التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2029 2136 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" . زاد إسماعيل : "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه" . [2124 - مسلم: 1526 - فتح: 4 \ 349]


ذكر فيه حديث ابن عباس : أما الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو الطعام أن يباع حتى يقبض . قال ابن عباس : ولا أحسب كل شيء إلا مثله .

وحديث ابن عمر : "من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه" . زاد إسماعيل : "من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه" .

الحديثان في مسلم أيضا ، وحديث ابن عمر تكرر .

وقوله : (زاد إسماعيل) يعني ابن أبي أويس عن مالك ، ولو عبر بقوله : وقال إسماعيل لكان أحسن ، وقد اعترضه الإسماعيلي فقال ردا عليه : قد قاله أيضا الشافعي وقتيبة وابن مهدي عن مالك

[ ص: 322 ] وقوله : "فلا يبيعه" قال ابن التين : كذا وقع ، ولفظه لفظ الخبر ، ومعناه الأمر ، كقوله تعالى : لا يمسه إلا المطهرون [الواقعة : 79] وبوب ابن بطال باب بيع ما ليس عندك ، وذكر فيه حديث مالك (م . الأربعة) بن أوس عن ، عمر المذكور في الباب قبله فقط ، ثم ترجم : باب بيع الطعام قبل أن يقبض ، ثم ذكر حديث ابن عباس وابن عمر فيه ، والأمر قريب ، والعمل بهذه الأحاديث واجب ولم يختلف أحد من العلماء في ذلك -أعني : في الطعام إذا بيع على كيل أو وزن أو عدد- إلا عثمان البتي كما سلف ، وعنه أيضا أنه أجاز بيع الطعام المسلم فيه قبل قبضه وهو مردود .

[ ص: 323 ] واختلف المذهب عندهم في مسائل هل يجري فيها هذا الحكم ، كالخضروات والفلفل وغير ذلك ، ولا يجوز بيع ما ليس عندك ولا في ملكك وضمانك من الأعيان المكيلة والموزونة والعروض كلها ، لنهيه - عليه السلام - عن ذلك .

وروي النهي عن بيع ما ليس عندك وربح ما لم تضمن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ، ومن حديث حكيم بن حزام أيضا ، لكن لم يكن إسناده من شرط الكتاب ، وإن كان الأول صححه الترمذي والحاكم ، والثاني صححه الترمذي وحسنه [ ص: 324 ] البيهقي فاستنبط معناه من حديث مالك بن أوس ، وبه يزول اعتراض ابن التين عليه حيث قال : بوب له ولم يأت فيه إلا بهذين الحديثين ، وذلك يدخل في باب بيع ما ليس عندك . فالمعنى : ما يكون [ ص: 325 ] في ملكك غائبا من النقدين لا يجوز بيع غائب منها بناجز ، وكذلك البر والتمر والشعير لا يباع بشيء من جنسه ، إلا بطعام مخالف لجنسه ولا يدا بيد ، لقوله : "وإلا هاء وهاء" يعني : خذ وأعط ; إحاطة من الله تعالى لأصول الأموال وحرزا لها ، إلا ما رخصت السنة بالجواز من بيع ما ليس عندك ، ومن ربح ما لم يضمن وهو السلم ، فجوزت فيه ما ليس عندك ، ومن ربح مما يكون في الذمة من غير الأعيان ; توسعة من الله تعالى لعباده ورفقا بهم ، وأيضا إذا امتنع بيع المبيع قبل قبضه فما ليس في ملكه أولى بالمنع .

وبيع ما ليس عندك يحتمل معنيين ، كما قال ابن المنذر : أحدهما : أن تقول : أبيعك عبدا أو دارا مغيبة عني في وقت البيع ، فلعل الدار أن تتلف ولا يرضاها ، وهذا يشبه بيع الغرر .

الثاني : أن تقول : أبيعك هذه الدار بكذا على أن أشتريها لك من صاحبها ، أو على أن يسلمها لك صاحبها ، وهذا مفسوخ على كل حال ; لأنه غرر ، إذ قد يجوز ألا يقدر على تلك السلعة أولا يسلمها إليه مالكها ، قال : وهذا أصح القولين عندي ، لأني لا أعلمهم يختلفون أنه يجوز أن أبيع جارية رآها المشتري ، ثم غابت عني وتوارت بجدار ، وعقد البيع ، ثم عادت إلي ، فإذا أجاز الجميع هذا البيع لم يكن فرق بين أن تغيب عني بجدار ، أو يكون بيني وبينها مسافة وقت عقد البيع .

وقال غيره : ومن بيع ما ليس عندك العينة ، وهي دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل بأن تقول : أبيعك بالدراهم التي سألتني سلعة كذا ، ليست عندي أبتاعها لك ، فبكم تشتريها مني ؟ فيوافقه على الثمن ثم يبتاعها ويسلمها إليه ، فهذه العينة المكروهة ، وهي بيع ما ليس عندك ، وبيع [ ص: 326 ] ما لم تقبضه ، فإن وقع هذا البيع ، فسخ عند مالك في مشهور مذهبه وعند جماعة من العلماء .

وقيل للبائع : إن أعطيت السلعة أبتاعها منك بما أشتريها جاز ذلك ، وكأنك إنما أسلفته الثمن الذي ابتاعها .

وقد روي عن مالك : أنه لا يفسخ البيع ; لأن المأمور كان ضامنا للسلعة لو هلكت .

قال ابن القاسم : وأحب إلي لو تورع عن أخذ ما زاده عليه . وقال عيسى بن دينار : بل يفسخ البيع إلا أن تفوت السلعة فيكون فيها القيمة .

وعلى هذا سائر العلماء بالحجاز والعراق ، كما قال ابن بطال ، قال : وأجمع العلماء أن كل ما يكال أو يوزن من الطعام كله مقتاتا أو غيره ، وكذلك الإدام والملح والكسبر وزريعة الفجل الذي فيها الزيت المأكول ، فلا يجوز بيع شيء منه قبل قبضه ، ومعنى النهي عن بيعه قبل قبضه عند مالك فيما بيع مكايلة أو موازنة لما فيها بيع منه جزافا على ما سلف .

واختلفوا في بيع العروض قبل قبضها ، فذهب ابن عباس وجابر إلى أنه لا يجوز بيع شيء منها قبل قبضه قياسا على الطعام ، وهو قول الكوفيين والشافعي ، وحملوا نهيه - عليه السلام - عن ربح ما لم يضمن على العموم في كل شيء ، إلا الدور والأرضين عند أبي حنيفة ، فأجاز [ ص: 327 ] بيعها قبل قبضها ; لأنها لا تنقل ولا تحول ، وحمل مالك نهيه عن ربح ما لم يضمن عن الطعام وحده دون العروض والحيوان ، فإن ربحها حلال ; لأن بيعها قبل استيفائها حلال .

قال ابن المنذر : والحجة لهذا القول أنه - عليه السلام - إنما نهى عن بيع الطعام قبل قبضه خاصة ، فدل أن غير الطعام ليس كالطعام ، ولو لم يكن كذلك لما كان في تخصيصه الطعام فائدة ، وقد أجمعوا أن من اشترى جارية وأعتقها في تلك الحال قبل قبضها أن عتقه جائز ، فكذلك البيع -قلت : لا ، فالشارع متشوف إلى فك الرقاب- وقال أبو ثور كقول مالك .

تنبيهات وفوائد :

الأول : قال الحميدي فيما حكاه أبو نعيم الأصبهاني : قال سفيان : حديث مالك بن أوس أصح حديث روي في الصرف .

وخالف أبو الوليد ابن رشد فقال : أصحها عندي حديث أبي سعيد الخدري -يعني الآتي بعد - ، وكذا قاله أبو عمر ابن عبد البر .

ثانيها : قوله : "الذهب بالذهب ربا" كذا وقع هنا من طريق عمرو بن دينار ، عن الزهري ، عن مالك .

[ ص: 328 ] وروى يحيى بن يحيى الليثي ، عن مالك : "الذهب بالورق" وكذا رواه معن وجماعة عن مالك .

وقال ابن أبي شيبة : أشهد على ابن عيينة أنه قاله كذلك ، ولم يقل : "الذهب بالذهب" يعني : في حديث ابن شهاب هذا ، ورواه ابن إسحاق عن الزهري كما في الكتاب بزيادة "والفضة بالفضة" ، وكذا رواه أبو نعيم عن ابن عيينة ، ولم يقله أحد عن ابن عيينة غيره ، وكذا رواه الأوزاعي عن مالك .

ثالثها : في البيهقي من حديث مجاهد ، عن ابن عمر : الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، لا فضل بينهما هذا عهد نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلينا ، ثم قال : قال الشافعي : هذا خطأ . ثم ساقه بإسناده إلى أن قال : هذا عهد صاحبنا إلينا ، ثم قال الشافعي : يعني بصاحبنا ; عمر بن الخطاب .

واعترضه أبو عمر فقال : هذا غير جيد من الشافعي على أصله ، [ ص: 329 ] والأظهر أن (صاحبنا) أراد به الشارع لا عمر ، ثم قال : والناس لا يسلم أحد منهم من السهو .

قلت : الواهم هو ، فإن نافعا قال : إن ابن عمر لم يسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصرف شيئا -كما رواه البيهقي وبينه- إنما سمعه من أبيه وأبي سعيد .

رابعها : من الروايات الباطلة في حديث ابن عمر : (ونهى عن الزبيب بالزبيب) ، نبه على ذلك ابن عدي .

قاعدة أذكرها هنا تتعلق بحديث مالك بن أوس في الباب قبله وببقية أبواب الربا الآتية ويحال ما بعد عليها : وهي أن الإجماع قائم على أن الذهب عينه وتبره سواء لا تجوز المفاضلة فيه ، وكذا الفضة بالفضة ومصوغ ذلك ومضروبه ، وهو خلف عن سلف ، إلا شيء يروى عن [ ص: 330 ] معاوية من وجوه أنه كان لا يرى الربا في بيع العين بالتبر ولا بالمصوغ ، وكان يجيز في ذلك التفاضل ، ويذهب إلى أن الربا لا يكون التفاضل إلا في التبر بالتبر ، والمصوغ بالمصوغ ، وفي العين بالعين .

والسنة المجمع عليها بنقل الآحاد والكافة خلاف ما كان يذهب إليه معاوية ، وقام الإجماع على تحريم الربا في الأعيان الستة المنصوص عليها : الذهب ، والفضة ، والبر ، والشعير ، والتمر ، والملح .

واختلفوا فيما سواها ، فعند أهل الظاهر وقبلهم مسروق وطاوس والشعبي وقتادة ، وعثمان البتي فيما ذكره المازري إلى أنه يتوقف التحريم عليها ، وأباه سائر العلماء وقالوا : بل يتعدى إلى ما في معناها .

فأما الذهب والفضة ففي علتها قولان : أحدهما : أن العلة كونهما قيم الأشياء غالبا ، قاله الشافعي .

ثانيهما : أن العلة الوزن في جنس واحد فألحق بها كل موزون ، قاله أبو حنيفة .

وأما الأربعة الباقية ففيها تسع مذاهب غير مذهب أهل الظاهر :

أحدها : أنها الانتفاع ، تعدى إلى كل ما ينتفع به ، قاله أبو بكر بن كيسان الأصم ، فيما حكاه القاضي الحسين .

ثانيهما : أنها الجنسية ، قاله ابن سيرين والأودي من أصحابنا ، فحرم كل شيء بيع بجنسه ، كالتراب بالتراب متفاضلا ، والثوب بالثوبين ، والشاة بالشاتين .

[ ص: 331 ] ثالثها : أنها المنفعة في الجنس ، قاله الحسن البصري ، فيجوز عنده بيع ثوب قيمته دينار بثويين قيمتهما دينار ، لا بثوب قيمته ديناران .

رابعها : أنها تفاوت المنفعة في الجنس ، قاله سعيد بن جبير ، فيحرم التفاضل في الحنطة بالشعير ; لتفاوت منافعهما ، وكذلك الباقلاء بالحمص ، والدخن بالذرة .

خامسها : أنها كونه جنسا تجب فيه الزكاة ، قاله ربيعة ، فحرم الربا في جنس تجب فيه الزكاة من المواشي والزروع وغيرهما ، ونفاه عما لا زكاة فيه .

سادسها : أنها الاقتيات والادخار ، وهو مذهب مالك ، ونفاه عما ليس بقوت كالفواكه ، وعما هو قوت لا يدخر كاللحم .

سابعها : أنها كونه مكيل جنس أو الوزن مع جنسين ، وهو مذهب أبي حنيفة ، فحرم الربا في كل مكيل وإن لم يؤكل كالحمص والنورة والأشنان ، ونفاه عما لا يكال ولا يوزن وإن كان مأكولا كالسفرجل والرمان .

ثامنها : أن العلة الطعم فقط ، سواء كان مكيلا أو موزونا أم لا ، وهو مذهبنا ، وإليه ذهب أحمد وابن المنذر .

تاسعها : أنها المطعوم الذي يكال أو يوزن ، وهو مذهب سعيد بن المسيب ، وقول قديم للشافعي .

ونفوه عما لا يؤكل ولا يشرب ، أو يؤكل ولا يوزن كالسفرجل والبطيخ .

ومحل بسط أدلة المذاهب كتب الخلاف والفروع ، واتفقوا على أن من شرط الصرف أن يكون ناجزا ، واختلفوا في حده ، فقال أبو حنيفة

[ ص: 332 ] والشافعي : ما لم يفترقا . وقال مالك : إن تأخر القبض في المجلس بطل الصرف وإن لم يفترقا .

وهذه متعلقات به : فإن البخاري فرق أبوابه .

الأولى : سيأتي في باب بيع الشعير بالشعير : فتراوضنا . يعني : زدت أنا ونقص هو .

وفيه : اصطرف مني ، افتعل من الصرف ، والأصل اصترف بالتاء ، والذهب ربما أنث لغة حجازية ، القطعة منه ذهبة ، والجمع : أذهاب وذهوب ، قاله كله في "المنتهى" . وقال الأزهري : لا يجوز تأنيثه إلا أن يجعل جمعا لذهبة . وعن صاحب "العين" : الذهب : التبر ، والقطعة منه ذهبة تذكر وتؤنث .

وعن ابن الأنباري : الذهب أنثى ، وربما ذكر . وعن الفراء : وجمعه ذهبان .

ثانيها : أسلفنا في باب : ما يذكر في بيع الطعام والحكرة ، الكلام على "هاء وهاء" . وقال صاحب "العين" : هو حرف مستعمل في المناولة ، تقول : هاء وهاك ، وإذا لم تجئ بالكاف مددت ، فكانت المدة في هاء خلفا من كاف المخاطبة .

وعن الفراء : أهل نجد يقولون : ها يا رجل ، وأهل نجد بنصبها كقول أهل الحجاز ، وبعضهم يجعل مكان الهمزة كافا . وفي "المنتهى" : هاء بالهمز والسكون . وفي "الجامع" : فيه لغات : بألف ساكنة وهمزة [ ص: 333 ] مفتوحة ، وهو اسم للفعل ، ولغة أخرى : ها يا رجل ، فتحذف التاء للجزم ، ومنهم من يجعله بمنزلة الصوت ، فيقول : ها يا رجل . وذكر السيرافي فيها سبع لغات .

ثالثها : قوله : (سواء بسواء) . قال ابن التين : ضبط في غير أم بالقصر ، وهو في اللغة ممدود مفتوح السين : أي المماثلة في المقادير .

وقوله هناك في باب بيع الفضة بالفضة : "ولا تشفوا بعضها على بعض" . الشف : النقصان والزيادة ، شف يشف شفا : زاد ، وأشف يشف : إذا نقص ، والاسم منه الشف والشف .

قال ابن التين : أراد في الحديث : لا تزيدوا بعضها على بعض ولا تنقصوا ، وكأن الزيادة أولى إلا أنه عداه بعلى ، و (على) مختصة بالزيادة ، و (عن) مختصة بالنقصان ، ولا يصح حمله على النقص مع (على) إلا على مذهب من يجيز بدل الحروف بعضها من بعض ، فيجعل (على) موضع (عن) وفيه بعد .

رابعها : الربا يقع في التبايع إما بالزيادة أو بالنسيئة ، فالزيادة لا تكون إلا في الجنس الواحد كالذهب بالذهب مثلا ، بخلاف النسيئة فإنها قد تكون فيه وفي الجنسين كالذهب بالورق وعكسه نسيئة ، وهذان الأمران حرام عند الشافعي ، وبه قال عامة الصحابة والتابعين ومن بعدهم .

وقال أبو حنيفة كذلك في النقدين ، وقال الذي عداهما : يجوز التفرق قبل القبض ، فأجاز فيها النسيئة .

