التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2020 2127 - حدثنا عبدان ، أخبرنا جرير ، عن مغيرة عن الشعبي ، عن جابر رضي الله عنه قال : توفي عبد الله بن عمرو بن حرام ، وعليه دين ، فاستعنت النبي - صلى الله عليه وسلم - على غرمائه أن يضعوا من دينه ، فطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم ، فلم يفعلوا ، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اذهب فصنف تمرك أصنافا ، العجوة على حدة ، وعذق زيد على حدة ، ثم أرسل إلي" . ففعلت ، ثم أرسلت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء فجلس على أعلاه ، أو في وسطه ثم قال : "كل للقوم" . فكلتهم حتى أوفيتهم الذي لهم ، وبقي تمري ، كأنه لم ينقص منه شيء . وقال فراس ، عن الشعبي : حدثني جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : فما زال يكيل لهم حتى أداه . وقال هشام ، عن وهب ، عن جابر : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "جذ له ، فأوف له" . [2395 ، 2396 ، 2405 ، 2601 ، 2701 ، 2781 ، 3580 ، 4053 ، 6250 - فتح: 4 \ 344]


ثم ذكر حديث ابن عمر : "من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه" .

وسلف قريبا في آخر ما ذكر في الأسواق .

وحديث جابر في وفائه دين والده ثم قال : " (كل) للقوم" . فكلتهم [ ص: 298 ] حتى أوفيتهم الذي لهم ، وبقي تمري ، كأنه لم ينقص منه شيء . (وقال) فراس ، عن الشعبي : حدثني جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : فما زال يكيل لهم حتى أداه . (وقال) هشام ، عن وهب ، عن جابر : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "جذ له ، فأوف له" .

الشرح : أما الآية فما فسره البخاري فسره الأخفش وأبو عبيدة وكذا الفراء ، فقال : الهاء في موضع نصب ، تقول في الكلام : قد كلتك طعاما كثيرا ، وكلتني مثله ، وقوله : ( اكتالوا على الناس ) [المطففين : 2] يريد من الناس وهما يتعاقبان : على ومن هنا ; لأنه حق عليه .

وهذه السورة مكية ، وقيل : مدنية . وقيل : نزلت في طريقه من مكة إلى المدينة . وقال السدي : استقبل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو داخل المدينة من مكة -شرفها الله- وقيل : أولها مدني وآخرها مكي . وقال ابن عباس : كان يمر علي على الحارث بن قيس وناس معه فيسخرون من علي ويضحكون ; ففيه نزلت : إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون إلى آخر السورة . وقال السدي فيما حكاه الواحدي عنه في "أسبابه" : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وبها رجل يقال له : أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر . فأنزل الله الآية . وقال الطبري في "تفسيره" : كان عيسى بن عمر فيما ذكر عنه يجعلهما حرفين ويقف على كالوا وعلى وزنوا ، ثم يبتدئ فيقول : هم يخسرون ، والصواب عندنا الوقف على هم .

[ ص: 299 ] والتعليق الأول ذكره ابن أبي شيبة من حديث طارق بن عبد الله المحاربي بإسناد جيد ، والثاني -ويذكر عن عثمان- أسنده الدارقطني بإسناد ضعيف إلى منقذ مولى سراقة ، وليس بمشهور عن عثمان ، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إذا ابتعت طعاما فاكتل ، وإذا بعت فكل" . ولابن أبي حاتم ، عن محمد بن حمير ، عن الأوزاعي ، حدثني ثابت بن ثوبان ، حدثني مكحول ، عن أبي قتادة قال : كان عثمان يشتري الطعام ويبيعه قبل أن يقبضه ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وإذا ابتعت فاكتل إذا بعت فكل" ثم قال : قال أبي : هذا حديث منكر الإسناد . وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن سعيد بن المسيب ، عن عثمان ، وعن جابر : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان ، صاع البائع وصاع المشتري .

وفي إسناده ابن أبي ليلى .

ومعنى "إذا بعت فكل" أي : أوف . "وإذا ابتعت فاكتل" أي : استوف بكيل لا لك ولا عليك . نبه عليه ابن التين .

[ ص: 300 ] والتعليقان إثر حديث جابر سلفا في الصلاة موصولين وستكون لنا عودة إليه في الأطعمة .

و (فراس) هو ابن يحيى أبو يحيى الهمداني المعلم .

و (وهب) هو ابن كيسان ، أبو نعيم ، مولى عبد الله بن الزبير المدني التابعي ، مات سنة ست . وقيل : سنة سبع وعشرين ومائة .

وروي عنه أنه قال : رأينا سعد بن مالك وأبا هريرة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك يلبسون الخز ، ومغيرة الراوي عن الشعبي عن جابر هو ابن مقسم الضبي ، مات بعد الثلاثين ومائة .

