التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2010 2116 - قال أبو عبد الله : وقال الليث : حدثني عبد الرحمن بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : بعت من أمير المؤمنين عثمان مالا بالوادي بمال له بخيبر ، فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته ، خشية أن يرادني البيع ، وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا . قال عبد الله : فلما وجب بيعي وبيعه رأيت أني قد غبنته بأني سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليال ، وساقني إلى المدينة بثلاث ليال . [انظر : 2107 - مسلم: 1531 - فتح: 4 \ 334]


وقال الحميدي : ثنا سفيان ، ثنا عمرو ، عن ابن عمر في بيع الجمل الصعب بطوله .

[ ص: 262 ] وقال الليث : حدثني عبد الرحمن بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن عبد الله قال : بعت من عثمان بن عفان مالا بالوادي بمال له بخيبر ، فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته ، خشية أن يرادني البيع ، وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا . قال عبد الله : فلما وجب بيعي وبيعه رأيت أني قد غبنته بأني سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليال ، وساقني إلى المدينة بثلاث ليال .

الشرح :

أثر طاوس أخرجه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه به . وعن معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين : إذا بعت شيئا على الرضا قال : الخيار لكليهما حتى يتفرقا عن رضا .

وتعليق الحميدي روى البخاري منه قطعة في باب : من أهدي له هدية وعنده جلساؤه . فقال : حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا ابن عيينة .

وأخرجه الإسماعيلي من حديث ابن أبي عمر وهارون عنه ، وأخرجه أبو نعيم من حديث بشر بن موسى عنه ، وكذا هو في "مسنده" من رواية بشر بن موسى عنه .

وتعليق الليث رواه الإسماعيلي من حديث أبي صالح عنه ، ورواه أيضا من حديث أيوب بن سويد ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري به ، قال : ورواه أبو صالح ، عن الليث : عن يونس أخبرنا القاسم : أنا ابن زنجويه ، ثنا أبو صالح .

[ ص: 263 ] وقال البيهقي : رواه يحيى بن بكير أيضا عن الليث ، عن يونس ، عن الزهري به وذكره أبو نعيم من حديث أبي صالح عنه ، ثم قال : ذكره -يعني : البخاري- فقال : وقال الليث ، ولم يذكر من دونه ، ويدل على أن الحديث لأبي صالح ، وأبو صالح ليس من شرطه .

إذا تقرر ذلك : فالحديث حجة لمن يرى الافتراق بالكلام في الحديث السالف في الباب قبله "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" وهو بين في ذلك ، ألا ترى أنه - عليه السلام - وهب الجمل من ساعته لابن عمر قبل التفرق من عمر ، ولو لم يكن الجمل له ما جاز له أن يهبه لابن عمر حتى يجب له بافتراق الأبدان .

وأما حديث ابن عمر في مبايعته لعثمان فقد احتج به من قال : إن التفرق بالأبدان .

واحتج به أيضا من قال : إنه بالكلام ، وكان من حجة الثاني أن قالوا : لو كان معنى الحديث التفرق بالأبدان ، لكان المراد به الحض والندب إلى حسن المعاملة من المسلم للمسلم وألا يفترسه في البيع على استخباره عن الداء والغائلة ، وقد قال - عليه السلام - : "من أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيامة" . من حديث أبي هريرة ; ألا ترى قول ابن عمر : (وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار ما لم يفترقا) ، وفي رواية :

[ ص: 264 ] وكانت السنة يومئذ . ذكرها أبو عبد الملك ، ولو كان على الإلزام لقال : كانت ، وتكون إلى يوم الدين ، فحكى ابن عمر أن الناس حينئذ كانوا يلتزمون الندب ، لأنه كان زمن مكارمة ، وأن الوقت في حدث ابن عمر بهذا الحديث كان التفرق بالأبدان متروكا ، ولو كان على الوجوب ما قال : وكانت السنة ، فكذلك جاز أن يرجع على عقبيه ; لأنه فهم أن المراد بالحديث الحض والندب ، لا سيما وهو في حصر فعله في هبته البكر له بحضرة البائع قبل التفرق .

وقال الطحاوي : يحتمل حديث ابن عمر الوجهين جميعا ، فنظرنا في ذلك ، فروينا عنه ما يدل أن رأيه كان في الفرقة ، بخلاف ما ذهب إليه من قال : إن البيع لا يتم إلا بها . وهو ما رويناه عن ابن عمر قال : ما أدركت الصفقة حيا فهو من مال المبتاع .

قال ابن حزم : صح هذا عنه ولا يعلم له مخالف من الصحابة .