[ ص: 334 ] وذهب جماعة من الصحابة إلى أن الربا إنما هو في النسيئة خاصة ، فأما في التفاضل فجائز إذا كان يدا بيد ، حكي ذلك عن ابن عباس وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد وعبد الله بن الأثير والبراء بن عازب ، واختلف عن ابن عباس ; ففي مسلم أن أبا سعيد قال له : أرأيت هذا الذي تقول أشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو شيء وجدته في كتاب الله ؟ فقال : لا ولأنتم أعلم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني ، ولكن أخبرني أسامة بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الربا في النسيئة" .

وسيأتي في البخاري أيضا .

وفي رواية الأثرم عنه أنه قال : ما أنا بأقدمكم صحبة ولا أعلمكم لكتاب الله ، ولكني سمعت زيد بن أرقم والبراء بن عازب يقولان : سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "لا يصلح بيع الذهب والفضة إلا يدا بيد" ، فقال أبو سعيد : إنما سمعته يقول : "مثلا بمثل فمن زاد فهو ربا" .

وعند الترمذي وابن المنذر والأثرم : أنه رجع إلى قول الجماعة .

قال ابن التين : ورواية ابن عباس عن أسامة إن كانت محفوظة ، فيحتمل أن يكون سمع بعض الحديث فحكى ما سمع ، وذلك أن يكون - عليه السلام - سئل عن الذهب بالفضة ، أو الشعير بالتمر فقال : "إنما الربا في النسيئة" .

ورد الخطابي قول من زعم النسخ ; لأنه لم يكن مشروعا قط حتى نسخ ، وهذا مما غلط فيه كثير من العلماء ، يضعون التحريم موضع النسخ [ ص: 335 ] لمن يقول : شرب الخمر منسوخ ولم يكن شربه مشروعا قط ، وإنما كانوا يشربونها على عادتهم المتقدمة قبل الحظر .

ولابن حزم من طريق حيان بن عبيد الله ، عن أبي مجلز : قال عبد الله لأبي سعيد : جزاك الله خيرا ذكرتني أمرا قد كنت أنسيته ، فأنا أستغفر الله وأتوب إليه ، فكان ينهى عنه بعد ذلك .

ورواه الطبري بلفظ : فلقيه أبو سعيد فقال : يا ابن عباس ألا تتقي الله حتى متى تؤكل الناس الربا! ؟ ثم ساق الحديث "يدا بيد ، مثلا بمثل ، فما زاد فهو ربا" .

قال ابن حزم : حيان عن أبي مجلز لا حجة فيه ; لأنه منقطع لم يسمعه من أبي سعيد ولا من ابن عباس ، قال : وقد روى رجوعه سليمان بن علي الربعي وهو مجهول لا يدرى من هو ، عن أبي الجوزاء ، وروى عنه أيضا أبو الصهباء أنه كرهه ، وروى عنه طاوس ما يدل على (التوقف) ، وروى عنه الثقة المختص به خلاف هذا ، ثم روى بإسناده إلى سعيد بن جبير عنه أنه قال : ما كان الربا قط (هاك وهاك) ، وحلف سعيد بن جبير بالله ما رجع عنه عبد الله حتى مات وفي حديث سعيد عن أبي صالح قال : صحبت ابن عباس حتى مات ، فوالله ما رجع عن الصرف . وعن سعيد بن جبير : سألت ابن [ ص: 336 ] عباس قبل موته بعشرين ليلة عن الصرف ، فكان يأمر به ولم ير به بأسا .

قال ابن حزم : وفي حديث أبي مجلز عن ابن عباس الذي أسلفناه (وكذلك ما يكال ويوزن) هذه اللفظة مدرجة من كلام أبي سعيد ثم أوضحه ; لأنه لما تم كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو مجلز : وكذا ما يكال ، مفصولا عن الحديث الأول . وروى الأثرم في البيوع عن الحسن البصري : لو لم يرجع عنه لما التفت إليه .

فائدة : ذكر محمد بن أسلم قاضي سمرقند في كتاب "الربا" : أن من الاحتيال في الربا إذا قال : اشتر هذا حتى أشتريه منك ، وأسند عن ابن عمر كراهته ، وعن إبراهيم أيضا .

وسماه الحسن : المواضعة وكرهه ، وكذا طاوس . قال محمد بن أسلم : ولقد كره الحسن وابن سيرين أن يشتري الرجل التجارة ويحملها إلى منزله ، فيضعها في بيته يبتغي بها من يشتريها بالنسيئة .

التالي السابق


الخدمات العلمية