أما فقه الباب : فالذي عليه الفقهاء أن الكيل والوزن فيما يكال ويوزن من المبيعات على البائع ومن عليه الكيل والوزن فعليه أجرة ذلك ، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأبي ثور ، وقال الثوري :

كل بيع فيه كيل أو وزن أو عد فهو على البائع حتى يوفيه إياه ، فإن قال : أبيعك النخلة فجذاذها على المشتري ، قال : وكل بيع ليس فيه كيل ولا وزن ولا عد فجذاذه وحمله ونقصه على المشتري ، والقرآن في ذكره البخاري يشهد لحديث عثمان في الباب ، وكذا قصة يوسف - عليه السلام - أن البائع عليه الكيل ، قال تعالى : ألا ترون أني أوفي الكيل [يوسف : 59] وقوله : فأوف لنا الكيل [يوسف : 88] ومع أنه [ ص: 301 ] شرع من قبلنا . وكذا قوله : " (كل للقوم" . فكلتهم حتى أوفيتهم) وجابر هو الغارم عن أبيه ، وهو لائح ; لأن من باع شيئا مسمى ومقدارا معروفا من طعام فعليه أن يعينه ويميزه مما سواه ، وكذلك من ابتاع بدراهم موزونة معلومة يعطيها للبائع فعليه الوزن والانتقاء ، كذا قاله ابن بطال معللا بأن عليه تعيين ما باعه من الدراهم بالسلعة .

وعندنا أن مؤنة الكيل على البائع ، ووزن الثمن على المشتري . وفي أجرة النقاد وجهان ، وينبغي أن تكون على البائع ، وأجرة النقل المحتاج إليها في تسليم المنقول على المشتري صرح به المتولي ، وقال بعض أصحابنا : على الإمام أن ينصب كيالا ووزانا في الأسواق ويرزقهما من سهم المصالح ، ثم إذا تولى ما ذكرناه أحد المتبايعين وجب عليه العدل وحرم عليه التطفيف . والأولى للباذل أن يزيد يسيرا للاحتياط ، وللبائع إن تولاه أن ينقص يسيرا .

قال الغزالي : وكل من خلط مع الطعام ترابا أو وزن مع اللحم عظاما لم تجر العادة بها فهو من المطففين ، وكذا إذا جر البزاز الثوب مع الذراع عند بيعه لغيره .

وقال ابن التين : ومعنى ("إذا ابتعت فاكتل") أي : استوف كما سلف ، ليس أن الكيل على البائع والكيل على المشتري ، وهذا تضاد لو كان هكذا .

وحديث جابر : فيه : الشفاعة في وضع بعض الدين .

وفيه : تأخير الغريم بمقدار ما لا يضر بأهل الدين ، وكان غرماؤه يهود فلم يشفعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي .

[ ص: 302 ] ومعنى ("صنف تمرك أصنافا") : اعزل كل صنف على حدة .

والعجوة : أحد أنواع تمر المدينة .

("وعذق زيد") بفتح العين . نوع من التمر رديء كعذق ابن حبيق .

و (العذق) بفتح العين : النخلة ، وبكسرها : الكباسة .

وفيه : الإرسال إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي الموضع الذي وعد أن يأتيه .

وفيه : جواز الجلوس على التمر .

وقوله : ("كل للقوم") فيه : أن الكيل على البائع كما قدمناه : لأنه يوفي عن أبيه ، فصار كأنه البائع ، ولهذا أتى به البخاري هنا .

وقوله : (وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء) : هو من أعلام نبوته ، وظهور بركته حين مشى في المجد .

وفيه : أن بعض الورثة يقوم مقام بعض .

ومعنى ("جذ له") أي : اقطع ، وفي رواية أخرى : سألهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقبضوا تمر حائطي ويبرئوه .

فائدة : قال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن من اشترى طعاما فليس له بيعه حتى يقبضه ، واختلفوا في غير الطعام على أربعة مذاهب :

[ ص: 303 ] أحدها : لا يجوز بيع شيء قبل قبضه سواء جميع المبيعات كما في الطعام ، قاله الشافعي ومحمد بن الحسن ، وهو قول ابن عباس .

ثانيها : يجوز بيع كل مبيع قبل قبضه إلا المكيل والموزون . قاله عثمان بن عفان وابن المسيب والحسن والحكم وحماد والأوزاعي وأحمد وإسحاق .

ثالثها : لا يجوز بيع مبيع قبل قبضه إلا الدور والأراضي ، قاله أبو حنيفة وأبو يوسف .

رابعها : مثله ، إلا المأكول والمشروب ، قاله مالك وأبو ثور .

وفي رواية ابن وهب عن مالك : في دون الخضروات . وقال عثمان البتي يجوز بيع كل شيء قبل قبضه ، وهو مصادم للنصوص .

التالي السابق


الخدمات العلمية