانت لا يختبر أمرها في أقل من ثلاث ، جعل فيها هذا المقدار الذي يختبر في مثله ، فوجب أن يكون الخيار في كل مبيع على قدر المدة التي يختبر فيها ، وأما القول الثالث فلم يقل به أحد من أهل العلم غير الثوري ، كما قاله الطحاوي .

وأما الباب الثاني فهو : إذا اشترط في الخيار مدة غير معلومة ، وقد اختلف العلماء فيه على خمسة أقوال :

أحدها : صحة البيع وإبطال الشرط ، وهو قول ابن أبي ليلى والأوزاعي عملا بحديث بريرة .

ثانيها : صحتهما ، وله الخيار أبدا ، وهو قول أحمد وإسحاق .

ثالثها : وهو قول مالك : البيع جائز ، ويجعل له من الخيار مثل ما يكون له في تملك السلعة .

رابعها : وهو قول أبي يوسف ومحمد : له أن يختار بعد الثلاث .

خامسها : وهو قول أبي حنيفة والشافعي : البيع فاسد ; فإن اختاره في الثلاث جاز ، وإن مضت الثلاث لم يكن له أن يختاره .

[ ص: 250 ] وظاهر الحديث يرده ويدل أنه يجوز من غير توقيت ; لأنه أطلق وسوى بين تمام البيع بعد التفرق ، وبعد الأخذ بالخيار إذا شرطاه دون ذكر توقيت مدة ، فلا معنى لقول من خالفه ، وأما الثالث وهو معنى التفرق المذكور في الحديث .

وفيه قولان :

أحدهما : أن المراد به التفرق بالأبدان ، وأن المتبايعين إذا عقدا بيعهما فكل واحد منهما بالخيار بين إتمامه وفسخه ، ما داما في مجلسهما لم يتفرقا بأبدانهما ، روي ذلك عن ابن عمر وأبي برزة وجماعة من التابعين ، ذكرهم البخاري ، وروي عن سعيد بن المسيب والزهري ، وبه قال الليث وابن أبي ذئب والثوري والأوزاعي وأبو يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور . ونقله ابن التين عن علي وابن عباس وأبي هريرة والحسن .

ثانيهما : أن البيع يتم بالقول دون الافتراق بالأبدان ، ومعنى قوله "ما لم يفترقا" أن البائع إذا قال له : قد بعتك فله أن يرجع ما لم يقل المشتري : قد قبلت ، والمتبايعان هما المتساومان ، روي هذا القول عن النخعي ، وهو قول ربيعة ومالك وأبي حنيفة ومحمد . ونقله الطحاوي عن أبي يوسف أيضا ، وعيسى بن أبان .

[ ص: 251 ] احتج الأولون بأن ابن عمر راوي الحديث وهو أعلم بمخرجه قد روي عنه أنه بايع عثمان بن عفان ، قال : فرجعت على عقبي كراهة أن يرادني البيع . قالوا : فالتفرق عند ابن عمر بالبدن لا باللفظ .

وقالوا : إن من جعل المتبايعين هنا المتساومين لا وجه له ; لأنه معقول أن كل واحد في سلعته بالخيار قبل السوم ، وما دام متساوما حتى يمضي البيع ويعقده وكذلك المشتري بالخيار قبل الشراء ، وفي حين المساومة ، وإذا كان هذا كله بطلت فائدة الخبر ، والشارع يجل عن أن يخبر بما لا فائدة فيه .

وأجيب بأن له فائدة ، وذلك أن المتبايعين لا يبعد أن يختلفا قبل الافتراق بالأبدان ، فلو كان كل واحد منهما بالخيار لم يجب على البائع يمين ولا تراد ; لأن التراد إنما يكون فيما تم من البيوع .

وادعى الطحاوي أن من لم يسم المتساومين متساومين فقد أغفل سعة اللغة ; لأنه يحتمل أن يسميا متبايعين لقربهما من التبايع وإن لم يتبايعا ، كما سمي إسحاق ذبيحا لقربه من الذبح وإن لم يذبح ، وقد قال - عليه السلام - : "لا يسوم الرجل على سوم أخيه ، ولا يبع الرجل على بيع أخيه" ومعناهما واحد ، وهو اللازم لهم . والتفرق في لسان [ ص: 252 ] العرب بالكلام معروف كعقد النكاح ، وكوقوع الطلاق الذي سماه الله فراقا قال تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته [النساء : 130] وقوله : وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة [البينة : 4] وأجمعت الأمة أن التفريق فيها أن يقول لها : أنت طالق .

وقال - عليه السلام - : "تفترق أمتي" ولم يرد التفرق بالأبدان .

وأجمعوا أن رجلا لو اشترى قرصا أو ماء فأكل القرص أو شرب الماء قبل التفرق لكان ذلك له جائزا ، أو كان قد أكل ماله ، وسيأتي ذكر مبايعة ابن عمر لعثمان ، بعد بيان مذهب ابن عمر ، وأنه حجة لمن قال : التفرق بالكلام ; كذا قال ، ولا يسلم له . وحكى الطحاوي ، عن المزني ، عن الشافعي أنه قال في قوله تعالى فإذا بلغن أجلهن [البقرة : 234] أي : قاربن . وإثبات الشارع الخيار للمتبايعين ما لم يفترقا ، إنما هو على ما سوى بيع الخيار ، عملا بقوله : "إلا بيع الخيار" فاستثنى بيع الخيار فيما قد تم فيه البيع ، وبقي الخيار في بيع الخيار بعد التفرق حتى يتم أمد الخيار فيختار البيع أو يرد .

وذهب أكثر من يرى التفرق بالأبدان إلى أنه إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع فاختار إمضاء البيع فقد تم البيع وإن لم يتفرقا بالأبدان ، إلا أحمد فإنه قال : هما بالخيار حتى يتفرقا ، خير أحدهما صاحبه أو لم يخيره .

[ ص: 253 ] وأما الذين يجيزون البيع بالكلام دون افتراق الأبدان فهو عندهم بيع جائز . قال : اختر أو لم يقله ، فجعل من ذلك اتفاق الجميع غير أحمد وحده ، وقوله خلاف الحديث ، فلا معنى له كما قاله ابن بطال .

تنبيهات :

أحدها ; قوله : "إن المتبايعين" كذا وقع في الأصل ، وهو الصواب .

وادعى ابن التين أنه وقع في رواية أبي الحسن "المتبايعان" وخرجه على لغة من يجعل المثنى على حد سواء رفعا ونصبا وجرا ، وهو أحد وجوه إن هذان لساحران [طه : 63] .

ثانيها : قال ابن التين : جمهور أصحاب مالك على أن حديث الخيار ليس بمعمول به ; ثم اختلفوا في الانفصال عنه ، فادعى أشهب نسخه بقوله "المسلمون على شروطهم" ، وبقوله : "إذا اختلف البيعان استحلف البائع" ، أي : لو كان هناك خيار لم يحتج إلى اليمين .

[ ص: 254 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[ ص: 255 ] وقيل : إنه مخالف لظاهر قوله وأشهدوا إذا تبايعتم [البقرة : 282] ; لا يمكن الإشهاد بعد التفرق . وقيل : عمل أهل المدينة ومكة أقوى منه .

وقيل : إنها جهالة وقف البيع عليها ، فيكون كبيع الملامسة ، وكبيع خيار إلى أجل مجهول . وسلف أن من جملتها حمله على المتساومين ، ويرده أنه لو حلف ما باع -وكان في السوم- لا حنث .

[ ص: 256 ] ثالثها : قوله في الباب الثاني ("أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر" ، وربما قال : "أو يكون بيع خيار") : هما سواء كما قال الداودي ، ومعناهما : أنه بيع خيار الشرط .

وقال ابن حبيب : معناه قطع خيار المجلس .

وقوله في الباب الرابع : ("ما لم يتفرقا") إلى آخره ، هو أوضح حديث فيه كما قال الخطابي ; لأن قوله : "وكانا جميعا" يبطل كل تأويل يخالف ظاهر الحديث مما تأوله أهل العراق وغيرهم يعني : مالكا وأصحابه . وكذا قوله : "وإن تفرقا بعد أن تبايعا" إلى آخره ، فيه أبين دليل على أن التفرق بالبدن هو القاطع للخيار ، وأن للمتبايعين أن يتركا البيع بعد عقده ما داما في مجلسهما ، ولو كان معناه التفرق بالقول لخلا الحديث عن الفائدة ; لأن الناس على اختيارهم في أملاكهم ، فأي فائدة في ذكر البيع إذا وقع .

وادعى الداودي أن قوله في هذا الحديث "وكانا جميعا" إلى آخره ليس بمحفوظ ، قال : وليس مقام الليث في نافع مقام مالك .

رابعها : في الترمذي محسنا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي "إلا أن تكون صفقة خيار ، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله" وهو مؤول إما باستقلاله باختيار الفسخ أو باختيار الاستقلال كما قاله ابن العربي ، والصواب الأول ، وعبر عن الإقالة به .

خامسها : نقل ابن حزم عن الأوزاعي أن كل بيع فالمتبايعان فيه [ ص: 257 ] بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما ، إلا بيوعا ثلاثة : المغنم ، والشركاء في الميراث يتقاومونه ، والشركاء في التجارة يتقاومونها .

