التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2031 [ ص: 338 ] 57 - باب: إذا اشترى متاعا أو دابة فوضعه عند البائع ، أو مات قبل أن يقبض

وقال ابن عمر : ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من المبتاع .

2138 - حدثنا فروة بن أبي المغراء ، أخبرنا علي بن مسهر ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : لقل يوم كان يأتي على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا يأتي فيه بيت أبي بكر أحد طرفي النهار ، فلما أذن له في الخروج إلى المدينة لم يرعنا إلا وقد أتانا ظهرا ، فخبر به أبو بكر فقال : ما جاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الساعة إلا لأمر حدث . فلما دخل عليه قال لأبي بكر : " أخرج من عندك" . قال : يا رسول الله ، إنما هما ابنتاي . يعني : عائشة وأسماء . قال : "أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج ؟ " . قال : الصحبة يا رسول الله . قال : "الصحبة" . قال : يا رسول الله ، إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج ، فخذ إحداهما . قال : "قد أخذتها بالثمن" . [انظر : 476 - فتح : 4 \ 351] . \ 50
ثم ساق حديث عائشة : لقل يوم كان يأتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا يأتي فيه بيت أبي بكر أحد طرفي النهار ، فلما أذن له في الخروج . . الحديث .

وفي آخره إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج ، فخذ إحداهما . قال : "قد أخذتها بالثمن" .

وشيخ البخاري فيه فروة بن أبي المغراء ، معدي كرب الكوفي ، وروى الترمذي عن رجل عنه مات سنة خمس وعشرين ومائتين .

[ ص: 339 ] وأثر ابن عمر سلف ، وصححه ابن حزم ، ولا مخالف كما قال ابن المنذر ، فهو كالإجماع .

وحديث عائشة سلف في الصلاة مطولا .

وقد اختلف العلماء في هلاك المبيع قبل أن يقبض ، فذهب أبو حنيفة والشافعي أنه من ضمان البائع . وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور : من ضمان المشتري .

وفرق مالك بين الثياب والحيوان ، فقال : ما كان من الثياب والطعام ، وما يغاب عليه فهو من ضمان البائع .

قال ابن القاسم : لأنه لا يعرف هلاكه ولا بينة عليه ، ويتهم أن يكون ندم فيه فغيبه ، وأما الدواب والحيوان والعقار فمن المشتري .

وبالأول قال سعيد بن المسيب وربيعة والليث فيمن باع عبدا واحتبسه بالثمن وهلك في يده قبل أن يأتي المشتري بالثمن ، وأخذ به ابن وهب ، وكان مالك قد أخذ به أيضا .

[ ص: 340 ] وقال سليمان بن يسار : هو من المشتري ، سواء حبسه البائع ومنعه من الثمن أم لا . ورجع إليه مالك .

احتج الأولون بفساد بيع الصرف قبل القبض ، فدل أنه من ضمان البائع ، ولا خلاف أن من اشترى طعاما مكايلة فهلك قبل القبض في يد البائع أنه من البائع ، فكذا ما سواه قياسا ، والشارع قد نهى عن بيع ما لم يقبض ; لأنه لم يضمن . وفرق غيرهم بين الصرف وبين ما نحن فيه بانتفاء حق التوفية هنا .

قيل : وإنما نهى عن بيع ما لم يقبض إذا لم يضمن بدليل إتلاف المشتري ، فإنه قبض .

ووجه استدلال البخاري بحديث عائشة هنا أن قوله - عليه السلام - : "قد أخذتها" في الناقة لم يكن أخذا باليد ، ولا بحيازة شخصها ، وإنما كان التزامه ; لأنه باعها بالثمن وإخراجها من ملك أبي بكر ; لأن قوله : "قد أخذتها" يوجب أخذا صحيحا وإخراجا للناقة من ذمة الصديق إليه بالثمن الذي يكون عوضا عنها ، فهل يكون الضياع أو التصرف بالبيع قبل القبض إلا لصاحب الذمة الضامنة لها ؟

وفيه من الفقه : إخفاء السر في أمر الله -عز وجل- إذا خشي من أهل العصر .

وفيه : أن الصديق أوثق الناس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه من أمن الناس عليه في صحبته وماله ; لأنه لم يرغب بنفسه عنه في حضر ولا سفر ولا استأثر بماله دونه .

ألا ترى أنه أعطاه إحدى ناقتيه بلا ثمن فأبى إلا به ، وسره حتى تكون الهجرة خالصة لله .

وفي استعداد الصديق الناقتين دلالة على أنه أفهم الناس لأمر الدين ، لأنه أعدهما قبل أن ينزل الإذن بالهجرة ، لأنه قبل ذلك رجا أنه لا بد أن [ ص: 341 ] يؤذن له ، كما أخرجه البيهقي في "دلائله" وغيره- فأعد ذلك .

وفيه : أن الافتراق الذي يتم به البيع في قوله : "البيعان بالخيار ما لم يفترقا" إنما يكون بالكلام عند من يراه لا بالأبدان ، لقوله - عليه السلام - لأبي بكر : "قد أخذتها بالثمن" قبل أن يفترقا ، وتم البيع بينهما ، وسيأتي بعض معانيه في باب : التقنع ، من اللباس إن شاء الله .

وبهذا الحديث أخذ مالك وأحمد وأبو حنيفة أن بيع العين الغائبة على الصفة جائز ، ومنعه الشافعي في أظهر قوليه ، وجائز عند مالك أن يبيع على أن المشتري بالخيار إذا رأى ، وأنكره البغداديون من أصحابه .

قال ابن التين : اختلف قول مالك في ضمان ما اشتري على الصفة وهو غائب ، فقال مرة : هو من البائع ، وبه أخذ ابن القاسم . وقال مرة : من المشتري ، وبه أخذ أشهب .

وعند أبي حنيفة أن البيع جائز ، وإن لم يشترط المشتري الخيار ، ويجب له الخيار حكما ، ويستدل بهذا الحديث ، وأنه - عليه السلام - أخذها بالثمن ، ولم يذكر شرط خيار رؤية ، ودليل البغداديين : أنه عقد عري عن الصفة فكان فاسدا كالسلم إذا عري عنها .

وفي "تاريخ دمشق" وغيره : أن الصديق لما قدم الناقة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليركبها ، قال : "لا أركب ناقة ليست لي" قال : هي لك ، قال : "بالثمن" .

[ ص: 342 ] فيستدل أنه رآها عند العقد ، لا كما استدل به من صحة بيع الغائب عند الوصف .

وقوله : (أعددتهما للخروج) ، كذا هو بخط الدمياطي ، وفي "الحاشية" : عددتهما ، وادعى ابن التين : أنه وقع في البخاري عددتهما ، ثم قال : وصوابه : أعددتهما ، لأنه رباعي وأما عددت ، فمن العدد ، وليس هذا موضعه .

وقوله : (لم يرعنا) : أي : لم يفزعنا .

وقوله : "أخرج من عندك" كذا هو بلفظ "من" وادعى ابن التين أنه وقع بلفظ "ما" ثم قال : وصوابه "من" ولا حاجة إلى ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية