التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2018 [ ص: 291 ] 50 - باب: كراهية السخب في السوق

2125 - حدثنا محمد بن سنان ، حدثنا فليح ، حدثنا هلال ، عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قلت : أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة . قال أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله . ويفتح بها أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا . تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن هلال . وقال سعيد ، عن هلال عن عطاء ، عن ابن سلام : غلف : كل شيء في غلاف ، سيف أغلف ، وقوس غلفاء ، ورجل أغلف : إذا لم يكن مختونا . [4838 - فتح : 4 \ 342]


ذكر فيه حديث فليح ، ثنا هلال ، عن عطاء بن يسار : لقيت عبد الله ابن عمرو بن العاص ، فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة . قال أجل ، إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن . . . الحديث .

وفيه : (ولا سخاب في الأسواق) إلى آخره ، تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال ، وقال : سعيد عن هلال ، عن عطاء ، عن ابن سلام : غلف : كل شيء في غلاف ، سيف أغلف ، وقوس غلفاء ، ورجل أغلف : إذا لم يكن مختونا .

[ ص: 292 ] الشرح :

متابعة عبد العزيز أسندها البخاري فقال : حدثنا عبد الله ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن هلال به ، وهو حديث تفرد به البخاري ، وعبد الله هذا قال ابن السكن : هو ابن مسلمة ، وقال أبو مسعود الدمشقي : هو عبد الله بن محمد بن رجاء . وقال الجياني : عندي أنه عبد الله بن صالح كاتب الليث وإلى ذلك أشار أبو مسعود ، على أن الحاكم أبا عبد الله قطع أن البخاري لم يخرج في "صحيحه" عن كاتب الليث . وقد روى البخاري في كتاب "الأدب" هذا الحديث عنه .

وأما قول سعيد بن هلال ، فأخرجه الطبراني في "معجمه" ثنا المطلب بن شعيب ، ثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن (سعيد بن أسامة) ، عن هلال ، عن عطاء ، عن [ ص: 293 ] عبد الله بن سلام : إنا لنجد صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، الحديث .

وأخرجه الترمذي من حديث محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده ، ثم قال : حسن غريب .

والصخب عند أهل اللغة : الصياح ، قال صاحب "العين" : صخب صخبا ، إذا صاح ، ولم يذكره في حرف السين وهو في النسخ كما قدمناه بالسين ، ونقله ابن بطال عن بعض النسخ ، وقال أبو حاتم : أما ما كان مع الخاء فتجوز كتابته بالسين والصاد .

وبخط الدمياطي : الصخب بالسين والصاد : اختلاط الأصوات ، قال : وقيل : الصوت الشديد ، قيل : الفصيح بالصاد ، وهي بالسين لغة قبيحة لربيعة ، أعني : السخب ، وقال الفراء أيضا : هما لغتان .

قال ابن التين : والذي ذكره غيره من أهل اللغة بالصاد ، وهو في البخاري بالسين . ومعنى (أجل) : نعم .

وكان عبد الله بن عمرو كما روى البزار من حديث ابن لهيعة ، عن واهب عنه ، رأى في المنام كأن في إحدى يديه عسلا وفي الأخرى سمنا وكأنه يلعقهما ، فأصبح فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال "تقرأ الكتابين التوراة والقرآن" ، فكان يقرأهما .

[ ص: 294 ] وقوله : (شاهدا) أي : شاهدا بالإبلاغ ، وقيل : لمن أطاعه . وقيل : على تصديق من قبله من الأنبياء ، وقيل : مبشرا بالجنة ونذيرا من النار . روي عن ابن عباس : لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا ومعاذا وقال : "يسرا ولا تعسرا ، فإنه قد أنزل علي الليلة : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا [الأحزاب : 45] " .

(سميتك بالمتوكل) : بأن قد أيقن بتمام وعد الله وتوكل عليه .

وقوله : (وحرزا للأميين) أي : حافظهم وحافظ دينهم . يقال : أحرزت الشيء أحرزه إحرازا ، إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ . والأميون : العرب ; لأن الكتابة عندهم قليلة .

وقوله : (سميتك المتوكل) يعني : لقناعتك باليسير من الرزق ، واعتمادك علي في الرزق والنصر ، والصبر عند انتظار الفرج ، والأخذ بمحاسن الأخلاق ، واليقين بتمام وعد الله ، فتوكل عليه ، فسمي المتوكل .

وقوله : (ليس بفظ) أي : سيئ الخلق .

(ولا غليظ) : وهي الشدة في القول ، وهما حالتان مكروهتان .

[ ص: 295 ] وقول القائل لعمر : أنت أفظ وأغلظ . قيل : لم تأت هنا للمفاعلة بينه وبين من أشرك معه ، بل بمعنى : أنت فظ غليظ على الجملة لا على التفصيل .

والسخاب : الكثير الصياح والجلبة ، ولم يكن سخابا في سوق ولا غيره ، بل كان على خلق عظيم .

وفيه : ذم الأسواق وأهلها الذين يكونون بهذه الصفة المذمومة من الصخب ، واللغط والزيادة في المدحة والذم لما يتبايعونه ، والأيمان الحانثة ; ولهذا قال - عليه السلام - : "شر البقاع الأسواق" كما مضى لما يغلب على أهلها من هذه الأحوال المذمومة .

ومعنى (لا يدفع بالسيئة السيئة) : لا يسيء إلى من أساء إليه على سبيل المجازاة المباحة ما لم تنتهك لله حرمة ، لكن يأخذ بالفضل كما قال تعالى : ولمن صبر وغفر [الشورى : 43] وقال : ادفع بالتي هي أحسن [فصلت : 34] وسمى جزاء السيئة سيئة للمجاورة .

والمراد (بالملة العوجاء) أي : المعوجة ، ما كانوا عليه من عبادة الأصنام ، وتغيير ملة إبراهيم عن استقامتها ، وإمالتها بعد قوامها ، فأقام الله بنبيه عوج الكفر حتى ظهر دين الإسلام ووضحت أعلامه ، وأيد الله نبيه بالصبر والإنابة والسياسة في نفوس العالمين والتوكل على الله .

وقوله : (ويفتح بها أعينا عميا) كذا للأصيلي كما نقله ابن التين ، جعل عميا نعتا للأعين ، وهو جمع عمياء ، وفي بعض روايات [ ص: 296 ] الشيخ أبي الحسن : أعين عمي ، فأضاف أعين إلى عمي وهو جمع أعمى ، وكذلك الكلام في الآذان أيضا .

وقوله : (وقلوبا غلفا) فليس هو إلا جمع أغلف سواء كان مضافا أو غير مضاف ، وترك الإضافة فيه بين ، وذلك كله ممن قبل الإسلام وخرج من الكفر إلى الإيمان . وقرأ ابن عباس غلف -بضم اللام- كأنه جعله جمع غلاف ، وهي قراءة الأعرج وابن محيصن . قال ابن عباس : مملوءة لا تحتاج إلى علم محمد .

وقوله : (غلف) كل شيء في غلاف يريد أنه مستور عن الفهم والتمييز ، وقال مجاهد : غلف : عليها غشاوة . وقال عكرمة : طابع .

وفي الحديث : مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - ببعض صفاته الشريفة -التي خصه الله تعالى وجبله عليها ، وقد وصفه الله تعالى في آخر سورة براءة نحو هذه الصفة .

وهذا الباب أخره ابن بطال بعد باب : بركة صاعه ، فاعلمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية