التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
181 [ ص: 286 ] 36 - باب: قراءة القرآن بعد الحدث وغيره

وقال منصور، عن إبراهيم: لا بأس بالقراءة في الحمام، وبكتب الرسالة على غير وضوء. وقال حماد، عن إبراهيم: إن كان عليهم إزار فسلم، وإلا فلا تسلم.

183 - حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب - مولى ابن عباس- أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة -زوج النبي صلى الله عليه وسلم -، وهي خالته، فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا انتصف الليل، أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة، فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي. قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع، حتى أتاه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح: 1 \ 287]


ما حكاه عن إبراهيم هو ما حكاه ابن المنذر عنه، لكن في "مسند الدارمي" عنه الكراهة. أعني: القراءة في الحمام فتكون عنه خلاف.

وحكاها أصحابنا عن أبي حنيفة، ونقلت عن أبي وائل شقيق بن سلمة التابعي الجليل والشعبي ومكحول والحسن وقبيصة بن ذؤيب.

[ ص: 287 ] وقال محمد بن الحسن بعدم الكراهة. ونقله صاحبا "العدة"، و"البيان" من أصحابنا. وبه قال مالك. ووجهه عدم ورود الشرع بها فلم تكره كسائر المواضع.

فائدة:

حماد هذا الراوي عن إبراهيم: هو ابن أبي سليمان مسلم، الأشعري مولاهم.

فرع:

كره جمهور العلماء مس المصحف على غير وضوء كما نقله عنهم ابن بطال، وأجازه الشعبي ومحمد بن سيرين. وسيأتي الخلاف في قراءة الجنب له.

[ ص: 288 ] ثم قال البخاري رحمه الله:

حدثنا إسماعيل، ثنا مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب - مولى ابن عباس- أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته- فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا انتصف الليل، أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة، فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي. قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع، حتى أتاه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح.

والكلام عليه من أوجه:

أحدها:

هذا الحديث سلف الكلام عليه في باب السمر في العلم، وسيأتي - إن شاء الله- في الصلاة في الإمامة والتوبة والتفسير.

وأخرجه مسلم في الصلاة، والأربعة، وأبو داود، والترمذي [ ص: 289 ] في "شمائله"، والنسائي فيه وفي التفسير، وابن ماجه في الطهارة.

ثانيها:

مخرمة هذا أسدي والبي مدني ثقة، قتل بقديد سنة ثلاثين ومائة عن سبعين سنة. وليس في الكتب الستة مخرمة غيره.

نعم، في مسلم وأبي داود والنسائي مخرمة بن بكير الأشج مختلف فيه.

[ ص: 290 ] ثالثها:

عرض الوسادة -بفتح العين- قال ابن التين: ضمها غير صحيح، ورويناه بفتحها عن جماعة. وقال ابن عبد الملك: روي بفتح العين وهو ضد الطول، وبالضم: الجانب، والفتح أكثر.

وقال الداودي: عرضها، بضم العين. وأنكره أبو الوليد، وقال صاحب "المطالع": الفتح أكثر عند مشايخنا، ووقع لجماعة الضم والأول أظهر.

رابعها:

الوسادة بكسر الواو: المتكأ وجمعها وسائد، والوساد: ما يتوسد عند المنام، والجمع وسد، وقد توسد ووسده إياه، وفي "الصحاح" أنها المخدة.

وقال ابن التين: إنها الفراش الذي ينام عليه.

قال أبو الوليد: وكان اضطجاع ابن عباس في عرضها عند رءوسهما أو أرجلهما، قال: والظاهر أنه لم يكن عندها فراش غيره؛ فلذلك ناموا جميعا، وفيه عند أبي داود: كانت أدما حشوها ليف.

خامسها:

فيه دلالة لما ترجم به البخاري من قراءة القرآن على غير وضوء، وهو راد على من كرهه، ووجهه قراءته - عليه السلام- العشر الآيات من آخر آل [ ص: 291 ] عمران بعد قيامه من نومه قبل وضوئه.

وقد قال عمر - رضي الله عنه - لأبي مريم الحنفي حين قال له: أتقرأ يا أمير المؤمنين على غير وضوء؟! فقال له عمر: من أفتاك بهذا، أمسيلمة؟ وحسبك بعمر في جماعة الصحابة.

ومن الحجة أيضا أنه تعالى لم يوجب فرض الطهارة على عباده إلا إذا قاموا إلى الصلاة، وقد صح عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج من الخلاء فأتي بطعام، فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال: "أريد أن أصلي فأتوضأ؟ ".

فرأى - صلى الله عليه وسلم - تأخير الطهارة بعد الحدث إلى إرادته الصلاة.

ثم الإجماع قائم على ذلك - أعني: جواز قراءة القرآن للمحدث الحدث الأصغر- نعم، الأفضل أن يتوضأ لها.

قال إمام الحرمين وغيره: ولا يقال: قراءة المحدث مكروهة؛ فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ مع الحدث.

فرع:

المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر كالمحدث.

سادسها:

اختلف في فتله - صلى الله عليه وسلم - أذن ابن عباس على أقوال حكاها ابن التين: أحدها: فعله تأنيسا. ثانيها: لاستيقاظه. ثالثها: ليدور. رابعها: للتأدب وليكون أذكر للقصة، قال بعضهم: المتعلم إذا تعهد بفتل أذنه كان أذكر لفهمه. خامسها: لينفي عنه العين لما أعجبه قيامه معه.

[ ص: 292 ] سابعها:

إدارته إياه من ورائه; لكي لا يتقدم على إمامه، كما نبه عليه البيهقي، أو لأجل المرور بين يديه.

ثامنها:

فيه رد على من قال: لا يجوز للمصلي أن يؤم أحدا إلا أن ينوي الإمامة مع الإحرام، وفيه غير ذلك مما سلف في الباب السالف.

التالي السابق


الخدمات العلمية