سادسها : من تلك الاعتراضات المشار إليها فيما سلف خمسة : أن مالكا رواه وذهب إلى خلافه ، وأنه خبر واحد فيما تعم به البلوى ، وأنه يخالف قياس الأصول ; لأن عقود المعاوضات لا خيار فيها ، حمله على المتساومين باعتبار ما يئول إليه حالهما من التبايع ، وحمله على ما إذا قال البائع : بعت ، ولم يقل المشتري : قبلت ; لأنه بعد تمام العقد يقال : كانا متبايعين ، وحمله التفرق على الأقوال ، وقد قال تعالى : أوفوا بالعقود [المائدة : 1] وجوابه كله لائح ، والحق أحق بالاتباع .

سابعها : لما ذكر ابن حزم مقالة الثوري السالفة قال : روينا في ذلك آثارا عن المتقدمين . روى الشعبي أن عمر اشترى فرسا واشترط حبسه على إن رضيه وإلا فلا بيع بعد بينهما ، فحمل عليه رجلا فعطب الفرس فجعل بينهما شريحا ، فقال شريح لعمر : سلم ما ابتعت أو رد ما أخذت ، فقال عمر : قضيت بالحق .

ومن طريق عبد الرزاق ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الرحمن بن فروخ ، عن أبيه قال : اشترى نافع دار السجن بأربعة آلاف ، فإن رضي عمر فالبيع بيعه ، وإن عمر لم يرض فلصفوان أربعة ، فأخذها عمر . وعن ابن عمر قال : كنت أبتاع إن رضيت

[ ص: 258 ] حتى ابتاع ابن مطيع إن رضيها فقال : إن الرجل ليرضى ثم يدع وكأنما أيقظني ، وكان يبتاع ويقول : ما إن أحدثت . وقال سليمان بن البرصاء ، بايعت ابن عمر بيعا فقال لي : إن جاءتنا نفقتنا إلى ثلاث ليال فالبيع بيعنا وإلا فلا بيع بيننا وبينك .

قال ابن حزم : لا نعلم عن الصحابة في بيع الخيار غير هذا ، وهو خلاف قول أبي حنيفة والشافعي ومالك ، وهي عندهم بيوع مفسودة مفسوخة .

ثامنها : في "علل الخلال" : قال الأثرم : قلت لأحمد : الذي يقول أهل المدينة في العهدة الثلاث والسنة ؟ !

قال : أما عهدة السنة فما أدري رووه عن أبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل . وأما حديث الثلاث فلو ثبت حديث عقبة ، ولكن الحسن ما أراه سمع منه ; لأنه بصري ، ولكن الحسن كان يأخذ الحديث هكذا . وقال محمد بن الحكم عن أحمد : ليس في عهدة الرقيق حديث صحيح ، ولا أذهب إليه ، إنما روي عن الحسن ، عن عقبة وليس فيه شيء يصح . قلت : إن مالكا يذهب إليه ، قال : لا يعجبني .

[ ص: 259 ] تاسعها : الكلام كله في خيار المجلس ، أما خيار الشرط فثابت بالإجماع ودليله حديث حبان بن منقذ السالف ، وإنما يجوز شرط الخيار في البيوع التي لا ربا فيها ، أما تلك فلا ، إذ لو جوزنا تفرقا ولم يتم البيع بينهما .

عاشرها : إذا شرط الخيار عندنا زيادة على الثلاث بطل البيع ، ولا يخرج على تفريق الصفقة ، وقد روى الجذامي محمد بن يوسف ، أنا محمد بن عبد الرحيم بن شروس ، أنا حفص بن سليمان ، أنا أبان ، عن أنس أن رجلا اشترى بعيرا واشترط الخيار أربعة أيام ، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيع فقال : "إنما الخيار ثلاثة أيام" .

قال : ثنا عبد الرزاق : ثنا رجل سمع أبانا يقول عن الحسن : اشترى رجل بيعا ، وجعل الخيار أربعة أيام فقال - عليه السلام - : "البيع مردود ، وإنما الخيار ثلاثة أيام" وأبان وحفص ضعيفان ، والحديثان عزيزان .

[ ص: 260 ] الحادي عشر : قال ابن المنير في ترجمة البخاري : إذا لم يوقت في الخيار هل يجوز البيع ؟ ثم ذكر حديث ابن عمر : "أو يقول أحدهما لصاحبه اختر" : الظاهر أنه قصد تجوز البيع ، وتفويض الأمر بعد اشتراط الخيار المطلق إلى العادة في مثل السلعة ، وهذا مذهب مالك ، وهو أسعد بإطلاق الحديث ، خلافا لمن منع البيع لذلك إلحاقا بالغرر .

التالي السابق


الخدمات العلمية