قال ابن المنذر : يعني في السلعة تتلف عند البائع قبل أن يقبضها [ ص: 265 ] المشتري بعد تمام البيع هي من مال المشتري ; لأنه لو كان عبدا فأعتقه المشتري كان عتقه جائزا ; بخلاف عتق البائع ، فهذا ابن عمر يذهب فيما أدركت الصفقة حيا فهلك بعدها أنه من مال المشتري ، فدل ذلك أنه كان يرى أن البيع يتم بالأقوال قبل الفرقة التي تكون بعد ذلك ، وأن البيع ينتقل بالأقوال من ملك البائع إلى ملك المبتاع حتى يهلك من ماله إن هلك ، وهذا من ابن عمر قال على أن مذهبه في الفرقة التي سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكروا . وقد وجدنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن المبيع يملكه المشتري بالقول دون التفرق بالأبدان ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه" فكان ذلك دليلا على أنه إذا قبضه حل له بيعه فيكون قابضا له قبل التفرق بالأبدان .

وفي ابن ماجه من حديث ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن سعيد بن المسيب قال : سمعت عثمان يخطب على المنبر ويقول : كنت أشتري التمر وأبيعه بربح فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا اشتريت فاكتل ، وإذا بعت فكل" وسيأتي عند البخاري أيضا معلقا . وكان من ابتاع طعاما مكايلة فباعه قبل أن يكتاله لا يجوز بيعه ، فإذا ابتاعه واكتاله وقبضه ثم فارق بائعه ، فكل قد أجمع أنه لا يحتاج بعد الفرقة إلى إعادة الكيل . وخولف بين اكتياله إياه بعد البيع قبل التفرق وبين اكتياله إياه قبل البيع ، فدل ذلك أنه إذا اكتاله اكتيالا يحل له به بيعه ، [ ص: 266 ] فقد كان ذلك اكتيالا له وهو له مالك ، وإن اكتال اكتيالا لا يحل له ، فهو كاله وهو غير مالك له ، فثبت بما ذكرنا وقوع ملك المشتري في المبيع بابتياعه إياه قبل فرقة تكون بعد ذلك ، فهذا وجه طريق الآثار .

وأما طريق النظر : فرأينا الأموال تملك بعقود في أبدان وفي أموال وفي أبضاع وفي منافع ، فكان ما يملك من الأبضاع هو النكاح ، وكأنه (يملك) بعقده لا بفرقة بعد العقد وكان ما يملك به المنافع هو الإجارات ، وكان ذلك أيضا مملوكا بالعقد لا بفرقة بعده ، فالنظر على ذلك أن تكون كذلك الأموال المملوكة بسائر العقود من البيوع ، وغيرها تكون مملوكة بالأقوال لا بفرقة بعدها قياسا ونظرا .

وفي الحديث : أن يسأل رب السلعة بيعها وإن لم يعرضها، وأن البيع لا يحتاج إلى قبض .

وقول البخاري : (ولم ينكر البائع على المشتري) فيه تعسف ، ولا يحمل فعله أنه وهب ما فيه لآخر خيار ولا إنكار ; لأنه إنما بعث مبينا . نبه عليه ابن التين ، قال : وليس فيه ما بوب له .

ومعنى : (سقته إلى أرض ثمود) : يعني : أن الأرض التي أعطيت بعدها من أرض ثمود ثلاث ليال ، والأرض التي أعطاني من المدينة على ثلاث ، وما قرب موضع حاجته ، وقد ذكر أن مسافة ما بين المدينة وخيبر أكثر من أربعة أيام .

وقوله في الترجمة : (أو اشترى عبدا فأعتقه) . كأنه إنما أخذه من القياس على الهبة ; لأن القبض آكد من الهبة .

[ ص: 267 ] وفي الحديث : جواز بيع الغائب على الصفة ، وهو مذهب جماعات ، وسيأتي ذلك بعد إن شاء الله تعالى .

وقام الإجماع أن البائع إذا لم ينكر على المشتري ما أخذ به من الهبة أو العتق أنه بيع جائز ، واختلفوا إذا لم ينكر ولم يرض بما أخذ به المشتري ، فالذين يرون أن البيع يتم بالكلام يجيزون هبته وعتقه ، ومن يرى التفرق بالأبدان لا يجيز شيئا من ذلك ، إلا بعد التفرق ، وحديث عمر حجة عليهم ، وفي حديث الجمل توقيرهم الشارع ، ولا يتقدمونه في المشي .

وفيه : زجر الدواب ، وهبة المبيع للغير وإن لم يأذن البائع كما سلف . وفي مبايعة ابن عمر جواز بيع الأرض بالأرض .

وفي تلطف ابن عمر وافتراقه من عثمان استعمال الندب ; إذ ليس من شأنهم التحيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية